باسم الكربلائي.. صوت (المشاية) الى المجد
فالح حسون الدراجي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
فالح حسون الدراجي

مرَّة سألني ولدي ببراءة قائلاً: بابا أين سيكون موقع باسم الكربلائي في خارطة النجوم العراقيين، لو مضى الى الغناء مثلاً، وليس الى غيره..؟ فقلت له: من الناحية القيمية، فأن باسم الكربلائي اليوم نجم لامع من نجوم المجتمع العراقي، فهو (بلبل) النداء الحسيني الصادح، وصوت المظلومية العراقية، وهو يعتبر إذاعة لكربلاء الجرح، والفجيعة ، والحق المغتصب .. أما من الناحية الجمالية فإن لباسم الكربلائي حسَّاً جمالياً عالياً ، وقدرة ذوقية متقدمة .. وإمكانية إنتقائية ذكية لم أر مثلها في الوسط الفني والملاُّئي قط .. فهو يشم النص الجميل من بعد ألف ميل، ويتذوق الكلام العذب قبل أن يقرأه .. ويمّيز الغث عن السمين بمهارة فائقة.. ناهيك عن قدرته الفذة في مزاوجة الشكل والمعنى. ومطابقة الفكرة الحسينية المثلى والمعتبرة مع الصوت التطريبي المتناغم مع الواقع التأريخي.. وجمع الصورة الشعرية الباهرة، بالصورة الدرامية لصناعة حدث ملحمي موازٍ ومقارب للحدث الفعلي.. فنقل فاجعة كربلاء شعراً وأداءً ليس أمراً جديداً، إنما الجديد يكمن في روعة خيال باسم الكربلائي، وروعة موهبته وصوته ونبراته المختلفة عن الجميع، تلك الموهبة التي جعلت المتلقي لا يتخيل واقعة كربلاء وهو مغمض العين، ولا وهو يراها تمثيلاً درامياً مصوراً كفلم سينمائي فحسب.. إنما في معايشتها، وتلمس مفرداتها بأصابعه الحيَّة .. لقد نقل لنا باسم الكربلائي صورة الجرح الحسيني – خيالاً وتخيلاً – ، كما أسمعنا الصوت حضوراً مادياً ملموساً أيضاً.. حتى بتنا نعيش الفجيعة الكربلائية، وكأننا في وسطها الزمني، وليس خارج خارطتها التأريخية.. فمثلاً عندما يحضر أبو الفضل العباس الى الشريعة حاملاً بيده قربة الماء ليسقي منها سكينة، أو وهو يخاطب الفرات معاتباً.. كان باسم الكربلائي يرفعنا بصوته القوي الى ضفاف الفرات، فنرى بعينينا، ونسمع بآذاننا نداء العباس وعتابه المُر.. وهكذا الحال في بقية القصة الكربلائية الموجعة، بدءاً من صحوة الحر، وليس إنتهاء بحرق خيام عائلة أبي عبد الله الحسين عليه السلام .. فمن منا لم يشم في صوت باسم الكربلائي (عطّاب) ورائحة الحرائق التي إلتهمت خيام زينب، وسكينة بعد إستشهاد الحسين عليه السلام، وكأنه يقف على مقربة مائة متر من تلك الخيام، وليس على بعد ألف وأربعمائة سنة.. لقد كان لصوت باسم الكربلائي وقدرته المستحيلة فضل كبير في نقلنا الى ضفاف الفرات الكربلائي، او الى خيام عوائل الحسين المحترقة، لنرى مشاهد الفجيعة برؤية حية.
لقد جمعتني الظروف بالقارئ الكبير باسم الكربلائي وأشتركنا شاعراً وقارئاً في عمل مشترك، حمل عنوان: (سمفونية المقابر الجماعية) ..حيث تشرفت بكتابة هذا النص الذي ظهر مع ظهور المقابر الجماعية ..وقد قام بأداء هذه السمفونية بإقتدار الحاج باسم الكربلائي، وأخرجها بمهارة الدكتور علاء فائق ..ولعل من الصدف الجميلة في حياتي أني ألتقيت الكربلائي في الكويت، وأشتغلنا سوية في تسجيل هذا العمل بأستوديو النظائر لأكثر من عشرين ساعة متتالية، فرأيت بعيني قدرات هذا الرجل الفذ.. وتلمست بعقلي وقلبي وطنيته العالية.. وأطلعت بنفسي على عشقه الحسيني العظيم.. مثلما إكتشفت نبله، وروعته، وكرمه.. لقد رفض الرجل ان يتسلم من الجهة المنتجة للسمفونية مبلغ عشرة آلاف دولار كأجور له.. وقد قال في مبرر رفضه: إن الشهداء الذين ننشد لهم اليوم في هذه السمفونية وهبوا لنا حياتهم، فكيف أتقاضى ثمناً عن التغني بمن وهبنا الحياة والحرية والكرامة..؟
ثم أكملت حديثي لولدي قائلاً: إن باسم الكربلائي اليوم نجم كبير من النجوم اللامعة، لكن الفرق الذي بينه وبين تلك النجوم، ان في عطر صوته رائحة المجد الكربلائي، وفي حنجرته وهج الثورة الحسينية التي أوقف صوته وحنجرته على التغني بها، والتبرك بأمجادها.. لذلك سيبقى باسم الكربلائي صوتاً مزروعاً في ضمائر عشاق الحسين، وعطراً فواحاً في موكب (المشاية) الى ذرى المجد الحسيني..
نعم سيبقى خادم الحسين باسم الكربلائي خالداً مادام الجرح الحسيني خالداً ومضيئا.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat