جعجع وعون.. ونعيم الگعود!
فالح حسون الدراجي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
فالح حسون الدراجي

خرج يوم أمس الأول، سمير جعجع زعيم حزب القوات اللبنانية، من بيت عدوه اللدود ميشال عون زعيم التيار الوطني الحر في ضاحية الرابية شرق بيروت، بعد اجتماع بين الزعيمين دام ساعات طويلة، ليباغت جعجع حشود الصحفيين بقوله: أؤيد ترشيح ميشال عون رئيساً للجمهورية!! فكان هذا التصريح بمثابة الصاعقة التي نزلت على رؤوس السامعين، ما جعل الجميع يضرب أخماساً بأسداس، وهو غير مصدِّق لما يسمع ويرى، ولسان حال كل واحد فيهم يقول: أيمكن أن يحصل هذا.. بعد كل ما جرى بينهما.. فهل جاءت المعجزة، في زمن غادرته المعجزات؟! وقطعاً فإن الصدمة التي أصابت الصحفيين بعد اعلان جعجع تأييد خصمه عون، لم تكن بسبب عدم التهيئة لها، أو لأنها جاءت بشكل مفاجئ، ولا لأن جعجع- وهو الرجل العنيد- قد رضخ لإرادة الزمن، فقام (بمبايعة) عدوه الأشد، فصدم بذلك الصحفيين الحاضرين. كما لم تكن صدمتهم بسبب تأييد جعجع - وهو المعروف بعلاقاته القوية جداً مع السعودية - لمرشح ايران، وحزب الله، على حساب مرشح السعودية سليمان فرنجية، الذي رشحه سعد الحريري- رجل السعودية في لبنان- سراً وعلناً لرئاسة الجمهورية. لكن الذي صدم الصحفيين برأيي، هو أن يتنازل واحدٌ مثل (سمير جعجع)، عن كرسي رئاسة لبنان لصالح شخص، وبينهما (ما صنع الحداد) كما يقال عربياً. فالتاريخ الدموي الطويل بين الرجلين، وشدة الاختلافات التي بينهما كانت كافية لأن تجعل تنازل أحدهما عن المنصب للآخر أمراً مستحيلاً.. فقد امتلأت شوارع بيروت في زمن ما، بدماء رجال جعجع، ومقاتلي جيش عون. لكن جعجع فعلها، وتنازل لغريمه، وراح الى بيته، فكان هذا التنازل خبراً لم يهز البنية السياسية اللبنانية فحسب، ولم يصدم الواقع المسيحي الماروني فقط، إنما قلب الواقع السياسي اللبناني برمته رأساً على عقب، فأحيا بذلك أشجار الأمل، وأعاد الروح لمؤسسة الرئاسة الميتة منذ سنتين تقريباً، بسبب شغور كرسيها الأول، وتعطيل قرارها الرئاسي.. لقد قام جعجع بإيثار غيره على نفسه، في قضية هي كانت كل طموحه، لاسيما وأن الرجل قد سعى، بل (وذبح) نفسه من أجل تحقيقها عشرات السنين، بينما لم يقدم غيره على فعلها.. أنا أعرض هنا مثالاً أمام سياسيينا في العراق للاقتداء به لا غير، رغم إني لا أحب سمير جعجع بالمرَّة، فهذا الرجل الفاشي المتعصب، والملطخة يده بدماء الأبرياء في مجازر صبرا وشاتيلا، بصحبة رفاقه القتلة في الجبهة الانعزالية اللبنانية، وبدعم حلفائهم في قوات الغزو الصهيوني للبنان بقيادة المجرم أرييل شارون سنة 1982، والمسؤول أيضاً عن مجزرة (أهدن) عام 1978 ، والمسؤول عن تفجير كنيسة (سيدة النجاة) سنة 1994، لا يمكن أن أطرحه نموذجاً ومثالاً أتمنى الاقتداء به، لكن فعله الإيجابي فاجأني وصدمني بترشيح، وتأييد خصمه مثلما صدم الصحفيين يوم الإثنين الفائت. لذا، فإن شخصا مثل جعجع، يدوس على طموحه الشخصي، ويتنازل عن غايته التي ركض خلفها أربعين عاماً، فقتل وذبح وسجن من أجلها، ثم يذهب بنفسه الى بيت منافسه عون بعد سبع وعشرين سنة من عدم اللقاء بينهما بشكل ثنائي، ليقدم له تأييده لاعتلاء منصة الرئاسة بدلاً عنه، لهو برأيي أمرٌ يستحق الإشادة والتقدير، مثلما يستحق العرض أمام المسؤولين العراقيين ليكون هذا الفعل التصالحي أنموذجاً لهم، عسى أن يتنازل بعضهم عن طموحه الشخصي وشراهته المناصبية، وأحلامه المجنونة، فيبادر كما بادر جعجع، ويمضي بنفسه الى الآخر بروح الاخوة العراقية، فيتصالح مع خصمه من أجل العراق، وينسى خلافاته مع الآخر من أجل وحدة العراق. وطبعاً فأنا أتحدث عن السياسيين، وغير السياسيين العراقيين النجباء، المختلفين فيما بينهم، ولا أتحدث عن القتلة الذين وقفوا مع داعش، فقتلوا من شعبنا بالوكالة، أكثر مما قتل مجرمو داعش بأيديهم .. لذا أتمنى شخصياً، لا سيما ونحن نقترب من تحرير الرمادي، وما يحيط بالرمادي، وتحرير الفلوجة، وكذلك الموصل قريباً بعون الله، أن يتسامى الجميع على جراحاتهم، وينسوا خلافاتهم، واختلافاتهم، بل وثاراتهم ايضاً، لأن الدم كما معروف يجلب الدم، والثأر يجدد الثأر، وبهذا سنفقد أرواحاً أخرى، ربما ستكون لا سمح الله أكثر مما فقدناها على يد مجرمي داعش..
ختاماً أقول: لا يعقل أن يتسامح مجرم مثل جعجع بينما يرفضه رجل شريف مسالم مثل شيخ البو نمر نعيم الگعود رغم أن الگعود (يطلبهم) دماً غزيراً.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat