الزوج والمرأة في التعبير القرآني
محمد حديد الجحيشي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد حديد الجحيشي

القرآن المجيد كتاب الله الذي اعجز العرب وآيته الخالدة وهو تاج العربية الاعلى ومثلها البياني الاسمى وبما ان القرآن نزل في لغة العرب التي كرمها الله بقوله(انا انزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون) وجرى مجاريها في الخطاب وكان لزاما على من يتصدى لتفسيره ان يعتمد على العربية وادراك اساليبها وخصائصها في التعبير ولما كان تحديد دلالات الالفاظ تحديدا دقيقا في انصرافها المعنوي يعد الخطوة الاولى في فهم المعاني وايضاحها للآخرين وهذا يتوقف على معرفة الفروق الدقيقة بين الالفاظ التي يظن فيها الترادف وتاسيسا على ما تقدم نضع بين ايدي قرائنا الكرام لفظتين
وردت في القرآن الكريم وفي اكثر من موضع وهما (زوج)و(امراة) وعند استقراءالآيات القرآنية التي جاءت فيها اللفظتين نلحظ ان هناك فروقا معنوية بين هاتين المفردتين ولاصحة لوجود ترادف لغوي بينهما اذ ان كل مفردة تفيد معنى غير الذي تفيده الاخرى ويقول المختصون أن لفظ (زوج)يُطلق على المرأة إذا كانت الزوجية تامّة بينها وبين زوجها ، وكان التوافق والإقتران والإنسجام تامّاً بينهما ، بدون اختلاف ديني أو نفسي أو جنسي ..
فإن لم يكن التوافق والإنسجام كاملاً ، ولم تكن الزوجية متحقّقة بينهما ، فإن القرآن يطلق عليها (امرأة) وليست زوجاً ،
وللتدليل على ماتقدم نسوق الامثلة الاتية
1- الانسجام الديني وبهذا الإعتبار جعل القرآن حواء زوجاً لآدم ، في قوله تعالى : وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ .
2- عدم الانسجام الديني فإذا لم يتحقّق الإنسجام والتشابه والتوافق بين الزوجين لمانع ديني فإن القرآن يسمّي الأنثى(امرأة)وليس(زوجاً)قال القرآن : امرأة نوح ، وامرأة لوط ، ولم يقل : زوج نوح أو زوج لوط ، وهذا في قوله تعالى : (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا) .
إنهما كافرتان ، مع أن كل واحدة منهما امرأة نبي ، ولكن كفرها لم يحقّق الإنسجام والتوافق بينها وبين بعلها النبي . ولهذا ليست (زوجاً) له ، وإنما هي (امرأة) تحته .
ولهذا الإعتبار قال القرآن : امرأة فرعون ، في قوله تعالى : (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَفِرْعَوْنَ) .
لأن بينها وبين فرعون مانع من الزوجية ، فهي مؤمنة وهو كافر ، ولذلك لم يتحقّق الإنسجام بينهما ، فهي (امرأته) وليست (زوجه)
3-عدم الانسجام الجنسي (الانجاب) ومن روائع التعبير القرآني العظيم في التفريق بين (زوج) و(امرأة) ما جرى في إخبار القرآن عن دعاء زكريا ، عليه وعلى نبينا وآله أفضل الصلاة والسلام ، أن يرزقه ولداً يرثه . فقد كانت امرأته عاقرا لا تنجب ، وطمع هو في آية من الله تعالى ، فاستجاب الله له ، وجعل امرأته قادرة على الحمل والولادة .عندما كانت امرأته عاقراً أطلق عليها القرآن كلمة(امرأة)
قال تعالى على لسان زكريا : ( وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا) . وعندما أخبره الله تعالى أنه استجاب دعاءه ، وأنه سيرزقه بغلام ، أعاد الكلام عن عقم امرأته ، فكيف تلد وهي عاقر ، قال تعالى( قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَايَشَاء)
وحكمةإطلاق كلمة(امرأة)على زوج زكريا أن الزوجية بينهما لم تتحقّق في أتمّ صورها وحالاتها ، رغم أنه نبي ، ورغم أن امرأته كانت مؤمنة ، وكانا على وفاق تامّ من الناحية الدينية الإيمانية .
ولكن عدم التوافق والإنسجام التامّ بينهما ، كان في عدم إنجاب امرأته ، والهدف (النسلي) من الزواج هو النسل والذرية ، فإذا وُجد مانع بيولوجي عند أحد الزوجين يمنعه من الإنجاب ، فإن الزوجية لم تتحقّق بصورة تامّة .
ولأن امرأة زكريا عاقر ، فإن الزوجية بينهما لم تتمّ بصورة متكاملة ، ولذلك أطلق عليها القرآن كلمة (امرأة)
وبعدما زال المانع من الحمل ، وأصلحها الله تعالى ، وولدت لزكرياابنه يحيى ، فإن القرآن لم يطلق عليها (امرأة) ، وإنما أطلق عليها كلمة (زوج) ،لأن الزوجية تحقّقت بينهما على أتمّ صورة .
قال تعالى : (وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ)
والخلاصة أن امرأة زكريا قبل ولادتها يحيى هي (امرأة) زكريا في القرآن ، لكنها بعد ولادتها يحيى هي (زوج) وليست مجرّد امرأته .
وهنا يتولد لدينا سؤال على درجة من الاهمية هل المسألة مطلقة.في استعمال لفظة امرأة في حالة عدم تحقق الانسجام التام بين رجل وصاحبته وكيف يمكننا ان نحمل قوله تعالى في وصف ابي لهب : (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ )[المسد:01] ، إلى قوله : (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ)[المسد:04] اذ ان ابا لهب وصاحبته كانا منسجمين تماما لاسيما في العقيدة فهما مشركان فلماذا عبر القرآن عن صاحبة ابي لهب بلفظ امرأة ؟ وهل قول من قال إنما سمى صاحبة أبى لهب امرأته ولم يقل لها زوجته لأن أنكحة الكفار لا يثبت لها حكم الصحة بخلاف أنكحة أهل الإسلام يكفي حجة ودليلا قاطعا ان هذا التساؤل يترك الباب مفتوحا للبحث في ايجاد تفسير مناسب لهذه الحالة او ان نقول ان مسالة استخدام اللفظين نسبيا وليس مطلقا والله اعلم
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat