عندما تقول المرجعية: بُح صوتنا!
عبد الحليم الرهيمي
عبد الحليم الرهيمي
بألم ومرارة شديدين وصف كثيرون ما عبرت عنه مرجعية السيد علي السيستاني بلسان معتمدها السيد احمد الصافي في خطبة يوم الجمعة الماضية والتي شدد فيها لأكثر من مرة القول: «لقد بحت اصواتنا بلا جدوى ونحن نكرر دعواتنا للإصلاح ومحاربة الفساد والمفسدين وبضرورة تحقيق السلم الاهلي والتعايش السلمي وحصر السلاح بيد الدولة».
لقد جاء هذا الموقف للمرجعية بعد تأكيداتها القوية والصريحة في الخطب الاخيرة لأيام الجمعة على تلك الدعوات وتوجيه نقدها لتلكؤ السلطات الثلاث والجهات المعنية الاخرى في تحقيق الاصلاح ومحاربة الفساد والمفسدين دون ان يتحقق شيء على ارض الواقع للأسف الشديد.
واذا كنا نعتقد ان المرجعية تصيغ مواقفها وآراءها بدقة كبيرة وباختيار الكلمات والوقت المناسب للتعبير عنها.. فاننا ندرك ماذا يعني اضطرارها للتعبير بغضب لعدم الاستجابة لدعواتها, وقولها بكلمات معبرة وذات دلالة: «لقد بحت اصواتنا لكن دون جدوى», وهي تعابير وكلمات تدق جرس الانذار من الاستهانة في معالجة قضايا مهمة لها علاقة بمصير العراقيين والعراق, ومن الآثار السلبية وتداعياتها الخطيرة اذا لم تتم معالجتها بسرعة.
لا شك ان هذا الموقف المتألم والحزين للمرجعية الذي جاء بعد تحذيرات وانتقادات متكررة لأكثر من عام, انما يعني ان الاوضاع قد وصلت الى درجة الاختناق وكذلك الى حدود محرجة وأنها باتت تشعر بإحساس شديد بأنه اذا لم تتمكن السلطات والجهات المعنية من اصلاح الاوضاع فإننا سنواجه الأسوأ على الصعد الامنية والسياسية والمعاشية والاجتماعية بما سيسفر عن ذلك من تداعيات سلبية خطيرة. وبالطبع فان مواقف المرجعية وتحذيراتها لم تكن لإبراء ذمتها في قول ما ينبغي قوله, بل لتجنيب العراق وشعبه من مخاطر التداعيات السلبية في حال الاستمرار بالتلكؤ في تحقيق الاصلاحات والاستجابة لدعواتها المتكررة للأخذ بها.
لقد حرصت المرجعية, ولا تزال تعبر عن حرصها الشديد على تحقيق الاصلاحات المطلوبة سلميا وبتوظيف التظاهرات الجماهيرية للضغط على الجهات المعنية للقيام بواجباتها والتزاماتها, كي لا يفلت مسار الاحداث باتجاهات غير معروفة النهايات, او نهايات لا يتمناها احد.
ربما يفسر البعض ان الانتقادات والتحذيرات التي تطلقها المرجعية وتعبر بها عن مواقفها ومخاوفها من ان تتجه الاوضاع نحو الاسوأ ما لم تتم الاستجابة لدعواتها وتحذيراتها, هي موجهة الى السلطة التنفيذية وحكومة الدكتور العبادي وحدها دون غيرها, وهذا تفسير خاطئ, لأن المقصود بذلك ايضا السلطتان التشريعية والقضائية ومؤسسات الدولة الاخرى المعنية, كهيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية والهيئات المستقلة, اضافة للكتل السياسية وتنظيماتها, اي اذا كانت الحكومة كسلطة تنفيذية معنية باتخاذ القرارات وتطبيقها, فان الجهات المعنية الاخرى, عليها مساعدة ودعم السلطة التنفيذية في ذلك وعدم عرقلة تطبيق قراراتها واجراءاتها, وهو الامر الذي حصل خلال الشهور الماضية، اي منذ اطلاق الحكومة للحزم الاصلاحية بدءاً من 9 آب من العام الماضي, وهي حزم على تواضعها وعدم كفايتها, في رأي المرجعية والمتظاهرين قوبلت بالعرقلات الكبيرة وعدم الاستجابة لها، الامر الذي حال دون اتخاذ اجراءات وقرارات للإصلاح اكثر اهمية من الكتل السياسية.
ان قول المرجعية بأن صوتها بح بلا جدوى من الاستجابة للدعوات والتحذيرات التي تطلقها, انما يمثل الانذار قبل الاخير كي ترمي الماء من فمها وتتحدث بصراحة اكبر ووضوح اشد, كما يعتقد الكثيرون.
واذا كانت السلطة التنفيذية اول المعنيين بدعوات المرجعية وصوتها الذي يجب ان يكون ذا جدوى, فان السلطات والجهات الاخرى معنية ايضا وبالقدر ذاته, وكل حسب اختصاصه. لقد وضعت المرجعية امام الدكتور العبادي وحكومته المهمة التي هي من اختصاصهما حصرا, وهي اتخاذ القرارات والاجراءات لإصلاح الجهاز الاداري واتخاذ القرارات الهادفة لملاحقة ومحاسبة الفاسدين وسراق المال العام, والبدء بمطالبة السلطة القضائية بتفعيل تقرير اللجنة البرلمانية حول سقوط الموصل, وبتقديم قائمة بأسماء المتهمين بالفساد ونهب المال العام, لاحالتهم الى القضاء والاسراع في تنفيذ قرار حصر السلاح بيد الدولة بما يشكل المدخل الرئيس الصحيح لتحقيق السلم الاهلي والتعايش السلمي واذا كانت تلك القرارات والاجراءات هي من واجب السلطة التنفيذية فان من واجب السلطة القضائية تنفيذ الاحالات لملاحقة الفساد والمفسدين والخارجين على القانون والمتمردين على قرارات السلطة التنفيذية.
اما السلطة التشريعية فتقع عليها مهمة اصدار القوانين والتشريعات التي تدعم قرارات الاصلاح وتساعد في تحقيق السلم الاهلي وحصر السلاح بيد الدولة, ومنع المظاهر المسلحة غير الرسمية من الظهور في المدن والاقضية والنواحي, وبالطبع فان الجهات الرسمية الاخرى والكتل السياسية معنية بدعم ومساندة قرارات واجراءات السلطات الثلاث, وإلا فانه على السلطة التنفيذية ان تعلن عن اية عرقلات او تمرد على تلك القرارات والاجراءات امام الرأي العام العراقي ومناشدة المرجعية الدينية في النجف للحصول على دعمها ومساندتها.. وحينها سيقتنع الجميع بأن اصوات المرجعية التي بحت, اصبحت ذات جدوى ولم تذهب هباء.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat