أكثرنا من هجاء الأيديولوجيا، ولكن هذه لحظة اعتراف أيضا بجميلها وجمالها..فلا تجنح بنا الرغبة في المعرفة إلى نكران الأيديولوجيا وعدم الاعتراف لها بالجانب الضروري منها وما تتركه في العالم من آثار خلاّقة..قلنا مرارا أن مشكلة الأيديولوجيا هي مشكلة انزياح واعي أو غير واعي وفي الغالب هو غير واعي عن شروط المعرفة..وغياب تجدد الأيديولوجيا وفق شروط تجدد المعرفة..وبأنها والحالة هذه قد تصبح فكرا تحريفيا ووعيا زائفا بالواقع..وهو كذلك، فالمرآة التي ترى من خلالها صورتك إذا انتابها شيء من الصدأ والكسور فستحرف صورتك..لا بد من تجديد الايديولوجيا..فهذه الأخيرة لا تتطلب الاستقامة فحسب بل تتطلب الوعي المتجدد والاستيعاب والاستدراك للحقائق..وما عدا ذلك فالحاجة إلى الأيديولوجيا هي مثل الحاجة إلى الماء والهواء..وقد يتلوث الهواء وتتلوث المياه ولكن لا بدّ منها وإلاّ خرب العمران البشري..فالأيديولوجيا هي التي تجعل المعرفة قابلة للنزول إلى ركح الواقع..هي التي تمكن المجتمع من الوعي بالأشياء والعمل في التاريخ وأن تشدّ عصب الاجتماع وفق رؤية ومنظور للعالم..الأيديولوجيا هي التي تحرك الفعل البشري وفق خطة معرفية.. هي التي تجعل العلم يتجلّى في حركة الواقع والمجتمع..هي التي تصنع التغيير أكثر مما تفعله المعرفة في رؤوس النخبة المستقيلة..الأيديولوجيا هي التي تستفز الواقع وتقدّم خدمة عملية للمعرفة نفسها..فالمعرفة إذا لم تنزل إلى العالم لن تدرك ضعفها أو نجاعتها، وكل هذا يحصل بفضل الأيديولوجيا.. اليوم بات ملحّا أن نتساءل: من أفسد السياسة؟ من أفسد الأحزاب؟ من أفسد المجتمع المدني؟ من أفسد الجمعيات التي باتت أشبه بمنظمات مفيوزية؟ غياب الوعي هو جزء من المشكلة، لكن أيضا غياب الأيديولوجيا أو عدم وجود استقامة أيديولوجية يفسد الحياة العامة..الذي أفسد الأيديولوجيا هم الانتهازيون الذي يستغلون لحظة ضعفها أو انكسارها لتمثّل رموزها وأهدافها والاتجاه بها لخدمة أغراضهم ومصالحهم..حين تغيب الاستقامة الأيديولوجيا تنتعش الانتهازية ويكثر السطو على سمعتها وأهدافها..وتحل الفوضى في الواقع في انتظار ثورة لا غنى لها عن أيديولوجيا حقيقية نابتة في قلب المعرفة وتحتوي على محفّزات كبرى وأهداف مقنعة..لقد أصبحت الأحزاب السياسية بلا أيديولوجيا..وسهّلت الطريق إلى تنامي الوصوليات..وانتهت إلى شكل من الضحالة...في كاريكاتور التجمعات الخاوية من أيديولوجيا حقيقية تحلّ الشعارات محل التحليل، والغوغاء محل الفكر..يحرف فيها تاريخ لحظات وليس تاريخ سنين فحسب..قواعد اللعب فيها سخيفة..والمعاني هشّة..والسباق محموم على التسلط الفارغ من محتوى سلطة المعرفة والحقيقة..في محاولة لإعادة إنتاج ظاهرة القطيع المنظم ..نحن ننتقد الأيديولوجيا حينما تتدهور وتنفصل عن المعرفة وتصبح مطية لاستغلال الإنسان بينما كان الهدف النبيل منها هو تحرير الإنسان وأن تكون هي المحرك للتاريخ وبرنامجا للمستضعفين في الأرض وحصانة من استغلال الطبقات الضعيفة..لا شك أنّ لكل طبقة أيديولجيتها الأثيرة..ولكن أيديولوجيا الإنسان والشعوب هي لم تكن يوما سوى برنامج للتحرير لا للاستغلال..هنا وجب أن يظهر دور المثقف..المثقف لا يمكن أن يكون جزء من قطيع..لا يمكن أن يكون شاهد زور في مهزلة تدهور الأيديولوجيا..لا يصمت أمام لعبة تحريف الحقيقة ومسخ الوعي.. المثقف لا ينتظر نهاية تاريخ الأيديولوجيا بل يبادر إلى وضع باترياركية المشاريع الأيديولوجية أمام سؤال الاستحقاق التاريخي والمعرفي..كم هو هزيل وضع سياسوي فاقد للبوصلة أن يشير إلى المثقّف بأن ينتظر، أو يعلّمه موقعه في جغرافيا المعقول..إن الحرب الباردة بين السياسوي والمثقف هي الأخطر من نوعها..يخشى السياسوي من المثقف لأنّ هذا الأخير يفكك طبقات وعيه ويحلل مستويات توتره ويكشف خبايا رغائبه.. والأهم من ذلك أنه يذكّره بموقعه في حركة التاريخ..إن آية انحطاط السياسات هي في تغييب سؤال الاستقامة الأيديولوجية ودور المثقف في إنتاج الوعي المتجدد ، لأن السياسوي يرفض النقد..وينتقم من التاريخ بدل أن يصنعه...يراقب السياسوي المثقف لأنه يخشى من إزعاجه المعرفي..ولأنّ صمته ليس مضمونا..ولأنّه قد يعيد ربط الوشائج بالأيديولوجيا النقيضة لهواجسه..انظروا وتأمّلوا لعبة الأحزاب والجمعيات وما شابه ذلك في مشهدنا السياسي..إنها حالة مافيوزية تستبد بها الرغبة في الاستغلال..انظروا كيف يتعاطون مع أهدافهم المعلنة..ولكن أيضا انظروا كيف يتعاطون مع أهدافهم غير المعلنة والتي تفضحهم بين لحظة وأخرى..إنهم يستغلون قضايا الشعوب ويستنزفون الشعارات النبيلة التي أنتجها المثقفون المناضلون عبر تاريخ من الكفاح الحقيقي..هذا الحرص المريض على الهيمنة والغواية الهوسية على امتلاك النفوذ والتسلط على مصير الأفكار والسياسات والحجر والبشر..هذه الألاعيب التي يصنعها خطباء يكسرون أضلع سيبويه ويحطمون جمجمة ابن جنّي ويستخفون بالقول الثقيل للحقيقة التي نشأت وترعرعت في عقول وقلوب شهدائها..هؤلاء الأنذال الذين سقطوا سهوا في تاريخ الحقيقة والكفاح..ينسون أنّ تاريخ الكفاح يكتب يوميا بالكلمة الحرة التي تتوضّأ من دماء الشهداء، وتتطهّر في مطهر القدس والتعالي بالحق للحق في نكران تربوي للذات لا تدركه مافيا الانتهازية في سوق السباق السياسوي الذي لا يصنع في عالمنا سوى الأمراض.. كم هي الأيديولوجية جميلة لمّا تعود إلى منبتها الحقيقي..حين لا يعبث ببقاياها صناع التّفاهة في مشهدنا الكارثي..حين تكتشف مجددا رموزها ورجالاتها الذين وحدهم يملكون النطق بها في جمال الكلمات وجلال المواقف التاريخية..شهداء الأيديولوجيا الذين يجعلونها خالدة لا أحد يملك أن يعلن نهاية تاريخها العظيم...
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
أكثرنا من هجاء الأيديولوجيا، ولكن هذه لحظة اعتراف أيضا بجميلها وجمالها..فلا تجنح بنا الرغبة في المعرفة إلى نكران الأيديولوجيا وعدم الاعتراف لها بالجانب الضروري منها وما تتركه في العالم من آثار خلاّقة..قلنا مرارا أن مشكلة الأيديولوجيا هي مشكلة انزياح واعي أو غير واعي وفي الغالب هو غير واعي عن شروط المعرفة..وغياب تجدد الأيديولوجيا وفق شروط تجدد المعرفة..وبأنها والحالة هذه قد تصبح فكرا تحريفيا ووعيا زائفا بالواقع..وهو كذلك، فالمرآة التي ترى من خلالها صورتك إذا انتابها شيء من الصدأ والكسور فستحرف صورتك..لا بد من تجديد الايديولوجيا..فهذه الأخيرة لا تتطلب الاستقامة فحسب بل تتطلب الوعي المتجدد والاستيعاب والاستدراك للحقائق..وما عدا ذلك فالحاجة إلى الأيديولوجيا هي مثل الحاجة إلى الماء والهواء..وقد يتلوث الهواء وتتلوث المياه ولكن لا بدّ منها وإلاّ خرب العمران البشري..فالأيديولوجيا هي التي تجعل المعرفة قابلة للنزول إلى ركح الواقع..هي التي تمكن المجتمع من الوعي بالأشياء والعمل في التاريخ وأن تشدّ عصب الاجتماع وفق رؤية ومنظور للعالم..الأيديولوجيا هي التي تحرك الفعل البشري وفق خطة معرفية.. هي التي تجعل العلم يتجلّى في حركة الواقع والمجتمع..هي التي تصنع التغيير أكثر مما تفعله المعرفة في رؤوس النخبة المستقيلة..الأيديولوجيا هي التي تستفز الواقع وتقدّم خدمة عملية للمعرفة نفسها..فالمعرفة إذا لم تنزل إلى العالم لن تدرك ضعفها أو نجاعتها، وكل هذا يحصل بفضل الأيديولوجيا.. اليوم بات ملحّا أن نتساءل: من أفسد السياسة؟ من أفسد الأحزاب؟ من أفسد المجتمع المدني؟ من أفسد الجمعيات التي باتت أشبه بمنظمات مفيوزية؟ غياب الوعي هو جزء من المشكلة، لكن أيضا غياب الأيديولوجيا أو عدم وجود استقامة أيديولوجية يفسد الحياة العامة..الذي أفسد الأيديولوجيا هم الانتهازيون الذي يستغلون لحظة ضعفها أو انكسارها لتمثّل رموزها وأهدافها والاتجاه بها لخدمة أغراضهم ومصالحهم..حين تغيب الاستقامة الأيديولوجيا تنتعش الانتهازية ويكثر السطو على سمعتها وأهدافها..وتحل الفوضى في الواقع في انتظار ثورة لا غنى لها عن أيديولوجيا حقيقية نابتة في قلب المعرفة وتحتوي على محفّزات كبرى وأهداف مقنعة..لقد أصبحت الأحزاب السياسية بلا أيديولوجيا..وسهّلت الطريق إلى تنامي الوصوليات..وانتهت إلى شكل من الضحالة...في كاريكاتور التجمعات الخاوية من أيديولوجيا حقيقية تحلّ الشعارات محل التحليل، والغوغاء محل الفكر..يحرف فيها تاريخ لحظات وليس تاريخ سنين فحسب..قواعد اللعب فيها سخيفة..والمعاني هشّة..والسباق محموم على التسلط الفارغ من محتوى سلطة المعرفة والحقيقة..في محاولة لإعادة إنتاج ظاهرة القطيع المنظم ..نحن ننتقد الأيديولوجيا حينما تتدهور وتنفصل عن المعرفة وتصبح مطية لاستغلال الإنسان بينما كان الهدف النبيل منها هو تحرير الإنسان وأن تكون هي المحرك للتاريخ وبرنامجا للمستضعفين في الأرض وحصانة من استغلال الطبقات الضعيفة..لا شك أنّ لكل طبقة أيديولجيتها الأثيرة..ولكن أيديولوجيا الإنسان والشعوب هي لم تكن يوما سوى برنامج للتحرير لا للاستغلال..هنا وجب أن يظهر دور المثقف..المثقف لا يمكن أن يكون جزء من قطيع..لا يمكن أن يكون شاهد زور في مهزلة تدهور الأيديولوجيا..لا يصمت أمام لعبة تحريف الحقيقة ومسخ الوعي.. المثقف لا ينتظر نهاية تاريخ الأيديولوجيا بل يبادر إلى وضع باترياركية المشاريع الأيديولوجية أمام سؤال الاستحقاق التاريخي والمعرفي..كم هو هزيل وضع سياسوي فاقد للبوصلة أن يشير إلى المثقّف بأن ينتظر، أو يعلّمه موقعه في جغرافيا المعقول..إن الحرب الباردة بين السياسوي والمثقف هي الأخطر من نوعها..يخشى السياسوي من المثقف لأنّ هذا الأخير يفكك طبقات وعيه ويحلل مستويات توتره ويكشف خبايا رغائبه.. والأهم من ذلك أنه يذكّره بموقعه في حركة التاريخ..إن آية انحطاط السياسات هي في تغييب سؤال الاستقامة الأيديولوجية ودور المثقف في إنتاج الوعي المتجدد ، لأن السياسوي يرفض النقد..وينتقم من التاريخ بدل أن يصنعه...يراقب السياسوي المثقف لأنه يخشى من إزعاجه المعرفي..ولأنّ صمته ليس مضمونا..ولأنّه قد يعيد ربط الوشائج بالأيديولوجيا النقيضة لهواجسه..انظروا وتأمّلوا لعبة الأحزاب والجمعيات وما شابه ذلك في مشهدنا السياسي..إنها حالة مافيوزية تستبد بها الرغبة في الاستغلال..انظروا كيف يتعاطون مع أهدافهم المعلنة..ولكن أيضا انظروا كيف يتعاطون مع أهدافهم غير المعلنة والتي تفضحهم بين لحظة وأخرى..إنهم يستغلون قضايا الشعوب ويستنزفون الشعارات النبيلة التي أنتجها المثقفون المناضلون عبر تاريخ من الكفاح الحقيقي..هذا الحرص المريض على الهيمنة والغواية الهوسية على امتلاك النفوذ والتسلط على مصير الأفكار والسياسات والحجر والبشر..هذه الألاعيب التي يصنعها خطباء يكسرون أضلع سيبويه ويحطمون جمجمة ابن جنّي ويستخفون بالقول الثقيل للحقيقة التي نشأت وترعرعت في عقول وقلوب شهدائها..هؤلاء الأنذال الذين سقطوا سهوا في تاريخ الحقيقة والكفاح..ينسون أنّ تاريخ الكفاح يكتب يوميا بالكلمة الحرة التي تتوضّأ من دماء الشهداء، وتتطهّر في مطهر القدس والتعالي بالحق للحق في نكران تربوي للذات لا تدركه مافيا الانتهازية في سوق السباق السياسوي الذي لا يصنع في عالمنا سوى الأمراض.. كم هي الأيديولوجية جميلة لمّا تعود إلى منبتها الحقيقي..حين لا يعبث ببقاياها صناع التّفاهة في مشهدنا الكارثي..حين تكتشف مجددا رموزها ورجالاتها الذين وحدهم يملكون النطق بها في جمال الكلمات وجلال المواقف التاريخية..شهداء الأيديولوجيا الذين يجعلونها خالدة لا أحد يملك أن يعلن نهاية تاريخها العظيم...
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat