الإنسان الموجود فينا!!
د . صادق السامرائي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . صادق السامرائي

من أهم العوامل التي أسهمت بتغييب الإنسان فينا هي , النظام النشأوي العربي , ومرتكزات التربية التفريغية المُبرمجة بمناهجها العمياوية , وآلياتتها الإعثارية , وأساليبها القمعية الإقتلاعية , الساعية للنيل من العقل والروح والنفس , والمعززة لتراكمات خسرانية إحباطية ذات إرادات تدميرية فائقة , ومدعومة من قبل القدرات صاحبة التطلعات الإفتراسية , والنزعات الإمتلاكية الإستحواذية الرابضة على صدور الأجيال , والهادفة لإزهاق روح المنطلقات المؤهَلة لصناعة الحياة الأفضل , المتفقة مع جوهر حقيقة الإنسان الموجود في وعاء الأرض الحضاري الأزلي الإنبثاقات والتدفقات النابضة الرائدة الأصيلة.
هذه المخالب الشرسة والهجمات , وتوفر الإستعدادات التواطوئية المقنّعة بالتديّن المسيس والعقائد الفكرية والحزبية , المصبوبة في قوالب الإمتهانات والعمل بالوكالات , لخلق حالة الوصاية والإستعباد الإتلافي الإزهاقي , الذي يدفع بالموجودات للإختناق بما تأسّن في أوعية وجودها الراكدة , والتي يعوم على سطحها النفط المانع لأوكسجين المعاصرة والتواصل والإبصار والوعي والإدراك.
تلك المحنة العربية المهولة الصادعة , هي التي أودت بحياة الإنسان المكنوز في طيات وجودنا الأدجى , ودياجير عوالمنا المتكهفة المزدحمة بالأفكار المأسورة بأقبية اليأس والخياب.
ويبقى الإنسان هو العنوان , وبإنتفائه , لا أمن ولا سلام , فحالما تضيع قيمة الإنسان , تتوارد إلى مواضعه ومرابعه النوازع الشرانية وتتحقق التفاعلات التدميرية الشاملة , بتوجهاتها العدوانية التخريبية الدامية.
وكلّ ما في الوجود هدفه الإنسان , والإنسان بطبعه يقهر الإنسان!!
وأمتنا أمة الإنسان المقهور بما فيه وحوله وعنده , إنسان مقهور بأرضه ومائه وطعامه وحاجاته , وبنفطه وزرعه , وبأنظمة حكمه وأحزابه , بل ومقتول بدينه وعقائده , وبعروبته ووحدته وهويته ولغته , وبوطنيته وبأسمى المثل والقيم والأخلاق التي يتم تفريغه منها , وتحويله إلى قِشة في مهب أعاصير الإلتهامات الحضارية الفتاكة.
ولا يمكن للإمة أن تتواصل بفقدان قيمة الإنسان , ولا بد أن يسترد إنسانها قيمته ودوره الحضاري , ويشارك الدنيا مسيرة التواصل الإيجابي الرشيد.
ولكي يستعيد الإنسان قيمته , تحتاج الأمة لقادح حضاري , يستنهض ذلك الإنسان ويؤهله نفسيا وفكريا وروحيا وإدراكيا , ويعيد له شخصيته وهويته ومعناه , وهذا القادح قائد منوّر ينهض من أبناء الأمة , ليعيدها إلى جادة الصواب ويوحّد إرادتها ويعبّد مسارات مستقبلها.
قد يبدو هذا الكلام غريبا أو ضرب خيال , بسبب أهوال اليأس الجاثمة على وعي الأمة , لكن التأريخ يرشدنا ويقدم لنا الأمثلة الواضحة على أن الأمة تستعيد ذاتها بقدحة قائد متوثب يستلهمها , ويعبّر عن وعيها وإرادتها بعزيمة وإصرار وتوثب مطلق.
فالأمة إنسحقت ووصلت إلى أقسى قيعان اليأس والقنوط والإبلاس , أيام إحتراق بغداد عام 1258 على يد هولاكو , لكن قائدا واحدا من مصر , تحدى اليأس والهزيمة وقرر أن ينتصر على أمواج التوحش والإهلاك , فتقدم مؤمنا بإنسان الأمة وعزّته وكبريائه ورسالته , فقصم ظهر الشر في معركة "عين جالوت".
ورغم شدّة الأحوال وقساوة العواصف الإحباطية التنكيلية , وزيف الإعلام وكثافة الحرب النفسية , وحماسة ماكنة صناعة المواقف والآراء , ومحطات الزعزعة والتيئيس , فأن الإنسان العربي حي وقوي , ولن تخمد إرادته أو ينكسر طود كينونته , وستلد الأمة مشاعلها وتترجم جوهرها الحضاري , وتتماسك وتستوعب دروسها , وستنطلق براعمها التواقة لحياة إنسانية منوّرة بنفحات المحبة والإيمان بالأفضل السعيد.
وتلك حقيقة صيروةٍ متوهجة لا تنظفئ , مهما تَحَنْدَسَتِ الأيام!!
د-صادق السامرائي
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat