صفحة الكاتب : عقيل العبود

يوم جئت حاملا دفاتر حبي لزيارة وطني
عقيل العبود

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 تمهيد:   
 
الحقيقة تحولت الى وسيلة إرتبطت بوسائل ألإعلام المقنع لترفع من تشاء وَتُدَنيَ من تشاء.
 
بعد أعوام من الغربة، كما ضمن تجربة المشاعر صعقتني لغة الشوق إلى أهلي وأصدقائي وجميع أحبتي، ناهيك عن رابطة الزمن المتأصل في أعمق ذاتي، ذلك المتعلق بمحاسن مذكرات قديمة تضمنتها تواريخ شخصيات، لو تم إستعراض بطولاتها لأستلزم أن نرتدي ثوب الحداد بلا إنقطاع.
------------------
عرفت أن صفة الحنين الى الوطن لم يكن معناها الا ما يطوقني من أنفاس أوردتي المتداخلة مع دقات قلبٍ تستهويه دائما رابطة الالتصاق بالزمكان وما يحتويهما، وما يؤثر فيهما.
-----------------
المشاعر هنا مقدمة  تحتاج الى منطق ارسطوي، بغية إستكشاف حقيقتها الحسية، وعظمتها الإنسانية، هذه التي تتداخل أصلا مع صيرورة العلاقات ألإجتماعية، وإرتباطاتها المتآلفة والمتحالفة مع نمط المعايير، تلك التي تتضمن علاقة الفرد بأقاربه وأهله وجيرانه وذويه وتشرف على دستورها السامي، فيصبح لمعنى المحبة عناوين هائلة في إحتواء مفاهيم المثل والإخلاقيات، التي منها تتكون لغة الحياة. 
---------------
هي بالأحرى تتعلق بقضية القيم النبيلة للمجتمع وما يتماشى معها، فما ان يحل ضيف، حتى يتفرغ ألاحبة والجيران والمقربون لإستقباله، وكذا يوم يمرض جارك، او يحتاج اخوك الى مبلغ من المال، وهكذا أمثلة شتى تؤكد ما يسمى بالالتزامات الاجتماعية اوالمعابير الأخلاقية، وتلك ثوابت نشأنا عليها وتعلمناها لنحكي عنها، أولنتبجح بها عند ثقافات اخرى، فهي سلوك يلتصق اويتداخل بطبيعة هوية أوشخصية مجتمعناتنا وثقافاتها.
-----------------
إذن كما تقرر، عزمت على السفر رغم إجراءاته المملة وعواقبه المخيفة بعض الإحيان لإرافق أسمى آيات حبي، حاملا عطر محبتي لمدينتي المبجلة لكل من صادفني في مشوار حياتي، بغية التحليق بزهو ذلك الوصف الطهور من الروعة والنقاء، هكذا قررت لإستدرك فجأة أن قدرا من التراجع قد حصل، ذلك حين أدركت لاحقا أن معادلة ألأقارب والأصدقاء، بل وحتى الاهل موضوعة تحتاج الى إعادة تأمل بعد أن أيقنت أنها صارت أوتحولت الى وهم تحيط به ألوان العولمة وأكاذيبها المزيفة.
--------------
لذلك ما ان اصطفت إحداثيات الحقيقة حولي، حتى أيقنت أن مكونات تلك الأوصاف قد تبدلت تماماً، ذلك بعد ان تلوثت تلك التفاصيل لتبدو أشبه بعوق أصاب خارطة الترابط الإسري وألإنساني بعد ان تنافرت وثائق ملفاتها المهمة،
وبهذا لم يعد يهمني الا حكايات الطيبين ابان زاوية عصر سبعيني، وما تلاه، حيث تلك الصور التي انضمت اليها في ميادين ألإبداع الصامت تواريخ شخصيات مهمة. 
-------------------
هي مساحة من الزمان  تم إستبعادها، رغم أنها كان تحمل بين طياتها معان راقية من الإبداع والدلالات؛ القاص الشهيد عبد الحميد كاظم وروايته طيور سنونو بيضاء تلك التي لم تنشر لإسباب تتعلق بذريعة غزو الثقافات الأجنبية أنداك، مكتبة جبر غفوري التي تعد مكاناً يحتفي به الطيبون ويتوافد نحوه المعنيون بالثقافات، وهذا الاخير صادفني قبره في النجف ألأشرف ابان طقوس زيارتي الاولى بعد الاغتراب لإهلي وأقاربي الموتى لقراءة الفاتحة على أرواحهم. 
---------------
 مشاهد لسيناريوهات سجلها الطيبون-أدباء، سياسيون، مثقفون، ومبدعون؛ حسين، صلاح، قيس، صبار، أبو تحسين، أبو زينب، صباح، كريم، حبيب، عادل، علي، وغيرهم- لهذا لم تكن حكاية ألأمس إلا قبة شامخة تجمعها حلقات الأدب والثقافة مضافا إليها قصص وحكايات يندرج تحت عناوينها موضوعات تتعلق بمصائر الاخرين وحيواتهم ؛عدم الإنتماء الى البعث الحاكم، تلك الموصومة بالخيانة في بعض مقاطعها، واحدة من هذه الموضوعات بناء على ثقافة الحزب المذكور.
 إذ الطالب في مرحلة الإعدادية تراه مشغولا بالخوف، بينما الاستدعاءات الأمنية جاربة، ما يجعلنا كل يوم امام مشهد وسالفة جديدة واحداث جديدة.
----------------
انذاك ورغم ذلك النمط من الأحداث والحكايات، كنت أستنشق معنى الوفاء والاوفياء، و كانت تحالفات الأشياء تمشي بلا رتوش، فالاشياء هي الاشياء تجري بناء على مسمياتها، اذ ليس هنالك مسميات اخرى، فالمعلم هو المعلم، والطالب هو الطالب، والخضار هو الخضار، وهذا يعني ان لكل وصف دال ومدلول. 
-----------------
آنذاك، لم أكن بعد جاهزا لإن اغادر تراب مدينتي التي أتعبتها أسراب الزمن الجائر لتتركها هكذا وحيدة فوق أروقة راحتي المتعبة، حين تقرنت إثرها أصابع الوجع الممزوج بالتحدي لإمشي بعد ردح من الزمان طويل على نبض امتدادات موصولة بأنين العالم الغارق بأشواط الهجرة.
---------------
ولكن هااندا أصف نفسي، حين اجدها كما قبلها، اواسيها، أطوي أورام الصبر الخاصة بسجلات المنكوبين لأسير صوب قبابها، اي مدينتي، التي أتكأت عند نحيب مئذنة بقيت تزهو رغم ذلك، تتدفق عند إنحناءات مساحات القلب الفائض بالغفران لتتبنى جرحها السماوي ترنيمة جنوبية ساحرة.
---------------
ابو الحسنين (ع) وزيارة النجف ألأشرف إسم معجون بحب ملائكة أتشحت محبته بسواد قلوب أستنزفتها آكلة الفراق، لتنصت مرة أخرى لتواشيح زمن مقفلة أبوابه وفقا لقوافل المتبجحين، أولئك الذين صاروا يحرسون قصوراً لا علاقة لها بما يراد له، لتبقى أذيالهم تحرس مصالح المتملقين والمنافقين وباعة الضمائر.
----------------
ومجمل الحكاية بإيجاز شديد هو أنني لا أعرف إن كنت منتصرا هنا أم خائبا، حين حملت حقائبي المتعثرة بعطر الأسرار وافدا من أقصى بقعة في أطراف ألأرض، ألملم أوجاع القلب الغارق بالدموع ليتها لغة الفراق تقدر أن ترمم مساحاتها العطشى تلك المعبأة بأشواط قطارات الليل وصفير محطاتها المكتظة بالوافدين.
------------------
أما امتعتي فما أنفكت واقفة تتطلع إلى أرصفة المارة تبحث عن وجوه جديدة ، لكأنها تلملم قيود غربتها لتستقبل القادمين وفقا لشهادات الحضور.
الفراق بيني وبين أحبتي صورة مكتومة لا أقدر أن أبوح بتفاصيلها لئلا تستحي خجلا وثيقة الصبر، تلك التي علقتها في دموع صدري.
---------------------
وبهذا وبإسف شديد تغيرت فكرتي عن رابطة الأقارب وعلاقاتي القديمة الا تلك ألأنفار القليلة ممن لم تهزمهم لغة العولمة وتكنولوجياتها المتشعبة، ممن لم يغيروا ثيابهم، أو ممن لم يغيروا بطاقات مشاعرهم التي راودتني نصوصها مذ رحلت بالأمس خطاي.
--------------------
القصة أنني حين وقفت على أبواب وطني المضمخ برائحة الدم رحت أتنفس فقط معنى المسافات تلك التي دفنت، فأستعرضت مع نفسي صور من توهمت بشوقي اليهم، هنالك منذ أن ودعت أسراب العصافير وأنين النخيلات، منذ أقفلت آخر حقيبة رافقتني مع بعض ضجيج الليل مذ سَئِمت مساءلة الجلادين وألأجهزة الأمنية لإودع كل شيء، كل أمنية تستهويني آنذاك؛
--------------------
 تعصف بي  بعد حين أشواط الليل المحمومة بالغربة بعيدا عن رابطة النسغ الصاعد من الروح تلك التي أتحدت منذ ولادتها مع مطلع الشمس ومواعيد الصبح وأرصفة الباعة المكتظة بمقالات الصحف اليومية وروايات ألأدب العالمي، لنتقابل أنا ومن تبقى من الطيبين في بقعة أخرى من بقاع ارض لا حدود لزمانها.
-------------------
نشرت بتاريخ على موقع النور 02/06/2010
تم تنقيحها وإعادة كتابتها بغية اعادة نشرها على موقع كتابات في الميزان4/5/2016 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عقيل العبود
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/05/04



كتابة تعليق لموضوع : يوم جئت حاملا دفاتر حبي لزيارة وطني
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net