صفحة الكاتب : نزار حيدر

جَدَلِيَّةُ الوِحدةِ والحُرِّيَّةِ! (٤)
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 لإذاعة (صوتُ العرب من القاهرة) في برنامج (خطوطٌ حمراء):
   السّؤال الخامس؛ يرى البعض ان (الوحدة العربيّة) هي الحلّ الأمثل لمواجهة مشروع التقسيم.
   فماذا تقول؟!.
   الجواب؛ لن تتحقّق الوحدة بين ايّ شعبين، وليس بين شعوب الدول العربية، الا اذا اعتُمدت كمشروعٍ على أُسسٍ ثابتة ومتينة.
   ستتحقق الوحدة اذا كانت مشروع الشّعوب، اما اذ ظلّت مشروع للانظمة الديكتاتورية والاستبدادية البوليسية فلن تتحقّق ابداً ولنا في تجارب العقود السبعة الماضية، تقريباً، اكبر دليل وخير برهان.
   فمنذ مشروع الوحدة بين سوريا ومصر عام (١٩٥٨) وما انبثق عنها من تسميةٍ جديدةٍ للدّولة الوحدويّة الوليدة (الجمهورية العربية المتحدة) ظلّت كل مشاريع الوحدة فاشلة تدفع ثمنها الشّعوب المغلوب على امرها.
   كذلك، لا يمكن ان يتحقّق مشروع الوحدة اذا لم تتمتّع الشّعوب بحريّتها، لتتبنّاه عن قناعةٍ وارادةٍ وقبولٍ طوعيٍّ، تعمل على تحقيقه وتدافع عنه اذا تعرّض لأيِّ خطر، امّا ان تكون الوحدة مشروع ديكتاتور تخضع لمزاجهِ، فيدعو لها اذا كان مزاجهُ رائقاً لأيِّ سبب ويكفر بها ويدمّرها اذا رأى كابوساً مزعجاً في مناماتهِ النّحِسة، فلا يمكن بهذه الأجواء ان تتحقّق ابداً.
   انّ الْحُرِّيَّةِ قبل الوحدة، والديمقراطيّة قبل الوحدة، هكذا علّمتنا تجارب الشّعوب والامم، ولذلك فاذا أردنا ان نحقّق وحدة الامّة وشعوبها، ينبغي علينا أولاً ان نُناضل من اجل حريّة شعوبنا لتتمتّع أولاً بأنظمةٍ ديمقراطيّة تعبّر عن ارادتها وتحمي خياراتها.
   وهل نسينا تجارب نظام الطّاغية الذليل صدّام حسين مع (الوحدة العربية)؟ هل نسينا ما فعله برفاقهِ عام ١٩٧٩ عندما قرّر تدمير مشروع الوحدة مع الجمهورية العربية السورية، ليصفّي (٥٥) من قادة وكوادر الحزب والدولة بحجّة التآمر مع دمشق؟ بعد كلّ الخطوات (الوحدويّة) والعهود والمواثيق التي تم توقيعها بين العاصمتَين العربيَّتَين؟!.
   ام هل نسينا ماذا فعل الطّاغية بملايين المصريّين الذين جلبهم الى العراق للعمل في مختلف مرافق الدّولة ايام كانت علاقتهِ مع نظام حسني مبارك تمرّ في مرحلة شهر العسل، في إطار ما كان يُعرف بمجلس التعاون العربي الذي كان يضم العراق ومصر والأردن واليمن، لينقلب على القاهرة فجأة، اذا بالمصرييّن في العراق هم كبش الفداء، وحطبُ نيرانهِ التي أشعل بها المجلس المذكور، ليرَوا انفسهم بين قتيل ومُبعد بعد ان استولى في ليلة ظلماء على اموالِهم المنقولة وغير المنقولة ليسرق بذلك عرق جبينهم وجهدهم الذي بذلوهُ في العراق ليعيدهُم الطّاغية توابيت الى أهليهم في مصر، او مفلسين بعد ان جرّدهم من كلّ شيء.
   انّ اوّل شروط الوحدة هي الحريّة، فلازالت الشّعوب العربية ترزح تحت نير أنظمة شمولية استبداديّة بوليسيّة تُصادر حرّيتها وتسحق كرامتها وتتجاوز على حقوقها، فمن المستحيل ان نتوقّع تحقيق مشروع الوحدة بين شعوب البلاد العربية.
   انّ الوحدة مشروع مقدّس لا يجوز ان يكون تحت رحمة مزاج زعيم او نظام، الا ترَونَ كيف فشلت ابسط خطوات التّنسيق والتّعاون بين حتى الدول العربية التي تتشابه انظمتها السّياسية، كمجلس التعاون الخليجي الذي لازال يراوح مكانه على الرّغم من تشابه انظمتهِ في كلّ شيء تقريباً، الا ان هذا المجلس (الوحدوي) فشل لحدّ الان وبعد مرور اكثر من ثلاثة عقود على تاسيسهِ، في الاتّفاق على عملةٍ نقديّةٍ وَاحِدَةٍ، فما بالك في الخطوات الاخرى المتقدمة؟!.
   انّهُ مجلسٌ يختلف اعضاءهُ في كلّ شَيْءٍ، الا شيءٌ واحِدٌ يتّفقون عليه، الا وهو احتضان الارهاب ودعم الارهابيّين لتدمير بقيّة الدّول، كما فعلوا ذلك في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين وليبيا وبقية الدّول العربية!.
   انظروا الى اوربّا، فهي لم تكن لتنجح في بناء الاتّحاد الأوربي الذي اتّخذ خطوات وحدويّة كثيرة جداً لولا ان يكون مشروع الوحدة هو مشروع الشّعوب وليس مشروع الأنظمة والحكّام! وما كان له ان يكون كذلك لولا الحريّة التي تتمتع بها شعوب اوربّا، والا ففي ظلّ الديكتاتوريّة والانظمة الشّمولية لا يمكن ان نتصوّر اي مشروعٍ وحدويٍّ مهما كان مُتواضعاً.
   انّ الحكّام يرحلون امّا الشّعوب فباقية، ولذلك فاذا كانت الوحدة مشروع حكّام فإنها ترحل معهم، امّا اذا كانت مشروع شعوب فستبقى معهم.
   ولا ننسى هنا ملاحظة في غاية الأهميّة، وهي، انّ مشروع الوحدة جهدٌ كبيرٌ وواسعٌ لا يمكن للانظمةِ ومؤسّساتها الرّسميّة وحدها ان تحقّقه، فللمؤسسات شبه الرسمية والأهلية، السّياسية منها والاقتصادية والرياضية والاجتماعية والفكرية والعلميّة والثّقافيّة والاعلاميّة وغيرها، دورٌ كذلك في صناعتهِ، ومن المعلوم جداً فانّ مثل هذه المؤسّسات تغيب اذا كانت الديكتاتوريّة هي الحاكمة في البلدان المعنيّة بالمشروع، ما يعني انّ النظام الحاكم سيحتكر كلّ الجهود وبالتالي ستكون تحت رحمتهِ في هذه الحالة، وهنا مكمن الخطر، اذ سيستمرّ المشروع مرهوناً بجرّة قلم الحاكم المستبدّ، اي انّ المشروع بحدّ ذاتهِ سيكون اداة من أدوات الصّراعات السّياسية والازمات التي يوظّفها الحاكم في ليِّ ذراع خصومهِ من الحكّام الآخرين، وعندها فعلى مشروع الوحدة السّلام اذا كانت مرهونةً بمزاجِ الحاكم!.  
      ٢٨ شباط ٢٠١٦ 
                       للتواصل؛
‏E-mail: nhaidar@hotmail. com
‏Face Book: Nazar Haidar
‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1
(804) 837-3920

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/02/29



كتابة تعليق لموضوع : جَدَلِيَّةُ الوِحدةِ والحُرِّيَّةِ! (٤)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net