صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

تأملات في القران الكريم ح316 سورة سبأ الشريفة
حيدر الحد راوي

بسم الله الرحمن الرحيم

 

وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلَاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ{35}

تروي الآية الكريمة على لسان الكفار المكذبين المعاندين (  وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلَاداً ) , لدينا من الاموال والاولاد ما هو اكثر مما لدى غيرنا او الذين امنوا بالخصوص , ظنا منهم ان الاخرة يمكن ان يكون للمال والاولاد فيها دورا كبيرا , فيمكنهم من دفع الرشا , او ان يكونوا مقربين من الحاكم فيها كعادة الملوك والحكام , حين يقربون ذوي المال والجاه , لذا فنحن اولى بما تدعونه بدخول الجنة والامن من العذاب , (  وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ) , كثرة اموالنا واولادنا سوف تنجينا من العذاب , هذا ما يظنونه , حيث اعتادوا الاعتقاد بان ذوي المال عادة ما يكونون مقربون من الالهة "الاوثان" .   

 

قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ{36}

ترد الآية الكريمة عليهم (  قُلْ ) , لهم يا محمد , (  إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ ) , يوسعه على من يشاء امتحانا له او اكراما , أي ان زيادة المال وكثرة الاولاد كرامة لصاحبها بالضرورة , ولا يعني ذلك بان صاحبها مقربا عند الله , (  وَيَقْدِرُ ) , ويضيقه على من يشاء , (  وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) , اكثر الناس لا يعلمون حقيقة السعة والتضيق , في ايهما الخير لصاحبه , لكن هناك القليل منهم يعرف ويدرك تلك الحقيقة , حقيقة السعة والاقتار , ولمن الكرامة عند الله تعالى  {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ }آل عمران178 , "أذا احب الله عبدا (قوما) أبتلاه (ابتلاهم)" , ومن البلاء تقتير الرزق وضيق المعيشة , هذا لا يعني ان المقتر عليه رزقه بعيد عن كرامة الله تعالى , ولا يعني ايضا ان جميع المقتر عليهم في محل كرامته جل وعلا .  

 

وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ{37} 

تستمر الآية الكريمة (  وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى ) , لا تقربكم اموالكم ولا اولادكم من الله تعالى ولا اعتبار لها في دينه , (  إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ) , لكن القرب منه جل وعلا فقط بالإيمان والاعمال الصالحة النافعة , وانفاق المال في موارد الخير , وتربية الاولاد وتعليمهم الخير والصلاح , (  فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا ) , ينالون ضعف العمل الصالح , كالحسنة بعشر امثالها , (  وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ ) , في منازل الجنة امنون من الموت والعذاب وسائر المكاره .    

( عن الصادق عليه السلام وقد ذكر رجل الأغنياء ووقع فيهم فقال عليه السلام اسكت فإن الغني إذا كان وصولا برحمه بارا بإخوانه أضعف الله له الأجر ضعفين لأن الله يقول وما أموالكم الآية ) . "تفسير القمي" . 

 

وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ{38} 

تستمر الآية الكريمة في الموضوع منتقلة الى الجهة التي تقابل المؤمنين (  وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ ) , الذين يسعون في آيات القرآن بالرد والطعن ومحاولة ابطالها وتكذيبها , مقدرين عجزنا او مقدرين فوتهم "نجاتهم" من العذاب , (  أُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ ) , واقعون في العذاب , والعذاب واقع بهم , لا نجاة لهم منه .  

 

قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ{39} 

تستمر الآية الكريمة في ردها (  قُلْ ) , لهم يا محمد , (  قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ) , يبسط الله تعالى الرزق لمن يشاء من عباده او يضيقه عليه , وفقا الى حكمته وتدبيره جل وعلا , ولا تعد هذه الآية الكريمة تكرارا لسابقتها الكريمة , وذلك لتقديرها الخصوص (  لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) اما سابقتها الكريمة تطلق على العموم , (  وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ) , وما انفقتم في وجوه الخير فهو جل وعلا يخلفه "يعوضه" اما عاجلا او آجلا  , (  وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) , " فإن غيره وسط في إيصال رزقه لا حقيقة لرازقيته" – تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني - .  

 

وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ{40}

الآية الكريمة تذكر بيوم القيامة (  وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ) , المشركين , المستضعفين والمستكبرين , (  ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ ) , تبكيتا واقناط للمشركين حيث كانوا يأملون ويتوقعون شفاعة الملائكة .     

 

قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ{41}

تروي الآية الكريمة جواب الملائكة (  قَالُوا سُبْحَانَكَ ) , تنزيها وتعظيما له جل وعلا , (  أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم ) , انت سبحانك من نواليه من دونهم , لا موالاة بيننا وبينهم من جهتنا , (  بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ ) , كانوا يعبدون الشياطين في طاعتها وموالاتها , (  أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ ) , اكثرهم يصدقون بما تقوله لهم الجن "الشياطين" .       

من العادات والاعتقادات التي كانت سائدة لدى عرب الجاهلية اعتقادهم بشفاعة الملائكة لهم , وايضا كانوا يتلقون عن طريق الكهنة اخبارات الجن المسترقين السمع .   

 

فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعاً وَلَا ضَرّاً وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ{42} 

تضيف الآية الكريمة (  فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعاً وَلَا ضَرّاً ) , الامر كله له تعالى , فلا يملك المعبودين (الاصنام) للعابدين نفع ولا ضر , (  وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ ) , يأتي الخطاب على لسان ملائكة العذاب للذين كفروا , (  الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ ) , حيث كذبتم بها في الدنيا . 

 

وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُّفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ{43} 

تستمر الآية الكريمة (  وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ) , واضحات المعنى والدلالة , (  قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ ) , يقصدون به النبي الكريم محمد "ص واله" , (  يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ ) , يصرفكم ويبعدكم عما كان يعبد اباءنا , ثم تكونون له تبعا , ومن ثم ينال الرياسة عليكم , (  وَقَالُوا مَا هَذَا ) , أي القرآن , ( إِلَّا إِفْكٌ مُّفْتَرًى ) , كذب مختلق على الله تعالى , (  وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ ) , سحر واضح , يقع فيه الايهام والخيال , فيغلب على عقولكم لتتبعوه .   

 

وَمَا آتَيْنَاهُم مِّن كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِن نَّذِيرٍ{44} 

تستمر الآية الكريمة موضحة مبينة (  وَمَا آتَيْنَاهُم مِّن كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا ) , لم يأت الكفار من كتب قبل القرآن يدرسونها , فتدلهم على ان ما جئتهم به يا محمد (ص واله) سحر مبين , (  وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِن نَّذِيرٍ ) , ولم نرسل لهم رسولا منذرا قبلك , فمن اين وقعوا في هذه الشبهة ؟ .   

 

وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ{45}

تستمر الآية الكريمة مضيفة (  وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ) , الامم السابقة , (  وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ ) , ننقل في النص المبارك رأيين : 

1- ما بلغ كفار مكة عشر ما اوتيت الامم السابقة من القوة وطول العمر وكثرة المال .

2- ما بلغ الامم السابقة معشار ما أوتي اهل مكة من الحجج والبراهين والبينات .       

(  فَكَذَّبُوا رُسُلِي ) , اليهم , (  فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ) , انكاري لهم بالعذاب والتدمير , فحري بأهل مكة ان يتعظوا بهم ويحذروا انكاري .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/03/16



كتابة تعليق لموضوع : تأملات في القران الكريم ح316 سورة سبأ الشريفة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net