المرجع الفیاض: حوزة النجف مستقلة من الدولة بفضل جهود المراجع والعلماء
أصدر مکتب المرجع الدینی آیة الله الشیخ محمد اسحاق الفیاض كلمة توجيهية لطلبة العلوم الدينية بمناسبة التعطيل الدراسي.
نص البیان هو کما یلی:
الأول: أن الطلبة لابد أن يهتموا بدراستهم الحوزوية، والواجب عليهم هو الاهتمام بأمر الدراسة وتقديمها على كل عمل إلا الضروريات كتأدية الواجبات الشرعية مثل الصلاة والحاجيات الضرورية المعيشية كالأكل والشرب والنوم ما شاكل ذلك، وأما سائر الأوقات فتُصرف في المباحثة والمطالعة والكتابة حتى يحصل لهم الشوق المعنوي واللذة المعنوية، وإذا حصل ذلك فإنهم لا يتركون دراستهم ويزيد اهتمامهم بها.
الثاني: العمل، فلابد على طالب العلم أن يكون عمله مطابقاً للشرع الشريف فلا يكذب فإن الكذب حرام على الجميع ولكنه على طالب العلم أشد حرمة، وطالب العلم إذا كذب فإنه بقية الطلبة يُقاسون عليه، وكذا بقية الأمور القبيحة فإنها إن صدرت من طالب علم واحد فإن عامة الناس يقولون إن الطلبة يفعلون كذا وكذا، بنحو التعميم.
وعلى طالب العلم أن يزود نفسه بملكة الصدق فيكون صادقاً مع الله تعالى ومع مذهبه ودينه ومع شعبه ومع أصدقائه وأسرته.
وعلى طالب العلم أن يكف لسانه عن الناس، فإن الغيبة من المعاصي الكبيرة، وقد شُبّهت في القرآن الكريم بأكل لحم الأخ ميتاً، وعلى ذلك فإذا علم الإنسان بعيبٍ عند أخيه المؤمن فلا يجوز له إظهاره أمام الآخرين الذين لا يعلمون به، ولابد أن يكون ساتراً لعيوب المؤمنين إلا أن يكون الشخص متجاهراً بالفسق ولا حياء عنده من الله تعالى ولا من الناس فإنه لا حرمة له ولا كرامة في الشريعة المقدسة.
كما على طالب العلم أن يكون أميناً لا تصدر منه الخيانة لا في النفس ولا في العرض ولا في المال.
فعلى الطلبة تزويد أنفسهم بهذه الصفات الحسنة والملكات الحميدة.
ولا يخفى أن هذين العاملين مقوّمان للطالب، فإذا كان واجداً لهذين العاملين فهو من الطلاب الناجحين الذين يخدمون نفسهم ودينهم وآخرتهم وكذلك مجتمعهم وبلدهم وشعبهم، وإلا يكن الطالب واجداً لهذين العاملين فهو خاسر للدنيا والآخرة؛ لأنه قد أكل مال صاحب الزمان (عجل الله فرجه) غصباً وظلماً، ومَن هذا حاله فإن الأفضل له أن يخرج من سلك الطلبة وسلك الحوزة ويقوم بالكسب والعمل كسائر الناس ليأكل لقمة حلالاً.
وكيف كان فإضافةً إلى لزوم توفر هذين الأمرين في طلبة العلوم الدينية ينبغي عليهم أن يكونوا أصحاب أخلاق عالية ويكون حديثهم مع الناس بابتسامة الوجه ولين الجانب كما هي طريقة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والذي كان يتعامل مع المشركين – الذين هم أعدى أعدائه – بأخلاق عالية حتى نزل في حقه صلى الله عليه وآله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} وكذا الحال في أئمتنا عليهم السلام لأنهم امتداد للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله.
ولنا أن نلاحظ ما جرى على أمير المؤمنين صلوات الله عليه فإنه قد غُصب حقه وأُحرق باب داره واعتُدي على حرمه سيدة النساء عليها السلام وأُسقط ولدهما وظُلم بأي ظُلم! ومع ذلك فإنه تعامل مع الناس بأحسن الأخلاق وأجملها.
الأمر الثالث: أن حوزة النجف الأشرف هي أهم الحوزات العلمية وأقدمها فقد مضى على تأسيسها ألف سنة، وقد قام علماؤنا وفقهاؤنا بجهود وتضحيات وتحملوا الفقر الشديد في سبيل الحفاظ على مكانة هذه الحوزة العلمية واستقلاليتها من الدولة وأيدي الظالمين، فأصبحت الحوزة ببركة جهودهم مستقلةً في الجانب الاقتصادي والسياسي والتعليمي، فكان علماؤنا لا يقبلون من الدولة درهماً ولا ديناراً، والدولة حاضرة أن تموّل الحوزة إلا أن المراجع لا يقبلون درهماً منها، لأنهم مستقلون ويعملون بوظيفتهم أمام الله وأمام صاحب العصر عليه السلام وليسوا موظفين للدولة ولا لغيرها.
وعلينا أن نتعامل مع بقية الناس بنفس هذه الطريقة من الاستقلالية وعدم جعل شيء أمام نظرنا سوى الله سبحانه وتعالى. هذا من جهة.
ومن جهة أخرى فإن دراسة هذه الحوزة دراسة حول الكتاب والسنة، ولا تتجاوزهما مهما تطورت وتوسعت وتعمقت، ولهذا تكون فتاوى العلماء على الموازين الشرعية، ولا يمكن أن يفتي عالم شيعي على خلاف الكتاب والسنة.
وأما بالنسبة لسائر الطوائف فليس عندهم كحوزاتنا العلمية، وليسوا مستقلين عن الحكام والسلاطين، ولذا نجد في فتاواهم ما يخالف الكتاب والسنة، كما يوجد عندهم فتاوى تكفيرية لبعض الطوائف الإسلامية ووجوب قتل أتباع تلك الطوائف كما هو حاصل تجاه أتباع أهل البيت عليهم السلام، وأما في الشيعة فلا تجد فقيهاً منهم يفتي بكفر سائر الطوائف.
وإن القاسم المشترك بين جميع الطوائف هو الإسلام، وهو متمثل في كلمتين: كلمة التوحيد وكلمة الرسالة، فمن آمن بالله وحده لا شريك له وبرسالة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله فهو مسلم محقون الدم والعرض والمال، سواء كان سنياً أم شيعياً أو غير ذلك من الطوائف.
وهذه الحوزات العلمية المباركة تحافظ على اعتدال المذهب وعلى سلامته من الأفكار المنحرفة والأفكار المتطرفة والتكفيرية، ولهذا لا توجد في مذهب الإمامية أفكار متطرفة.
وبكملة: إن الحوزة العلمية من خلال المكانة العلمية التي تتميز بها ومن خلال استقلالها تحافظ على سلامة المذهب واعتداله من الإفراط والتفريط، ولهذا انتشر في العالم أن مذهب الشيعة مذهبٌ معتدلٌ.
وفي الختام نسأل من الله تعالى مزيد التوفيق لكم ولزملائكم، وأن يحفظ علماءنا وطلابنا ويحفظ بلاد المسلمين من شر هؤلاء المجرمين بحق محمد وآل محمد عليهم السلام، وألتمس منكم الدعاء.