صفحة الكاتب : ادريس هاني

ربيع المراهقة
ادريس هاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

هرع المشرفون على الربيع العربي إلى مزيد من خلط الأوراق..كان الطيبون والحالمون غير آبهين بالتفاصيل..فغواية الثورة تعمي الأبصار..وكل من هتف: ارحل، عدّ صديقا للثورة..حتى إسرائيل نالت من صمت الثوار ما جعلها في منأى عن كلّ تهديد..لم تسمع إسرائيل حتى ما قبل الربيع من يغازل قادتها وشعبها مزدوج الجنسية مثل ما سمعته في زمن الربيع..ولا في أي بلد عربي بلغت وقاحة التمجيد بخيارات التسوية كما فعل أهل الربيع العربي بمختلف أطيافهم ومللهم ونحليهم من الليبيراليين حتى المتأسلمين..طغت المسرحة على كل فصول هذا الربيع..والأخطر من ذلك هو الاختزال..مثل أحجيات الغيلان حدّثون عن الثورة التي فجّرها شاب حرق نفسه..كأنّ الضمير العربي حيّ إلى أقصى الحدود لكي يغضب لرجل تحرش بفتاة شرطية وصفعته كأنثى انتصرت لا لشططها البوليسي الملعون وقد كان كذلك في زمن المخلوع، ولكن انتصرت لعبارة سيكسوباتولوجية لها علاقة بالتحرش..ذلك لأنّ أخذ موازين الباعة الذين يحتلون الفضاء العمومي هو حكاية اليوم والليلة في كل المغارب..هذه الفتاة الشرطية لم يسمع لها في ربيع ضحّى بحقوق شرطية ومنح نوبل لمراهقة يمنية..ثمة أشياء كثيرة غير مفكّر فيها في جينيالوجيا الربيع العربي.. جيل كيبل ليس مصدرا دقيقا في نظري..والسبب في ذلك هو غياب المعطيات في تحليله..لكنه جمع بين المعطيات والتحليل في عملية استقصائية وتحقيقية لحادثة البوعزيزي..وأنا أميل إلى ذلك..أميل إليها لسبب بسيط هو أنّه لم يفعل سوى أن عزّز موقفنا من هذا الاختزال..

.وعند التحقيق في هذه الحادثة سنكتشف الكثير من التبسيط الذي هو عدو التّاريخ والفكر التاريخي للثورة وغيرها..هي الأحاسيس المزّيفة التي تهوّل من أمر المجاهيل وتحويلهم إلى أيقونات ثورية داتها الذهنية المفارقة التي تهوّن من رموز الكفاح..

ولكي يجعلوا من هذا الربيع حدثا كونيّا بحثوا عن فتاة مغمورة ونفخوا في شخصيتها وهيّؤوها لتكون أيقونة الربيع العربي..منحت توكل كرمان جائزة نوبل في سياق غامض جدّا.. لم يكن أحد يسمع بهذه المراهقة من قبل..ولكن كان لا بدّ أن يكون هناك بدائل غامضة..

من يقترب من ميكانيزمات تسليم هذه الجائزة يدرك تماما أنها ككل وسام دولي ليس مجّانيّا ولا هي جائزة من دون دفتر تحمّلات..بالمختصر المفيد إن لجنة القبول والترشيح في الجائزة هي في يد صهاينة..حين نتتبع كل تصريحات هذه الفتاة التي تجاوزتها الأحداث في اليمن، نجدها تعبر عن مواقف دعائية لصالح إسرائيل..تقول أيقونة الحرية برسم ربيع الأعراب:“إذا اردتم ان تعرفوا ماهي سوء الخاتمة فانظروا الى مصرع سمير القنطار، قتلته اسرائيل في سوريا وهو يقاتل ابناء الشعب السوري ”.. 

كان من بين الأهداف التي عمل عليها المشرفون على توجيه الحراك الشعبي نحو الأهداف الكبرى لواضعي استراتيجيا الفوضى الخلاّقة، إذ يصعب على البسطاء إدراك الآماد التقنية واللّعبية لصناع لعبة الأمم، حيث ما لم يكن في حسبان هؤلاء الجاهلين بقدرات اللاّعبين وقوّة اللعبة وتقنيتها أنّ تحريك مجتمع وخرق الضبط الاجتماعي مهارة سهلة حينما يتّخذ القرار من المراكز الكبرى..إلاّ في حالة الهدير الأكبر لانتفاضات الشعوب حيث الحراك هنا يكون تضحويّا منزّّها عن المصالح وازدواجية المواقف..حين تكون الثورات هوجاء وأيضا جنونيّة وتتوفر على ضمانات من قادتها التاريخيين..بينما سعى الربيع العربي أن يتنكر للتاريخ لأنّ التاريخ يفضح..وابتكروا ناموسا جديدا للثورات لا يوجد إلا في خيال المراهقين..كان الهدف هو إخضاع المجال العربي لأقصى التمييع والرداءة..أصبح المراهقون يعطون دروسا في فلسفة الثورة..يجلسون مع رموز لا يعرفون خلفيتهم السياسية والاستخباراتية الدّولية..تمييع مفهوم الثورة نفسه..وإحلال طوطم ثوروي مقطوع من شجرة أنساب كل الحيوانات..توكل كرمان مراهقة تمّ احتضانها في حواضن الزعيق من أجل ديمقراطية تذكّرنا في غوايات التيارات الكلبية التي لها جذور تمتد إلى الإغريق..هو الزعيق الضروري كي تمضي اللعبة ببراءة..كان الربيع العربي في حاجة إلى كاريزمات بديلة حرمها الله من النبوغ الطبيعي..فشل الربيع في هذه المهمّة.. لأنه لم يكن بالإمكان الجمع بين الذكاء والربيع العربي..كانت الحاجة ماسّة لتمكين الأغبياء من خطاب وألاعيب الحراك..الصبية توكّل كرمان فاتها القطار (كما هي عبارة عبد الله صالح)..ذلك لأنّ اليمن دخل في عهد آخر من ربيع المقاومة..وككل المراهقين العاجزين عن نظم الأفكار نسيت كرمان بأنّ قادة الحلف الذي تمجّد فيه هم من كان يحمي عبد الله صالح وعالجوه من آثار الحريق وراهنوا عليه في إحباط ربيع توكل كرمان..تقول المراهقة: "قولوا لحسن نصرالله الذي طلب من ميليشيا الحوثي ضرب الملاحة الدولية في باب المندب، الجيش المصري هناك لتأمين الملاحة والتصدي لأي عمليات إرهابية". 

من الطبيعي ان تحقد كرمان على الحوثي لأنّه خرّب كل الخرائط التي من أجلها توجت هذه الأخيرة في جائزة نوبل، الثمن الذي أريد به شراء الربيع العربي رمزيا من قبل آباء المشروع الصهيوني..تقول:"توارت خطابات عبدالملك الحوثي وظهر حسن نصر الله ليهدد الملاحة الدولية بعمليات إرهابية تقوم بها ميليشيات الحوثي بباب المندب.. طالما قلنا أن حزب الله وإيران يعبثون في اليمن، وهم من يديرون ميليشيا الحوثي والرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح".

بين يمن الحوثي ويمن كرمان مسافة بين العقل والحماقة..تغرد كرمان بمفردها كالثعلب الحزين بينما الحوثي يحرك كل التاريخ والشعب اليمني..فالمعركة اليوم لا مكان فيها للمراهقة.. والتناقض هنا واضح..إنها تتحدّث مثل طفل مغرر به..لذا هي مهتمة بالمفارقات..التمجيد في الجيش المصري وقيادته في باب المندب..لكنها تجهل ألف باء صناعة التحالفات ومصائرها..اختلطت الخرائط في ذهن مراهقة الربيع العربي، ما بين الميل إلى قادة التحالف وقد كانوا من أعداء الربيع العربي، وبين الميل إلى الإخوان..قالت مثلا عند الحكم على مرسي:"دار الإفتاء في مصر يصادق على حكم اعدام الرئيس مرسي، التهمة: الهروب من سجن مبارك عشية ثورة يناير، سقوط الأنظمة المستبدة يتطلب مثل هذه الأحكام، هو مانديلا العرب .. وفاقه أن حُكِم عليه بالإعدام"...

تستمر المراهقة في عجرها وبجرها لتمنح جائزة نوبل التي فقدت كل مصداقيتها بعض العفوان..هذه المرة سيطول لسان الحماقة إلى سوريا..وأمام اللاجئين السوريين داخل مخيم بوينويوجون تقول مراهقة الربيع العربي:”إن حكم رئيسهم سينتهي هو الاخر”.

هذا هو الربيع العربي..وهؤلاء هم مسوخه الذين اصطنعتهم الجزيرة..مراهقون يرهنون التاريخ لرقصة المطر الهندية..هكذا تشمت صبية جاهلة باستشهاد سمير القنطار الذي بدأ ربيعه العربي قبل أن تولد هذه الفرفرة بسنوات..ولكن أشباح الربيع العربي صمّموا ليكونوا أندالا وخصوما لكل فعل مقاوم له علاقة بفلسطين..حتى الذين ربطوا مصيرهم بالربيع العربي من داخل فلسطين أصبح مصيرهم غامضا..وقريبا سيتنكّرون لفلسطين نفسها..هكذا اختار مهندسوا الربيع العربي رموزهم من بين المراهقين والفاشلين والعملاء والوصوليين ومن كل القبائل، لكن يجمع بينهم جميعا الغباء..ولا يخفى أنّ الثورة قد تكون مجنونة..وقد تكون أي شيء..لكن لا تكون غبيّة..فالذّكاء الطبيعي للثورة سمة من سماتها التاريخية..بينما الذكاء الصناعي للربيع العربي، هو ذكاء فاسد (périmé)..إنّها بالفعل ثورة مراهقة.. ثورة بنت حرام..ولدت سفاحا في بيدائنا العربية وأرادوا لها أن تكون الجواب التاريخي عن تحدّي المقامة....بالسوريالي: فشروا...


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ادريس هاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/01/01



كتابة تعليق لموضوع : ربيع المراهقة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net