هل جعلوا القرآن عضين؟!!
د . صادق السامرائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
أي جزّؤه أجزاءً , وجعلوه عضة عضة فتفرقوا فيه , فيؤمنون بجزء وينكرون غيره.
وكل قطعة عضَة.
القرآن فيه مبادئ , وهي أفكار جوهرية أصيلة , وقيم ومعايير إنسانية صالحة للحياة الصحيحة الطيبة.
ويحتوي من كل شيئ مَثل , ويقدم التفاعلات الإنسانية بأساليب متنوعة ذات قدرة على الفهم والتمثل والإقتداء.
وآياتُ كل سورة لا يمكن فصلها عن كاملها , وكل سورة تكون ضمن القرآن بمعانيه ومبادئه ومنطلقات رسالته , لأن القرآن حالة متكاملة متماسكة مرهونة بالوحدانية الكونية والإرادة الخلقية الواضحة والمعاني المشتركة للوجود بأسره.
فالقرآن ينطق بلسان الكون المطلق , المُحْكم الذي يجري بحسبان قادر قدير , ومدبّر عليم حكيم , وفيه قِوى متوازنة متداخلة متعاضدة تحافظ على عماراته الدوّارة وتنافراته الكرّارة.
وكتاب بهذا التدبّر والتمثل والثراء والإحتواء والإحكام , لا يصح أن يُجتزأ منه الآيات والعبارات , وتداولها مقطوعة عن البدن أو الكيان القرآني الذي تتوطنه , فكل عبارة وكلمة إنما دلالاتها تتحقق في فضائها القرآني الأكبر والأشمل , ولا يمكنها أن تكون مبتورة , ومأخوذة إلى حيث يُراد لها الأخذ.
وهذه مشكلة كبيرة تواجه المسلمين منذ قرون , إذ يتم بتر الآيات عن سياقها القرآني ومفهومها الإيماني وفضائها الكوني الحي , فيبدأ التلفظ بها على أنها تعني ما تعنيه وفقا لنوازع ودوافع النفوس ومشارب الأهواء البشرية , مما يدفع إلى السقوط في تفاعلات سلبية , وتحقيق التراكمات التدميرية للذات والموضوع.
وهذا ما يبدو واضحا في عصرنا المُدمى والمثخن الجراح , بسبب الإجتزاءات والتأويلات المنحرفة والتفسيرات النائية عن جوهر السورة التي بُترت منها الآية أو العبارة.
فالقرآن كيان فكري معرفي متكامل مترابط بإحكام , والإنحراف يتحقق عندما يقع الإجتزاء .
ولهذا فأن المطلوب إمتلاك المعرفة القرآنية التامة, لكي يصيب النظر بالمجتزءات من الآيات والعبارات.
أما أن يسود فقه الإجتزاء ومناهجه , فهذا هو البلاء المبين , الذي يصبح فيه القرآن حمّالا للأوجه وحسب,
فالإجتزاء يقتل روح القرآن ويُذهِب بالمبادئ والقيم والرؤى القرآنية الصالحة للحياة.
وهؤلاء "الذين جعلوا القرآن عضين" 15:91
"فوربك لنسألنهم أجمعين عمّا كانوا يعملون" 15:92