فلا اقتحم العقبة
ادريس هاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 لكي يكتمل عقلك فعليك النّأي عن مشوّشات النّفس..فإنّ النفس الأمّارة بالسّوء تستقوي عليك بضجيج الحشود..وترهنك لحسابات الخلق التي تمنعك من تحقيق الفضيلة في ذاتك فلا تجد لها بديلا إلاّ بالهروب من ذاتك إلى الخلق..ومتى تجد في نفسك الدّافع إلى التّأمّل وأنت غارق في سيل الحشود وقد احتجب عنك بضجيجها الملكوت؟؟..واعلم أن لا شيئ يستغني عن العقل ـ العقل الكامل لا عقل الصناعة ـ دين أو دنيا..وتأمل قول الصادق لهشام: (فمن هدم عقله أفسد عليه دنياه وآخرته) وقول أبي الحسنين: (فقد العقل شقاء)..أيّها الغافل مثلي فاعلم والزم فإنّ الآخر إن كان يصدر عن حاجة منك نابعة من فقد الفضيلة في نفسك فهو الجحيم ،وليس ذاك مصداق:(وكونوا مع الصادقين)..حين يكون النّظر إلى وجه الصادقين عبادة تزيدك عقلا وعرفانا..ويقابله النظر إلى ثقال القوم فهو تدهور ومحق للروح..ومن أصناف النظر إلى الثقال ما يورث الكفر كالنّاظر في وجه أهل العدوان..ورحم الله صدر المتألّهين حين قال:(فإنّ رؤية الثقيل هي العمى الأصغر) وقد استدل بقول جالينوس: (لكل شيء حمى، وحمى الروح النظر إلى الثقلاء)..فلا تخرج من تجربة الوجود خاوي الوفاض من فضيلة تعصم بها نفسك وتمنحك المعنى الجدير بالبقاء..إلاّ إن اخترت أن تبقى من شوارد الوجود وسقائط الأيّام ورعاع الخلق..فإن رمت طريق السّالكين إلى منبع الخير الوجودي فاعلم أنّه ليس طريقا سالكا من دون بلاء..ومفتاحه الصبر..كما الصبر مفتاح الفرج..وليس للفرج طريق غير الصبر..فانفض عنك ما يثقلك واسلك خفيفا تصل..واعلم أنّ طريقك هي ذات الشّوكة ومسارك محفوف بالأذى..ولكن لا أحد يعرف متعة كمال النّفس إلاّ سلاّك الطريق وإلاّ جالدوك عليها بالسيوف كما قال العرفاء فلا سظفر بها إلاّ أولوا بأس شديد في طريق السالكين.. واحذر فتنة الخلق فهي مداخل الفساد..فديدنهم أن يسقطوك إن رأوك تستعصم..أو يدنّسوك إن رأوك تتطهّر..أو يكسروك إن رأوك تتجابر..أو يعادوك إن رأوك تعمل وتسمو..فعدوك نفسك التي بين جنبيك..والنفوس الأمارة بالسوء التي حواليك..فالعالم وإن لم يقم بها ولكنها منغّصات الوجود لا مهرب منها إلاّ باقتحام العقبة..إنّ لكل مقام نسيان، ونسيان المقامات العليا هو نسيان شواغل عالم الخلق مصدر تثاقل الإنسان وخلوده إلى أسفل سافلين..فانس كلّ شواغلهم ليخلو لك تذكّر ما به ينفتح الطريق..واجعل لنفسك ولادة ثانية هي شرط الدخول في الملكوت كما ذكر المسيح..أن توجد مرتين..مرة تنسخ الأخرى..توجد ليس على نحو كان التامة بل على نحو كان الناقصة..وجودا مركّبا يأخذ العبرة من أخطاء النّشأة الأولى..واجعل لنفسك نشآت وهويات بقدر ترقّيك في الأنسنة التي لست ببالغها دون تحقيق فضائلها، فهي شرط انتقالك إلى ما بعدها: الكائن المتعالي عن بشريته نفسها..

واعلم أنّ هذا مما وجب التنبيه إليه منّي إليك ومن ثمّ إليّ لأنّني أحوج إليه..ولكن أذكّر نفسي بتذكيرك فلقد عزّ عليّ اقتحام العقبة..وما أدراك ما العقبة...

 

الموضوع السابق حتى التفجيرات فيها فوارق !...

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat