منطق و مصير التحالفات الجديدة في المنطقة....
ادريس هاني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
العناد الذي يذكيه خيال السياسة والحرب لا يصمد أمام الكساد الاقتصادي..المترفون لا يقاومون.. ثمة إكراهات جديدة ستفرض نفسها على المنطقة.. لا شيء أكثر قهرا لجبروت السياسة من العجز المالي..يبدو العناد أبعد مدى من الاقتدار المصرفي..بل العناد في السياسة والاقتصاد مقدّمة لخراب العمران..العالم يتغيّر بطريقة دراماتيكية..غير أنّ اللاعبين الذين أصيبوا بالإحباط لا زالوا يحتفظون بالأقنعة..قلنا أنّ تاريخانية الكذب تعطينا فكرة عن جملة الأوهام التي يبنى عليها النظام العالمي سياساته..لم يحدث يوما أن النظام العالمي بنيّ على الصدق..والدول أو رعايا النظام الدولي هي في وضع طبقي..العالم يتجه نحو مزيد من الكشف عن سياساته الحقيقية غير المعلنة سابقا..ذلك لأنّ هناك تراجعا في عملية الإقناع..قد تكون الحروب شكلا من العودة إلى الحلول المالتوسية لأنّ التطور في منحنى أمل الحياة بات يتهدّد ليس الهويات المرفّهة بل هو عامل لإحباط المؤامرة..فالديمغرافيا تربك لعبة الأمم..وهي لهذا السبب تسعى للتقسيم والتفتيت..يجب أن لا نستبعد حسابات الاقتصاد السياسي لأنها عصب السياسات ، بل غايتها..ففي منطقتنا العربية تبنى السياسات حسب أنماط الإنتاج ..فلا زال الريع يتحكم في العلاقات السياسية والاجتماعية ويؤثر على الهويات الثقافية..ولا زالت سياسة المساعدات هي التي ترسم مصائر الدول والشعوب في هذه المنطقة.. ما يميّز أرباب لعبة الأمم أنّ عنادهم هو اقتصادـ سياسي..ففي تصوّري أن أمريكا أطالت أمد الخصومة مع إيران ليس لأسباب سياسية فحسب، فهذا مؤكّد وتحصيل حاصل، لكن ما يبدو عنادا بالنسبة لدولة براغماتية هو كونها أرادت أن تسرق الودائع بفعل التقادم وتستثمرها..واليوم حينما يفرض القدر الأوراسي معادلة جديدة على السياسة الأمريكية ستضطر أن تعيد جزء منها ولكن تبقي على بعض آخر تحت ذريعة كونه مقابل جزائي ـ من دون محاكمة ـ لأجل جبر ضرر ضحايا في قضايا سياسية لا علاقة لها بالموضوع..أما بالنسبة للودائع السعودية فقد يحرك قانون عدم سحبها ما دام سحبها قد يؤدّي إلى تهديد للأمن القومي.. أو ممكن أن يجري تفعيل قانون جواز مقاضاة السعودية من قبل ضحايا 11 سبتمبر..من تمنّع عن الرأسمالية المتوحّشة قد يعرض نفسه للحرب حتى لو كان حليفا..فالتحالفات ليست منظومة أخلاقية بل هي منظومة مصالح..والمصالح متقلبة في محيط جيوبوليتيكي لا يفلت من بلائه سوى من عزّز من إمكانياته للممانعة..بالنسبة لمحور الممانعة فالمشكلة أقل حدّة..والمصير الموضوعي الذي يفرضه التحدي يعزز من جبهتها..وقد قامت بدور مهمّ في الدفاع عن مكتسباتها..لكن في المحور الأمريكي هناك تصدّعات سببتها تناقضات وتقلبات الاقتصاد العالمي..حلفاء أمريكي أو محاورها يعيشون قلقا كبيرا..بل يشعرون بهشاشة التحالف إلى حدّ الشعور بخيبات الأمل..هذا ما يفسّر جنوح إسرائيل إلى مواقف سلبية من حليفها التاريخي..وهو ما يفسّر اضطراب الموقف السعودي والحرب الباردة بينه وبين الحليف. الأمريكي..حيث لم يعد الأمر يتعلق بأجنحة محددة داخل واشنطن بل بإجماع يظهر في محطات مختلفة بين الجمهوري والديمقراطي.. لكن ليس هناك بديل حتى الآن لدى هذه المحاور سوى إظهار التبرّم..لأنّ انتقالها للمحور الآخر يمنعه العناد السياسي للدول..وفي انتظار أن يعيد الحليف الأكبر وفاءه تسعى هذه المحاور إلى سلوكيات سياسية لن تنفعها في لعبة الكبار....بينما البقاء في المنطقة الرمادية ومحاولة الخروج من منطق الأحلاف الكبرى لا يفيد مع تنامي التناقضات الجيوستراتيجية الكبرى..فقد يكون مثلا الانخراط في مناطق النزاع فخّا قد تتوافق عليه الإرادات الكبر للتضحية الجيوسياسية بمحاورها..فالمحاور لا زالت ماضية في التزاماتها الجيوبوليتيكية..وسوف تجد نفسها وحدها أمام المنعطف الدولي والإقليمي القادم..التمرد في منطق الأحلاف له مصير واحد: الانهيار..حتى الآن تتسع الهوة بين أمريكا وحلفاؤها في المنطقة يوما بعد يوم..وتبرز تناقضات كانت مؤجّلة بينما ثمة شعور كبير لدى الولايات المتحدة الأمريكية بمدى ضعف محاورها في المنطقة في حماية تفوّقها وهيمنتها..بل إنّ إلحاحية البدائل الجيوستراتيجية التي يفرضها المجال الأوراسي والأفريقي يعززان من هذا التناقض الذي بات يؤشّر على بلوغ التحالف حدّ الصّدام..كما أن استمرار المحاور المتمرّدة على أمريكا في خيارات سياسية خاصّة من شأنه أن يضرّ بهذه المحاور مما يجعلها اليوم في ورطة حقيقية..مرة أخرى يحول العناد بين أن تقنع هذه المحاور نفسها بالانتقال إلى المحور الآخر بوصفها الأكثر إقناعا في أدائه ووفائه لجبهته ..للممانعة ثمن كبير..ولا شيء بقي أمام هذه المحاور المتمردة إلاّ أن تكون أو لا تكون..وبما أنّنا لا نعيش عصر عدم الانحياز، فإنّ المصير يقتضي إمّا أن تكون ممانعا أو لا تكون..
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
ادريس هاني

العناد الذي يذكيه خيال السياسة والحرب لا يصمد أمام الكساد الاقتصادي..المترفون لا يقاومون.. ثمة إكراهات جديدة ستفرض نفسها على المنطقة.. لا شيء أكثر قهرا لجبروت السياسة من العجز المالي..يبدو العناد أبعد مدى من الاقتدار المصرفي..بل العناد في السياسة والاقتصاد مقدّمة لخراب العمران..العالم يتغيّر بطريقة دراماتيكية..غير أنّ اللاعبين الذين أصيبوا بالإحباط لا زالوا يحتفظون بالأقنعة..قلنا أنّ تاريخانية الكذب تعطينا فكرة عن جملة الأوهام التي يبنى عليها النظام العالمي سياساته..لم يحدث يوما أن النظام العالمي بنيّ على الصدق..والدول أو رعايا النظام الدولي هي في وضع طبقي..العالم يتجه نحو مزيد من الكشف عن سياساته الحقيقية غير المعلنة سابقا..ذلك لأنّ هناك تراجعا في عملية الإقناع..قد تكون الحروب شكلا من العودة إلى الحلول المالتوسية لأنّ التطور في منحنى أمل الحياة بات يتهدّد ليس الهويات المرفّهة بل هو عامل لإحباط المؤامرة..فالديمغرافيا تربك لعبة الأمم..وهي لهذا السبب تسعى للتقسيم والتفتيت..يجب أن لا نستبعد حسابات الاقتصاد السياسي لأنها عصب السياسات ، بل غايتها..ففي منطقتنا العربية تبنى السياسات حسب أنماط الإنتاج ..فلا زال الريع يتحكم في العلاقات السياسية والاجتماعية ويؤثر على الهويات الثقافية..ولا زالت سياسة المساعدات هي التي ترسم مصائر الدول والشعوب في هذه المنطقة.. ما يميّز أرباب لعبة الأمم أنّ عنادهم هو اقتصادـ سياسي..ففي تصوّري أن أمريكا أطالت أمد الخصومة مع إيران ليس لأسباب سياسية فحسب، فهذا مؤكّد وتحصيل حاصل، لكن ما يبدو عنادا بالنسبة لدولة براغماتية هو كونها أرادت أن تسرق الودائع بفعل التقادم وتستثمرها..واليوم حينما يفرض القدر الأوراسي معادلة جديدة على السياسة الأمريكية ستضطر أن تعيد جزء منها ولكن تبقي على بعض آخر تحت ذريعة كونه مقابل جزائي ـ من دون محاكمة ـ لأجل جبر ضرر ضحايا في قضايا سياسية لا علاقة لها بالموضوع..أما بالنسبة للودائع السعودية فقد يحرك قانون عدم سحبها ما دام سحبها قد يؤدّي إلى تهديد للأمن القومي.. أو ممكن أن يجري تفعيل قانون جواز مقاضاة السعودية من قبل ضحايا 11 سبتمبر..من تمنّع عن الرأسمالية المتوحّشة قد يعرض نفسه للحرب حتى لو كان حليفا..فالتحالفات ليست منظومة أخلاقية بل هي منظومة مصالح..والمصالح متقلبة في محيط جيوبوليتيكي لا يفلت من بلائه سوى من عزّز من إمكانياته للممانعة..بالنسبة لمحور الممانعة فالمشكلة أقل حدّة..والمصير الموضوعي الذي يفرضه التحدي يعزز من جبهتها..وقد قامت بدور مهمّ في الدفاع عن مكتسباتها..لكن في المحور الأمريكي هناك تصدّعات سببتها تناقضات وتقلبات الاقتصاد العالمي..حلفاء أمريكي أو محاورها يعيشون قلقا كبيرا..بل يشعرون بهشاشة التحالف إلى حدّ الشعور بخيبات الأمل..هذا ما يفسّر جنوح إسرائيل إلى مواقف سلبية من حليفها التاريخي..وهو ما يفسّر اضطراب الموقف السعودي والحرب الباردة بينه وبين الحليف. الأمريكي..حيث لم يعد الأمر يتعلق بأجنحة محددة داخل واشنطن بل بإجماع يظهر في محطات مختلفة بين الجمهوري والديمقراطي.. لكن ليس هناك بديل حتى الآن لدى هذه المحاور سوى إظهار التبرّم..لأنّ انتقالها للمحور الآخر يمنعه العناد السياسي للدول..وفي انتظار أن يعيد الحليف الأكبر وفاءه تسعى هذه المحاور إلى سلوكيات سياسية لن تنفعها في لعبة الكبار....بينما البقاء في المنطقة الرمادية ومحاولة الخروج من منطق الأحلاف الكبرى لا يفيد مع تنامي التناقضات الجيوستراتيجية الكبرى..فقد يكون مثلا الانخراط في مناطق النزاع فخّا قد تتوافق عليه الإرادات الكبر للتضحية الجيوسياسية بمحاورها..فالمحاور لا زالت ماضية في التزاماتها الجيوبوليتيكية..وسوف تجد نفسها وحدها أمام المنعطف الدولي والإقليمي القادم..التمرد في منطق الأحلاف له مصير واحد: الانهيار..حتى الآن تتسع الهوة بين أمريكا وحلفاؤها في المنطقة يوما بعد يوم..وتبرز تناقضات كانت مؤجّلة بينما ثمة شعور كبير لدى الولايات المتحدة الأمريكية بمدى ضعف محاورها في المنطقة في حماية تفوّقها وهيمنتها..بل إنّ إلحاحية البدائل الجيوستراتيجية التي يفرضها المجال الأوراسي والأفريقي يعززان من هذا التناقض الذي بات يؤشّر على بلوغ التحالف حدّ الصّدام..كما أن استمرار المحاور المتمرّدة على أمريكا في خيارات سياسية خاصّة من شأنه أن يضرّ بهذه المحاور مما يجعلها اليوم في ورطة حقيقية..مرة أخرى يحول العناد بين أن تقنع هذه المحاور نفسها بالانتقال إلى المحور الآخر بوصفها الأكثر إقناعا في أدائه ووفائه لجبهته ..للممانعة ثمن كبير..ولا شيء بقي أمام هذه المحاور المتمردة إلاّ أن تكون أو لا تكون..وبما أنّنا لا نعيش عصر عدم الانحياز، فإنّ المصير يقتضي إمّا أن تكون ممانعا أو لا تكون..
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat