الظلم : حرمه الله سبحانه وتعالى في كثير من المواطن . والظلم نوعان : ظلم يتعلق بحق الله! عز وجل , وظلم يتعلق بحق العباد . وفي حقوق عباد الله فالظلم يدور في ثلاثة اشياء بينها النبي ص في خطبة حجة الوداع فقال " ان دماءكم واموالكم واعراضكم حرام عليكم , كحرمة يومكم هذا , في شهركم هذا , في بلدكم هذا .
فلا يجوز للمسلم سفك دماء الاخرين والاعتداء عليهم , او يظلم غيره في الاموال , بطرق لا يرضاها الله ! سبحانه وتعالى . وكل الظلم بانواعه محرم , ولن يجد الظالم ! من ينصره ويقف معه ويساعده على ظلم العباد. وقال تعالى : [ ما للظالمين من حميم , ولا شفيع يطاع ]
لذالك اكد الاسلام على تطبيق العدل لردع الظلم والظالمين ! وليحمي المجتمع من التجاوزات التي تحتاج الى من يردعها ويقف لها بالمرصاد
والإسلام أكد على العدل كمفهوم تطبيقي , وعمل على إرساء قواعده بين الناس حتى ارتبطت بها جميع مناحي تشريعاته ونظمه
وبرغم أن العقل قد يبدي تعارضا بين العدل والعاطفة , فقد جمع الإسلام جمعا معجزا بينهما , فأعطى نموذجا تطبيقيا للجمع بين العدل والعواطف , فالعاطفة سارية عبر الحياة , مادامت لم تجًًُُُر على حقوق الآخرين , لكنها يوم تجور فإنها تجد خطوط العدل الحمراء مكبلة لها , مانعة إياها عن السريان
والعدل في الإسلام ينطلق من الداخل إلى الخارج , بعكس منظومة العدل في الحضارات البائدة , فالمجتمع عندهم هو قاضي العدل ومعلمه وباعثه ومنبته , لكن الإسلام ينبت العدل من الداخل النظيف الطاهر إلى الخارج , فالمسلم يحقق العدل خارج ذاته لأنه يحمله داخل ذاته عبر قوانين الإيمان والتقوى , لا عبر قوانين الضبط والمصلحة فحسب .
وفكرة العدل في الإسلام تعمل عمل القاضي الشريف , وعمل الشرطي الأمين , فلا تسمح بتسرب الظلم ولا بتعدي الضوابط لئلا تجتمع المظالم كما تجتمع الحصوات فتصير كومة أو سدا من اللاشرعية .
يقول تعالى : ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات , إلى أهلها إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به ، إن الله كان سميعاً بصيرا ) , ويقول سبحانه : ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون )
وثمة جدلية يعرضها القانونيون , إذ يرون أن الأصل في العدل إعمال القانون , والإسلام يعرض العدل مفهوما ممتزجا بين الإيمان والتطبيق , ويجعل المراقبة ذاتية تكاد لا تحتاج إلى قانون , فكثرة القوانين غالبا حجة لارتكاب المخالفات , وكلما قلت القوانين كثر الاهتمام بها , ولابد لكل قانون داعم نفسي ووازع قلبي .
وظاهر العدل في الإسلام إعطاء الحقوق , والقيام بالواجبات , لكن باطنه يقوم على إحياء الضمير , وتنمية المراقبة , ومنع الطمع والاعتداء , وبناء القناعة والرضا , ثم إذا به يجمع بين الظاهر والباطن جمعا متماهيا ومتوازنا إذ يدع درجة الإتقان في الواجبات بين العبد وبين ربه ويجعل مراقبا ومحاسبا للضمير ذاته من علم الله سبحانه وملائكته الكرام الكاتبين .
يقول سبحانه في القرآن " لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط " , يقول ابن القيم تعليقا على تلك الآيات :" إن الله سبحانه وتعالى أرسل رسله ، وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط ، وهو العدل الذي قامت به الأرض والسماوات ، فإذا ظهرت إمارات العدل وأسفر وجهه بأي طريق كان ، فثم شرع الله ودينه "
ونموذج العدل في الإسلام لا يهمل القانون الشرعي , بل يستوجب تطبيقه ولو بالقوة إذا احتاج الأمر , وبينما ترى الفلسفة الإنجليزية – أوستن نموذجا – أن الحاكم هو صوت العدل , أو ترى الفلسفة الألمانية – هيجل نموذجا – أن الدولة هي صوت العدل , فالإسلام يرى أن صوت العدل هو التشريع الرباني الذي لايأتيه الباطل , بينما الحاكم والقاضي مطبقان له ومشرفان عليه والدولة أداة من أدوات تحقيقه .
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat