السيد محمد الصافي وحديث (لا يسعني ارضي ولا سمائي) الخ
نبيل محمد حسن الكرخي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
نبيل محمد حسن الكرخي

بسم الله الرحمن الرحيم
في محاضرة دينية من على المنبر الحسيني الشريف نقلتها قناة الانوار يوم الاربعاء 17 / 2 / 2016م ، تطرق الخطيب السيد محمد الصافي الى رواية تنسب الى ربِّ العزّةِ جلَّ وعلا انه قال: (لا يسعني ارضي ولا سمائي ولكن يسعني قلب عبدي المؤمن) وابدى الخطيب المذكور اعجابه بهذه الرواية وتعامل معها وكأنها رواية صحيحة ومعتبرة وانه يستفاد منها استفادات عقائدية واخلاقية مهمة ! هذا الامر يحتوي على اثارات عديدة من المناسب التطرق اليها:
1. على الخطيب الحسيني الالتزام بالقواعد العقائدية التي كتبها علمائنا الابرار (رضوان الله عليهم) عبر الاجيال ، وقد اتعبوا ليلهم ولم يتعبوا ، وهم يضعون المؤلفات الكبيرة والمعمقة في العقيدة الاسلامية الصافية بعد ان استقوها من منبعها الاصيل أهل البيت الاطهار (عليهم السلام). ولا يصح ان يلجأ خطيب حسيني الى حديث مغمور لم يرد في كتب الشيعة المعتبرة ويرويه من على المنبر الحسيني ويروّج له وكأنه من المسلّمات العقائدية الاصيلة !
2. أيضاً على الخطيب الحسيني الالتزام بالقواعد الاخلاقية العظيمة التي وردت عن آل البيت الاطهار (صلوات الله عليهم) ، ولا يصح الركون الى احاديث غير معتبرة لم ترد عنهم (عليهم السلام) في تأسيس قواعد اخلاقية لا يعرف صحتها من عدمه او لا يتمكن المكلف العادي من تمييز ذلك ولا سيما وهو يثق بالخطيب الحسيني ويظن انه لا يتحدث الا بما ورد عن آل البيت الاطهار (صلوات الله عليهم) ، ففي ذلك تغرير بعموم الشيعة المستمعين للخطبة الحسينية ، وتدليس على الائمة الاطهار (عليهم السلام).
3. حديث (لا يسعني ارضي ولا سمائي ولكن يسعني قلب عبدي المؤمن) من احاديث الصوفية ، ورد مرسلاً في تفسير ابن عربي (متوفى 638هـ) ، وهذا يعني ان الحديث لم ينقله احد من الرواة الى القرن السادس الهجري وظهر فجأة في تلك الفترة في البيئة الصوفية المشار اليها. ثم ذكر الحديث نفسه القونوي (توفي 751هـ) ، وهو تلميذ ابن عربي ، ذكره مرسلاً في شرحه لفصوص الحكم بزيادة (التقي النقي) ! أي فر القرن الثامن الهجري !
واول ظهور لهذه الرواية في كتب الشيعة كان في كتاب (عوالي اللئالي) لأبن ابي جمهور الاحسائي (توفي بعد سنة 901 أو 909هـ) أي انه عاش في القرن العاشر الهجري ، حيث رواها مرسلة ! بمعنى انه لم يذكرها مسندة الى النبي (صلى الله عليه وآله) او احد الائمة المعصومين (عليهم السلام) رغم بعده عن عصرهم (عليهم السلام) بعشرة قرون ! ومن المعلوم ان ابن ابي جمهور الاحسائي ينتمي الى الاتجاه الصوفي الذي اخترق التشيّع في القرون الماضية. يقول جورج طرابيشي في معجم الفلاسفة ان ابن ابي جمهور الاحسائي استطاع التوفيق في كتاب في كتاب "المجلي" بين الحكمة الاشراقية للسهروردي وابن عربي وبين المأثور الشيعي ! إذن هذه الرواية لا اصل لها في الكتب الروائية الشيعية المعتبرة ، بينما الخطيب سيد محمد الصافي اعتبرها رواية مهمة في العقائد والاخلاق !!
4. هذه الرواية ، الصوفية المنبع والمذاق والمجهولة المصدر والمرسلة الرواية ، تفتح الباب امام الحركات المعادية للاسلام كحركة احمد القبانجي وغيره والتي تقول ان الله في داخل الانسان وان الانسان يمكنه ان يسمع صوت الله في داخله ولذلك لا حاجة الى الاديان ولا الى الشرائع ولا الى الانبياء !! وما في ذلك من مفاسد عقائدية عظيمة يحدثها تداول مثل هذه الروايات ولا سيما من على المنبر الحسيني الشريف.
5. ان هذا الذي تفوه به هذا الخطيب هو نموذج مما يذكر من على المنابر من قضايا وروايات لا اصل لها في العقيدة الشيعية والتراث الشيعي. وهو يدفعنا لمطالبة الخطباء بعدم استغفال الناس بما يشوش عليهم عقيدتهم ومنهجهم الديني الصافي المنتهي الى أهل البيت الاطهار (عليهم السلام).
6. ان هناك مؤشر على ضعف تناول القضايا العقائدية من على المنابر الحسينية الشريفة ولا سيما في قضايا التوحيد والذي هو اساس الدين كله. ولكن اذا كان الخطيب الحسيني لا يميّز بين العقيدة الاصيلة المستقاة من أهل البيت الاطهار (عليهم السلام) وبين الافكار الصوفية التي اخترقت التشيّع – والتطرق لهذه الرواية نموذج للاختراق المذكور - فكيف نتوقع ان يتم عرض عقيدتنا بصورة صحيحة على المنبر الحسيني الشريف ؟!
المأمول من خطباء المنبر الحسيني الشريف الالتفات الى هذه القضايا وان يعلنوا من على المنبر الحسيني الشريف الحقائق الدينية ، والعقيدة الصحيحة ، والاحاديث المعتبرة ، والتذكير بالآخرة ، لا ان يستندوا الى احاديث مجهولة المصدر واحياناً منامات لا حجيّة فيها.
مركز المعارف المحمديّة لدراسات الاصالة الدينية
http://kmc.nabilalkarkhy.com
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat