ملاحظات عن ورود اسم هامان في الاسفار اليهودية ( 2 )
نبيل محمد حسن الكرخي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
نبيل محمد حسن الكرخي

إختلاف كتابة الاسماء تبعاً لاختلاف الترجمات والكنائس:
وهذا امر طبيعي ان يكتب الاسم الواحد في كل لغة بطريقة مختلفة مقاربة او مختلفة في اللفظ ، تبعا للقواعد اللغوية التي تتبعها تلك اللغة. كما ان هناك طريقة بالترجمة تسمى الترجمة الصوتية الى جانب الترجمة للمعنى ، وتستعمل الترجمة الصوتية غالباً بالنسبة للأسماء والالقاب ، فعلى سبيل المثال يترجم لفظ الجلالة (الله) سبحانه الى اللغة الانكليزية وفق المعنى بالكلمة (God) بينما تترجم ترجمة صوتية هكذا (Allah). وفي الترجمة الصوتية اذا كانت الكلمة التي يراد ترجمتها لا يتم نطقها بصورة صحيحة فالنتيجة ستكون كلمة مغايرة للاصل !
وسوف نتناول كنماذج بعض الاسماء التي وردت في القرآن الكريم او الحديث الشريف وكذلك وردت في الكتاب المقدس وكيفية ترجمتها فيه. عدا كلمة (هامان) التي كتبوها في الترجمة العربية لسفر أستير بلفظ (هامان) المطابق لكلمة هامان التي وردت في القرآن الكريم ، وليس هناك أي سبب مقنع يحتم كتابة اسم (هامان) في الترجمة العربية بهذا اللفظ ولا سيما ان الاقرب الى اللغة الاصلية التي كتب بها سفر استير (العبرية بالنسبة للنص الماسوري واليونانية بالنسبة للنص السبعيني) هو ان يكتب (هِمن) او (هيمان) أو (آمَّن) بتفخيم الميم.
أسم آدم (عليه السلام):
كُتِبَ اسم آدم (عليه السلام) في الترجمة السبعينية اليونانية هكذا (Αδάμ) ، وفي نسخة الكتاب المقدس اللاتينية الـ (Vulgata Clementina) والـ (Nova Vulgata) هكذا: (Adae) ويلفظ (آداي) ، بينما في ترجمة نسخة الملك جيمس الانگليزية (King James Version) المعتمدة على التوراة العبرية يكتبونه هكذ: (Adam) ويلفظ (أيدَم) ، وكذلك في الترجمة الالمانية (Luther 1545) يكتبونه (Adam).
وفي العبرية يكتب (לאדם).
وربما كان اللفظ الالماني مطابق للفظ العربي (آدم).
أسم حواء:
اما اسم حواء فلم يرد في القرآن الكريم وورد في بعض الاحاديث الشريفة.
أما في الكتاب المقدس ، فنسخة الـ (Vulgata Clementina) اللاتينية يكتبونها: (Heva) ، وكذلك تكتبها نسخة (Luther 1545) الالمانية.
بينما نسخة الـ (Nova Vulgata) اللاتينية يكتبونها: (Eva).
,نسخة (King James Version) الانگليزية تكتبها: (Eve).
وبالعبرية يكتبونه هكذا: (חוה). والحرف (ח) يلفظ (حيت) بالنطق العبري الشرقي ، و(خيت) بالنطق العبري الغربي ، والحرف (ו) يلفظ (vav) بالانگليزي ويقابل بالعربية الحرف (واو) ، والحرف (ה) يلفظ (هـِ). فربما يكون لفظ كلمة (حواء) بالعبرية (حيفاه) والفاء يلفظ كحرف (V) الانگليزي.
فلا يوجد لفظ مطابق بينها.
اسم هابيل:
لم يرد في القرآن الكريم ، ولكنه مثل اسم حواء ، ورد في الاحاديث الشريفة.
وورد في العهد اليهودي (العهد القديم) في جميع النسخ التالية بصيغة (Abel) وهي: (Vulgata Clementina) و(Nova Vulgata) اللاتينيتين و(King James Version) الانگليزية.
بينما بصيغة (Habel) في الترجمة الالمانية (Luther 1545) ، ويلفظ (هابِل)
فلا يوجد لفظ مطابق بينها.
اسم نوح (عليه السلام):
في نسخة (Vulgata Clementina) ترجموه هكذا: (Noë).
وفي نسخة (Nova Vulgata) اللاتينية ايضاً ترجموه هكذا: (Noe).
وفي نسخة (King James Version) الانگليزية ونسخة (Luther 1545) الالمانية ترجموه هكذا: (Noah) ولكنه يلفظ في الانگليزية (نوى) وفي الالمانية (نووه).
وفي العبرية يكتبونه هكذا (נח) ، وقد ذكرنا آنفاً انَّ الحرف (ח) يلفظ (حيت) بالنطق العبري الشرقي ، و(خيت) بالنطق العبري الغربي
فلا يوجد لفظ مطابق بينها.
اسم ابراهيم (عليه السلام):
في جميع النسخ الاربعة المذكورة آنفاً كتبو اسمه (Abraham) بينما في الترجمة العربية يكتبونه (ابراهيم) يحاكون بذلك ما هو مكتوب في القرآن الكريم.
بينما هو في العبرية يكتبونه هكذا (אברהם) ، وقد ذكرنا ىنفاً ان الحرف (ה) العبري يلفظ (هـِ) فيكون اللفظ بالعبري ربما هكذا: (ابراهِم). وهو قريب من لفظ (ابراهيم) ولكن ليس مطابق له.
اسم موسى (عليه السلام):
في ترجمة (Vulgata Clementina) اللاتينية كتبوه ( Moyses).
في ترجمة (Nova Vulgata) اللاتينية ايضاً كتبوه ( Moysen).
في ترجمة (King James Version) الانگليزية كتبوه (Moses).
في ترجمة (Luther 1545) كتبوه (Mose) ويلفظ (مُوزا).
وفي العبرية كتبوه: (משה) ، والحرف (ש) يلفظ (ش) بالعربي.
فلا يوجد لفظ مطابق بينها.
اسم هامان:
في العبرية يكتب هكذا: (המן) وقد ذكرنا آنفاً أنَّ الحرف (ה) يلفظ (هـِ) فيكون لفظ الاسم قريب من (هِمَن) ، غير ان التشكيل الذي ادخلوه على الحروف العبرية في النص الماسوري ربما غيّر طريقة لفظها ! بدليل ان الترجمة السبعينية كما ينراها لا تكتبه بهذا اللفظ بل بلفظ (آمَن) بتفخيم الميم.
في الترجمة السبعينية اليونانية الشهيرة (Septuagint) كتبوه (Αμάν) ويلفظ (آمَّن) بتفخيم الميم. وكذلك في ترجمة انگليزية للترجمة السبعينية اليونانية عنوانها (THE SEPTUAGINT WITH APOCRYPHA: ENGLISH) ، صادرة عن (SIR LANCELOT C.L. BRENTON. Origionally published by Samuel Bagster & Sons, Ltd., London 1851) ، في هذه الترجمة الانگليزية للسبعينية كتبوه (Aman).
في ترجمة (Vulgata Clementina) اللاتينية كتبوه (Aman). ويلفظ (آآمَن).
في ترجمة (Nova Vulgata) اللاتينية ايضاً كتبوه (Aman). ويلفظ (آآمَن).
في ترجمة (King James Version) الانگليزية كتبوه (Haman) ويلفظونه (هِيمن). في حين هناك ترجمات انگليزية اخرى ترجموه (Aman) مثل نسخة (Douay-Rheims Bible) و(Brenton Septuagint Translation).
في ترجمة (Luther 1545) الالمانية كتبوه (Haman) ويلفظونه (هامَن).
في ترجمة (Martin1744) الفرنسية يكتبونه (Haman) ويلفظونه (آمان).
في ترجمة (Sagradas Escrituras1569) الاسبانية يكتبونه (Amán) ، وكذلك في ترجمة اسبانية اخرى (Reina-Valera 1960 (RVR1960)) يكتبونه (Amán) .
في ترجمة (Giovanni Diodati Bible1649) الايطالية والذي ترجمه عن الاصل العبري يكتبونه (Haman) ولكن يلفظونه (آمْن) ، وفي ترجمة ايطالية اخرى (LA SACRA BIBBIA , Edizione CEI) اعتمدت الاصل السبعيني اليوناني ، يكتبونه (Amàn) ويلفظونه (أَيمان) بتفخيم الميم.
في ترجمة (Synodal Translation 1876) الروسية يكتبونها بلفظ آمانا
في ترجمة (Ang Dating Biblia 1905) الفلبينية المكتوبة باللغة الوطنية المحلية (Tagalog) يكتبونه (Aman). والكاثوليكية هي المنتشرة في الفلبين.
وفي الترجمة العربية (Smith & Van Dyke 1865) يكتبونه (هَامَانَ). وكذلك في بقية الترجمات العربية الصادرة عن الكنائس الكاثوليكية والارثوذكسية والقبطية والبروتستانتية واليسوعية وغيرها ، اتفقوا جميعاً على كتابته (هَامَانَ) !؟ بل حتى في الترجمة العربية للكتاب المقدس الصادرة عن شهود يهوه نجدهم يكتبون اسم (هَامَانَ) تبعاً للنص العبري الماسوري !
وهناك ترجمات حديثة اخرى مثل:
في التشيكية (Czech) يكتبونه (Hamana).
وفي الهندية يكتبونه (हामान) ، وتلفظ (هامان).
وفي اليابانية يكتبونه (ハマン) ، ويلفظونه (هامان).
وفي الصينية يكتبونه (哈曼) ، ويلفظونه (هامان).
وفي الكورية يكتبونه (하만) ، ويلفظونه (هامانة).
وفي البولندية (POLSKIE) يكتبونه (Hamana) ، ويلفظونه (هامانا).
وفي الفلبينية يكتبونه Aman))
وفي السويدية يكتوبنه (Haman) ، ويلفظونه (هامَن).
وفي الفارسية يكتبونه (هامان).
وفي التركية يكتبونه (Haman'ı) ، ويلفظونه (هاماني).
وفي الاردو يكتبونه (ہامان) !
من كل ما ذكرناه يتبين من الترجمات المتعددة القديمة والحديثة ان هناك صراعاً في الترجمات بين من ينتمي في ترجمته الى الترجمة السبعينية اليونانية القديمة التي تمّت في القرن الثالث قبل الميلاد ، وبين الترجمة العبرية الماسورية (ترجمة لينينغراد الماسورية سنة 1008 ميلادي). اي ان الفترة الزمنية بين النسختين السبعينية والماسورية حوالي 13 قرن ، فالترجمات باللغات المتعددة الصادرة عن الكنائس الكاثوليكية والارثوذكسية تعتمد النسخة السبعينية وفيها مكتوب الاسم (Aman) بينما الكنائس البروتستانتية تصدر ترجمات بلغات متعددة ولكنها تعتمد النص الماسوري العبري فتكتب الاسم (Haman). عدا الترجمات العربية فقد اتفقت جميع الكنائس الكاثوليكية والآرثوذكسية والبروتستانتية ، في سابقة نادرة ، على كتابة الاسم وفق النص العبري الماسوري فكتبوه (هَامَانَ) معرضين في ترجمتهم العربية عن النسخة السبعينية وهي نسخة مقدسة عند الكنائس الكاثوليكية والارثوذكسية والقبطية !!
وهناك ملاحظة اخرى وهي: لماذا تمّت ترجمة اسم هِمن ( המן ) في العبرية الى اسم (هامان) في الترجمات العربية ؟!! ولا سيما وان هناك اسم عبري هو (הימן ) ويلفظ (هيمَن Heman) وهو لفظ مقارب لكلمة هِمن (המן) العبرية الواردة في سفر استير ، وقد ورد اسم (هيمَن) في التوراة (العهد القديم) الذي يكتبونه بالترجمة العربية بلفظ (هيمان) كالاتي:
ـ هيمان احد الحكماء الاربعة من بني ماحول الذين فاقت حكمة سليمان حكمتهم (1مل 4: 31). وقيل انه هو نفسه هيمان التالي.
ـ هيمان من بني زارح من سبط يهوذا (1 أخ 2: 6) ، والذي ينسب اليه المزمور الثامن والثمانون.
ـ هيمان بن يوئيل ، حفيد صموئيل النبي ، من نسل قهات بن لاوي ، وكان احد قادة الموسيقيين في الهيكل حسب ترتيب الملك داود (1 أخ 6: 33 ، 15: 17 ، 16/ 41 و42).
ـ لاوي بن هيمان ، رئيس فرقة المغنين التاسعة (1 أخ 25: 4 و 16).
ـ لاوي بن هيمان ، عاصر حزقيا واعانه في تطهير الهيكل (2 أخ 29: 14).
ربما لو ترجموه في سفر استير بحسب اللفظ العبري (هيمَن) لأثار ذلك التساؤل حول كيفية وجود اسم يهودي في بيئة فارسية ويحمله رجل هو اصلا معادي لليهود ؟!! ولكان ذلك من اقوى الاسباب على القول بلا تاريخية سفر استير ورفضه نهائياً من ضمن قانون العهد القديم (التوراة).
وربما اراد من اتفق على ترجمته بلفظ (Haman) في سفر استير على الطعن في قدسية القرآن الكريم واصالته حيث ان سفر أستير الذي هو مكتوب قبل ظهور الاسلام ذكر الوزير (Aman) ضمن البيئة الفارسية في حين بترجمته (Haman) يصورون أنَّ القرآن أخطأ بالاقتباس منه فجعل هامان ضمن البيئة الفرعونية ! وبتلاعب بسيط في تشكيل الاسم ، أي حركاته اللفظية ، يتمكنون من تشكيل طعنة للاسلام بإثارة هذه الشبهة المفتعلة.
ولا ننسى ما ذكرناه آنفاً من إنَّ جميع نسخ التوراة المكتوبة بالعبرية اليوم تعود للنص الماسوري الذي لا يتجاوز تاريخه القرن الثامن الى الحادي عشر الميلادي أي انها كتبت بعد ظهور الاسلام.
الخلاصة:
ان قصة استير في التناخ اليهودي والعهد القديم المسيحي لا ترقى ، بغض النظر عن قدسيتها الدينية المفترضة عند عامة اليهود والمسيحيين ، الى مستوى الحقيقة التاريخية ، ولذلك لا يمكن الاعتماد عليها كحجة تاريخية.
كما إنَّ ترجمة الاسم العبري (המן) ، المذكور في سفر استير ، الى اسم (هامان - Haman) هي ترجمة غير موثوقة ، ولا يمكن الجزم بأنه لم يتم التلاعب بتلك الترجمات لأغراض معيّنة ولا سيما وان الترجمة اليونانية السبعينية القديمة تكتبه (Αμάν) والذي يلفظ (Aman).
وإن حقيقة وجود اسم (هامان) في الآثار الفرعونية ، الى جانب حقيقة عدم وجود اسم (هامان) في الاثار والتراث الفارسي ، تبين بوضوح ان الحق هو فيما ورد في القرآن الكريم من ان هامان كان من اعوان فرعون.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat