صفحة الكاتب : فالح حسون الدراجي

لا تتذكروا صدام رجاء!!
فالح حسون الدراجي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 ما إن أعلن بول بريمر على الصحفيين العراقيين نبأ اعتقال صدام حسين، حتى اشتعلت قاعة المؤتمر الصحفي بالتصفيق الحار، والهتاف والفرح المدوي، بحيث أصيب بريمر وعدنان الباچچي الذي كان يقف الى جانبه ساعة اعلان البشرى بالدهشة والمفاجأة لردة فعل الصحفيين الكبيرة. نعم..! هكذا كان الأمر في مثل هذا اليوم قبل إثني عشر عاما بالتمام والكمال. ولم يحصل ذلك الفرح في قاعة المؤتمر الصحفي فحسب، إنما حصل أيضاً في كل ارجاء العراق، بحيث يصعب الوصف الآن، ويعجز الشرح والتشبيه لحالة الشارع العراقي السعيدة، بعد تلقيه نبأ اعتقال صدام، خاصة وإنه لم يكن اعتقالاً عادياً مثل أي اعتقال آخر يحصل لرئيس أو مسؤول، إنما كان في الحقيقة اعتقالاً مذلاً ومهيناً ومخزياً لطاغية أذاق الناس طعم الحنظل المر لأربعة عقود، وهو إعتقال يشبه الى حد كبير (إعتقال) جرذ هارب من مخالب قط وحشي جائع.

لقد كان لمنظر الصور التي بثها الأمريكيون لصدام وهو يخرج من الحفرة مرعوباً وخائفاً، الأثر الكبير في جبر خواطر الملايين من العراقيين الذين أباد صدام أبناءهم في الحروب والسجون وأحواض التيزاب، فدفن بعضهم في المقابر الجماعية، وانتهى البعض الآخر منهم بلا قبور تزار، أو تذكر.
لقد لمست بنفسي هذه الفرحة، وأنا أتابع والدي رحمه الله وهو يذرف الدمع فرحاً بإلقاء القبض على صدام بالطريقة المخزية التي ظهر فيها، وكان الوالد يحادثني في التلفون وهو يقول (بويه هاي حوبة أخوك خيون وكل جماعة خيون.. وهاي حوبة الصدر والعلماء والناس الأبرياء اللي قتلهم المجرم صدام بلا ذنب)!!!!
ويقيناً أن والدي لم يكن الوحيد الذي فرح في مثل هذا اليوم، إنما فرح معه الملايين من عوائل ضحايا صدام.
وحتماً، فإن فرح الناس باعتقال صدام، لم يكن بسبب اعتقال شخص كان يشغل منصب رئيس جمهورية الخوف والرعب فقط، إنما كان يمثل اعتقالاً لجمهورية الخوف والرعب برمتها، وإن إذلاله في ذلك الاعتقال هو إذلال لكل جبروت (الويلاد)، الذين أرعبوا البلاد، وأهانوا العباد بفاشيتهم واستهتارهم وعنفهم، لذلك شعر العراقيون أن الجنود الأمريكيين لم يخرجوا صدام وحده مرعوباً وذليلاً من تلك الحفرة فحسب، إنما أخرجوا معه كل نظامه البعثي الدموي الجائر.
لقد كانت نهاية صدام يوم الرابع عشر من كانون الأول عام 2003 تمثل نهاية قاطعة لسلطة إستبدادية، وموتاً مخزياً لنظام وحشي، وهي أيضاً إيذاناً بنهاية مرحلة دكتاتورية، وبداية مرحلة ديمقراطية، مهما كانت التضاريس والألوان المتخالفة فيها.
نعم لقد مضى صدام الى الأبد وأصبح نظامه وعقيدته ومفردات منهجه، جزءاً من الماضي الذي لن يعود أبدا. والجميل أن صدام رحل كله، بشحمه ولحمه ودسمه ودمه، ولم يبق منه غير بقية عفنة مما كان يسميهم (الويلاد)، الذين هربوا بملابسهم الداخلية أمام الجنود الأمريكيين، حيث يعيشون اليوم حياة مرعوبة خائفة، تترصدهم العيون وتتبعهم الضمائر، وتبحث عنهم سواعد أبناء الضحايا لتلتقطهم من بين النفايا الداعشية، والمزابل البعثية السرية، لتضعهم بين يدي القضاء العادل، بإعتبارهم قتلة، وسفاحين، أرتكبوا جرائم شنيعة بحق الإنسانية.
رحل صدام ولم يبق منه شيء، حتى قبره، أزيل بمعاول المفجوعين من أبناء الشهداء، والضحايا الذين أعدم صدام أهاليهم. أما بعض الفايروسات التي زرعها صدام في جسد الخارطة العراقية قبل أن يرحل، فهي فايروسات مزروعة نكاية بالشعب الذي أنجب (أبو تحسين)، وانتقاماً من الشباب الذين أشبعوا رأس تمثاله بأحذية ونعالات متنوعة في ساحة الفردوس. ولعل عصابات البعث، وأتباع عزة الدوري (النقشبندية)، وتنظيم داعش، وغلمان عشيرته الذين نفذوا جريمة سبايكر بحق الطلبة العزل، هم (فخرُ) صدام، وبعضٌ من بضاعته الإرهابية، التي تركها للعراقيين. فتباً لتركته!!
واليوم حيث تمر علينا ذكرى إعتقال (الجرذ) البهيجة، فإني في الحقيقة لا أريد لكم أن تتذكروا شيئاً من سيرة هذا الرجل الدموي، بما في ذلك يوم إعتقاله، ويوم إعدامه، رغم سعادتنا بهذا التذكر.. لذا أرجوكم إن تنسوه، وتنسوا مرحلته بكل مآسيها، وأوجاعها، وتتطلعوا لنوافذ المستقبل الواعد الجميل. رغم أن ذكرى إعتقاله تعتبر مناسبة مفرحة لكل الأحرار في العالم، لأنها المحطة التي انطلق منها قطار الحرية على سكة الأمل العراقي..

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


فالح حسون الدراجي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/12/15



كتابة تعليق لموضوع : لا تتذكروا صدام رجاء!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net