قراءة نقدية لنص : (شماتة ألم ) للأستاذ عبد الرزاق الغالبي
صفا شريف
النص :
شماتة ألم
عبد الرزاق عوده الغالبي
تذرف كلماتي دموعاً
وترتدي حروفها السواد
محرم يقيم في الجيوب
آه ....يا وجعي....
الوطن ينزف
ويسند جروحه بيديه
الرؤوس الخشبية
تتشدق بكلمات جوفاء
أكبر من كروشها و أدمغتها
المتخمة بالكبرياء
تحيي سريالية الشعر
وتتقاذف الضحكات
وكؤوس الخمر
وكأن الوطن في يوم عيد
كم نحن مساكين
حين نكتب للفقراء
بلغة القرآن الواضحة
و دماء الأبناء ....؟
هم وحدهم من يفسر
آياته السمحاء
ويداوي جروحه
هم و حدهم
أعمدة في صروحه
و من يقرأ مصحفه
أما أنت أيها الألم
هي فرصتك
أن تشمت
وتنفث مقتك و تصمت
في زحام الأشرعة
و بين آلام المفجوعين
وأحباب الله
الموت يحرس الأبواب
والرياح تتسابق
تغسل أجساد المغدورين
وتودع الهمس و الشوق
وتنشر عبق الخالدين
زهوراً تفوح عطراً
وميقات صلاة وأنين
يقطفها خنجر يقطر سماً
وستكتمل الدائرة حتماً
و تزف الملائكة الزهور للقبور
و الألسن الخادرة تلعنها
من الفنادق والقصور
النقد المقدم :
قراءة المعاني الظاهرة :
يتحرك النص لغويا في بنية ظاهرة تكشف عن الفضاء النفسي والفكري الذي رعى وحضن ولادة هذه القصيدة، التي تسمى قصيدة التفعيلة التي تفلتت من البحور الخليلية والقافية ..جاءت لتعبر عن معاناة الشاعر إذاء ما يراه ويكابده من أحوال نفسية وإجتماعية وسياسية.
قصيدة وصّف فيها واقعه الذي يعيشه، فجنّد كلماته لخدمة مشاعره ورؤيته لهذا الواقع المؤلم ، وشحنها بعواطفه وأحاسيسه مع تضمينها الصور الشعرية والمحسنات اللفظية .
البنية الداخلية للقصيدة:
بداية ننطلق من العنوان الذي يعد العتبة الأولى للنص ، جاء مركبا من كلمتين( شماتة ألم ) ، .وكأن الألم يقف أمام هذا الوطن ويشمت منه ..لكثرة ما يصيبه فالموت مخيم على المكان .
بدأ الشاعر بفعل ( تذرف ) ضمنه حالته النفسية عندما اسنده (لكلماتي) ..كلماته التي تذرف الدموع ، دليل على توقف فعل الكتابة وحزنها فهي ترتدي السواد ، هي محرمة في هذا الجو من الحزن .
الوطن ينزف ويسند جروحه بيدية : هنا بيت القصيد (الذبدة )، علمنا من هذه العبارة شدة آلم الشاعر ، أدركنا واقعه ودخلنا في البيئة التي قيلت فيها القصيدة ، الوطن ينزف ولا يجد من يضمد جراحه ..وحيد يسند جروحه بيديه، أين أولاده ؟ أين مواطنيه ؟
الجواب عن السؤال أتى سريعا ومباشرا .الرؤوس الخشبية تتشدق بكلمات جوفاء ...، أولاده ومواطنيه رؤوس خشبية ، خالية من الحياة والعاطفة ، فقدت الشعور وتحولت لجماد ..تشيئت تحولت لشيء مادي ..لا يتأثر مع المعطيات الخاجية : بارد أو ساخن ، الخشب لن ينقل حرارة ..ضد التفاعل ، هذه الرؤؤس الخشبية تتشدق بكلمات جوفاء، خالية من المنطق والحكمة ، حتى هذه الكلمات الجوفاء تعد كبيرة في نظر الشاعر ..أكبر من كروشها وأدمغتها : دليل على التبجح بالأقوال ..دون الأفعال ..تقول أقوالا كثيرة ..لكن لا تنفذ ، كبرياؤها يمنعها من الغوص في مشاكل الواقع ومعضلاته .. أعادت احياءالسريالية في الشعر ، رفضت العقل واحساسه ونادت بالتفلت من الوعي والمنطق والذهاب إلى اللاوعي حيث الضحك والفكاهة والسخرية حيث الدهشة ..أرادت هذه الرؤوس الوصول إلى ما هو فوق الواقع ..حيث اللا شعور وكل ماهو غريب ومتناقض، العودة إلى الأحلام لإسقاط جدار الحس والواقع .
تفكيك الأجزاء ودراسة المستويات :
تعارض حقلان معجميان :
حقل الحزن ، وحقل الفرح ، تداخلا وتعارضا فيما بينهما لتكوين صورة هذا المجتمع بأفراحه وأحزامه.
حقل الحزن:
(تذرف ، السواد، دموعا، ينزف، جروحه، تتقاذف، الألم، تصمت، المفجوعين، الموت، يقطر، القبور ، دماء، وجعي)
حقل الفرح :
(كؤؤس الخمر ، يوم عيد، زهورا ، تفوح، عطرا ، صلاة ، الزهور ، الفنادق، القصور)
ومما لا شك فيه غلبة مفردات الحزن على الفرح ، وجدير بالذكر أن مصطلحات الفرح إنما أوتي بها لخدمة حقل الحزن والألم ، تتقاذف الضحكات ، في يوم عيد نحن مساكين ، زهورا ،تفوح ..يقطفها خنجر ، تزف الملائكة الزهور للقبور ../ هل هناك ألم وحزن أكثر !
دماء الأبناء،تحولت لحبر نكتب فيه ..
المستوى الدلالي للألفاظ :
كلمات هذه المفردة اتخذت من خلال السياق معنى أخر ، هي إنسان يملك المشاعر والاحاسيس ويتألم ويذرف الدموع ، ويحزن فيلبس الأسود .
الرياح اكتسبت دلالة أخرى هنا هي متسابقة لغسيل أجساد المغدورين ، وتنشر عبق الخالدين ، وتودع الهمس والشوق .
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
صفا شريف
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat