في ليلة حالكة ،وعند احد سواتر المواجهة ، كنت شارد الذهن ، تراودني الافكار والاحلام ، فاسرح بعيدا في الخيال ، اكلم نفسي ، اضحك تارة ، ابكي تارة اخرى وهكذا...
وفي لحظة صمت رهيبة ،اذ اخترق سمعي صوت اجش ، التفت الى مصدر ذلك الصوت ، واذا برجل طويل القامة،نحيل الجسم، محدودب الضهر ، اسمر اللون ،كث اللحية، اسود الشعر،يتخلله بعض البياض، جليل الهيئة ، عظيم الهيبة ، يبدو وكانه من عالم اخر.
جلس بجانبي واسند ضهره الى تراب ذلك الساتر،لاحظ تهيبي عن سؤاله فبادرني:كيف حالك بني؟
لاتحزن سينتهي كل شيء قريبا!
وتشرق الشمس من جديد..
وتبدد الضلام.
قالها بلغة الواثق المتيقن!
ثم اردف بذكاء متوقد
نعم انها خبرة الاف السنين
ومثلها من التجارب.
فانا شاهد على وضع الحرف الاول ، الذي ولد المعرفة.
وشهدت الغرسة الاولى ، التي اطعمت الناس من عرق الجبين.
وارتقيت العجلة الاولى، التي اختصرت والمسافات والطرق.
وشهدت گلگامش وملحمته.
وحمورابي ومسلته.
واور وسومر.
واوروك وبابل.
واكد واشور.
انا رفيق ابراهيم الخليل ، وشهدت معه نار الضلمة التي اريد لها ان تلتهم النور.
وشهدت الكوفة وعدلها ، ونهجها وبلاغتها، وتدوين عهدها الخالد.(عهد الاشتر)
والبصرة والجمل
وصفين والنهروان
ثم اطرق قليلا وقال:
شهدت كربلاء وما ادراك ما كربلاء ، وتلألأت في عينه دمعة، كما لو انها اخرجت معها زفرات قلبه.
ثم استدرك قائلا:
وكذلك بغداد .. شهدتها
بعصورها المختلفة..
بايامها البيضاء المشعة
ولياليها المضلمة
وشهدت وشهدت وشهدت..
وانا مصغي..
وكانه قد حلق بي في اجواء تلك العوالم السحيقة، الموغلة في القدم،اقلب معه صفحات التاريخ المشرقة ،والمعتمة على حد سواء.
وبينا انا كذلك..
واذا بربتة على كتفي
قطعت علي سلسلة مشاهداتي
تركني في حالة ذهول
لكنه اشار لسلاحي وقال:
ان في سلاحك لمعان ،يذكرني ببريق ذو الفقار في ليلة الهرير.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat