صفحة الكاتب : عباس الخفاجي

سلاما على طرقات بغداد المتورمة
عباس الخفاجي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشمس تشرق كل يوم ، فهي قديمة جدا ، لكنها لما تشرق على بغداد فأنها تتجدد في كل يوم ، لأستقبال الحياة بثوب أحلى وأبهى ، تشرق الشمس على بغداد كي يعم السلام والامان والاطمئنان ، فأن أمنت بغداد أطمئن العالم كله ، من مشرقه حتى مغربه ، ولم لا فبغداد نقطة الاصل لكرتنا الارضية ، وبغداد هي الفاروق و الكرار ، وهي الرشيد وأبو تمام والجواهري ، هي العلوم والاداب والفنون ، هي الاخلاق والمروءة والشهامة والنبل والبسالة والقيم ، وهي حاضرة الدنيا وحاضنة الخلق أجمعين على مختلف أشكالهم والوانهم الزاهية البهية .
ما أبهى صباح بغداد ، وأنت تشرب قهوتك الصباحية و تستمتع بصوت فيروز الملائكي ، أو أنت تقدم باقة ورد لمن تهوى وتحب ، أو أنك تشم رائحة الخبز المشوي بتنور الفخار من سطوح جيرانك ، أو أنك تتنفس رائحة ورد الرازقي  مختلطة بعبير الشبوي المنبعثة من حديقة دارك ، أو أنك تمر بدرابينها القديمة الضيقة الممتلئة بعبق التاريخ الانساني .
تلك هي بغداد التي عرفناها وتشبثنا بتراب أرضها الطاهر ، وتلك هي قصة السلام الساكن في قلوب البغادة أجمعين .
بغداد الدافئة النابضة الحقيقية ، مثيرة للخوف والجدل ، مثيرة لأسئلة كثيرة ، جدلية العشق بين بغداد وأهلها ، تجعلها واقعية ، وتجعل الكثير من الناس على قيد الحياة ، رغم قساوة الدهر عليهم ، فهم يستمدون نبض الحياة من بغداد الامل والشمس المشرقة .
لقد أضحى لون الدم الاحمر القاني وشما يطرز أرصفتها وشوارعها منذ أن أستوطن الورم الخبيث لأحفاد رعاة البقر أرض العراق ، ليبيد صباحات بغداد الى عتمة ، ويسحق ببساطيل الشاذين والمتخنثين ، ورد الشبوي والنرجس وشقائق النعمان ، ويريق دماء الانسانية على أرضها الطاهرة ، في كل وقت وحين .
 كم انا ذليل ويتلبسني العار كلما شاهدت الكائنات جميعا تعيش بأمان وتأكل بأمان وتغفو بأمان ، ونحن نتصارع بصخب ، كم أشعر بالذل وأنا ارى الامم المتحدة تصدر بيانا يمنع ختان البنات ، ونحن أغتصبنا رجالا ونساءا وما من بيان صدر ، نحن ذبحنا ولازلنا نذبح من الوريد الى الوريد ، وما من قرار صدر ، لقد ارتوت ارض العراق من دمائنا أكثر مما ارتوت من دجلة والفرات ، وما من تنديد صدر .
الوقت يمر ثقيلا جدا ، محشوا بلا جديد ، عدا أصوات جعجعات المتصارعين والمتقاتلين على نكاح بغداد ، وقد أستعصت عليهم وعلى غيرهم ، فبغداد لا زالت باكرا في كامل عذريتها ، وهي اليوم في حالة طمث ، وقريبا سوف تغتسل ، وتحتضن في رحمها نطفة طاهرة ، ومؤكدا أن يخرج الحسين مجددا شاهرا سيفه ، يقارع المارقين والسارقين والناكثين والقاسطين والمزورين والفاسدين وناهبي قوت الشعب ، وستكون طفــــا أخرى ، كي يستقيم دين الله على الارض .
 آه .. من هذا الزمن القاسي ... آه ... من وجع العقل المتورم من خلايا الخراب والدمار ... يا وجع الذاكرة المتعبة  الممتلئة من الموت ، قبل أن تموت واقفا ، وقبل أن تسقط جثة هامدة مكتملة المعالم ، أبتسم ، وأرسم في قلبك النابض سحرا ربيعيا يبعث في بغداد الامل ويعلم الاخرين قيمة الوطن ، وعشق الوطن ، أعتق كل ذكريات اليأس والالم ، وأبعث في روح من حولك الامل بحياة جديدة ، وترقبا جديدا للاحلام ومواسم العشق ، فما أحلى العشق في درابين بغداد .
خفف من وطأة قدمك ، وأمش على أصابعك كي لا تؤذي طرقات بغداد المتورمة بجراحات بساطيل الغازين ، وأذنابهم خفافيش الظلام ، وأخفض من صوتك ، كي لا توجع بغداد ، التي أوجعتها طبول الحرب التي قرعت وما زالت تقرع في كل زمان ومكان ، كي لا نقدم الزهور لمن نحب ، ولا نستمتع بفنجان قهوة الصباح على صدى صوت فيروز ، وربما لا نشم ألا رائحة البارود والموت والخراب المنبعثة من بيوتات الفقراء.
سلاما لك بغداد ... يا وطن الحرب و شلالات الدم التي لا تنتهي .
sad_star45@yahoo.com

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عباس الخفاجي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/05/18



كتابة تعليق لموضوع : سلاما على طرقات بغداد المتورمة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net