صفحة الكاتب : السيد ابراهيم سرور العاملي

اﻷسس اﻷخلاقية في القرآن
السيد ابراهيم سرور العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
بسم الله الرحمن الرحيم
أحاط الإسلام الفرد في المجتمع الإسلامي بسياج من الأخلاق، ويمتد هذا السياج ليشمل سائر شئون الحياة الدينية والدنيوية، فيشمل بذلك أمور الدين كلها ليحقق ترابطا قويا بين الخلاق والعقيدة وبينها وبين الشريعة. أما ارتباط الأخلاق بالعقيدة فهو من جانبين:الجانب الأول: أن الإيمان بالله تعالى دافع إلى الالتزام بالأخلاق المرضية عنده تعالى، ويتجلى ذلك في حرص الإسلام على وجود وازع إيماني أخلاقي في داخل نفس المؤمن، لتزكية هذه النفس وإبقائها دائما في حالة من الطهر والتسامي، كما قال تعالى: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾. بل إن الالتزام بالأخلاق الفاضلة هو من معايير صدق الإيمان، وهو البر الذي قال عنه تعالى: ﴿ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ﴾. 
   وليس تزكية النفس إلا الشرط الأساسي لتحمل الإنسان مسؤولياته الحضارية بصدق وجد، فبمقدار ما تتزكى النفس وتصفو من كدورات الأهواء والرعونات يخلص صاحبها في تحمل ما يجب أن يتحمله في سبيل بني جنسه من المهام والواجبات المختلفة، وبمقدار ما تنطوي تلك النفس على شوائبها ورعوناتها يغدو صاحبها مجرد أداة للإفساد في الأرض وإهلاك الحرث والنسل ابتغاء مصالحه وأهوائه الشخصية مهما تحلى ظاهره بالصفات الحميدة والأخلاق الفاضلة، وإذن فالوظيفة التي يحملها القرآن للإنسان في الحقيقة إنما هي عمارة الأرض بمعناها الشامل العام، وهي تشمل فيما تشمل إقامة مجتمع إنساني سليم، وإشادة حضارة إنسانية شاملة؛ ليكون الإنسان بذلك مظهرا لعدالة الله وحكمه. 
إن منهج القرآن الكريم في التربية الأخلاقية قائم على أصلب وأحكم الدعائم، فهو في حين يولي اهتماما بالغا بالإقناع الداخلي للأفراد حتى يقبلوا على أحكامه بيقين وإخلاص، فيكون تطبيق تلك الأحكام على أحسن وجه ويجمع النية الصالحة بالعطاء الحسن حين يفعل ذلك لا ينسى أن يقوم على أدق أسس الواقع حيث إن الشهوة قد تسوق الإنسان إلى الإخلال بشيء من تلك الأحكام أو كلها مما يؤدي إلى اختلال أصول المجتمع، ولا يردع هذا الإخلال إلا وجود جهاز حكم، يقول –تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ﴾.
 ولتحديد النظرة القرآنية للمعايير الأخلاقية لابد من معالجة دقيقة للتساؤلات المطروحة. وإذا استقرأنا آيات القرآن المجيد محاولين الإجابة عن تلك الأسئلة نجد:أن القرآن يطرح معايير عدة: قد يطرح القرآن الكريم "الاستقامة" أساسا للتقييم: "قل اِنّما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنّما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه". "فاستقم كما أمرت ومن تاب معك" "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون" . وقد يدعو القرآن الكريم إلى "العمل الصالح" "تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير، الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا"؛ "والعصر إن الاِنسان لفي خسر، اِلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات" ؛ "لقد خلقنا الاِنسان في أحسن تقويم، ثم رددناه أسفل سافلين، إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات" وقد يطرح القرآن الكريم "المنفعة" "فأمّا الزبد فيذهب جفاء وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الاَرض كذلك يضرب الله الاَمثال" ؛ "ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله؛ "إن في خلق السموات والاَرض واختلاف اليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس" .والمنفعة التي يعتبرها القرآن الكريم كأساس للفعل الأخلاقي ليس المصلحة الخاصة، وإنما المنفعة العامة الشاملة لكل الناس المقدمة على المنفعة الفردية متى تعارضتا، ومما يدل على صحة القول تنديد القرآن بإيمان المنفعة وتشنيعه بأصحابه: "ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن اَصابه خير اطمأن به وإن اَصابته فتنة اِنقلب على وجهه خسر الدنيا والاَخرة، ذلك هو الخسران المبين" ؛ فهنا القرآن عمد إلى طريقته الفذة في تصوير العقيدة التي يبتغي بها أصحابها جذب المنافع إليهم... واجتناء الثمرات من ورائها دون أن يكلفهم ذلك عناء ولا مشقة، معتبرين العقيدة صفقة في سوق التجارة يزينونها بميزان الربح والخسارة، منتهزين الفرص التي تجلب وتجر إليهم المنفعة، فهؤلاء فريق قلق في روحه ومضطرب في ضميره خاسر للدنيا والآخرة" . وقد يطرح القرآن "التقوى" كقيمة أساسية في حياة الإنسان الفردية والاجتماعية كما يطرح قيما أخرى تصلح أن تكون معيارا للعمل الأخلاقي، من قبيل: العدل والإحسان والكرامة...الأمر الذي يصعب معه القول بأن القرآن الكريم يدعو إلى معيار واحد وحصري في مجال القضايا الأخلاقية، إلا أنه يمكن أن تجتمع جميع المعايير والقيم الأخلاقية التي أشرنا إليها -والتي لم نشر إليها- تحت مظلة قيمة واحدة ومعيار واحد، هو معيار: التوحيد، وبالتالي القول أن المعايير الأخلاقية التي يعلنها القرآن هي معايير واسطة وليست نهائية؛ لأنها تنتهي جميعها عند المعيار الجامع والنهائي والغاية من الخلق والحياة "وما خلقت الجن والاٍنس إلا ليعبدون".فعندما يستشعر الإنسان وجود الله في كل كيانه، يدرك أن وجوده لا استقلالية له بعيدا عن ارتباطه بالله سبحانه، عندها يسعى الإنسان إلى تحقيق الهدف الوجودي الذي من أجله خلق، والتي تتكاثف فيه كل الوصايا "وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون".ومن تم فـ"إن الهدف الذي ينبغي لنشاط المؤمن الطائع أن يتوخاه وهو يؤدي واجبه لا يمكن في طيبات هذه الدنيا، ولا في السرور والمجد في الآخرة، ولا في إشباع شعوره الخير، بل ولا في إكمال وجوده الباطن... إنه الله، الله الذي يجب أن يكون نصب أعيننا، وأية غاية أخرى تدفع الإنسان للعمل هي في ذاتها انتفاء للقيمة وعدم."فهذا هو المبدأ والمنتهى والهدف في كل الحالات، الذي تتوافق فيه كل العناصر الفردية والاجتماعية، والإنسانية والإلهية والدنيوية والأخروية والروحية والمعنوية... "وابتغ فيما ءاتاك الله الدار الاَخرة، ولا تنس نصيبك من الدنيا، وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الاَرض، إن الله لا يحب المفسدين".
         والحمد لله رب العالمين

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد ابراهيم سرور العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/02/19



كتابة تعليق لموضوع : اﻷسس اﻷخلاقية في القرآن
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net