الجهد الاستشراقي بين المصلحة و الإنصاف
الشيخ ليث عبد الحسين العتابي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ ليث عبد الحسين العتابي

شاع عن الجهد الاستشراقي انه ( استعماري ) و ( تبشيري ) و ( مصلحي ) ، و هذه هي النظرة العامة عنه ( عربياً ) و ( إسلامياً ) ، و التي تعكس واقع حقيقي ، رغم عدم خلوها من المبالغة المغدقة في العداء المبني على أسس غير علمية في بعض الأحيان .
أما النظرة العقلانية ن و الإسلامية الحقيقية ؛ فهي تلزمنا بمحاكمة الجهود و الآراء وفق قاعدة : ( الإنصاف ) و ( اعطاء كل ذي حقٍ حقه ) .
نعم ، كان من ضمن زمرة المستشرقين من دفعه عداءه لكي يكتب عن الإسلام ، و عن التراث الإسلامي ، و عن الشخصيات الإسلامية بنفسٍ معادٍ ، و بأسلوبٍ مشوه للحقائق .
كان من ضمن المستشرقين من دفعه ( النفس التبشيري ) إلى اعتبار الإسلام عدواً للمسيحية ، بل هو ـ عندهم ـ ليس بدينٍ أصلاً و الواجب محاربته بالقول و السلاح معاً .
و كان فيهم من كان ضمن طلائع الغزو الاستعماري الذي استشرى في أرجاء الكرة الأرضية في تنافس محموم للبحث عن الثروات من قبل الدول الأوربية و بأي وسيلة كانت .
في هذا الوسط بأجمعه ، و رغم كل ما ذكرنا ، فلقد برزت شخصيات اتخذت نهجاً عقلانياً معتدلاً تميز بالإنصاف و البحث ( العلمي العلمي ) المنصف الباحث عن الحقيقة وسط ركام التاريخ . تيار تميز بأنه كان يقلب الصفحات تلو الصفحات حتى النهاية ، لا يتوقف عند قول ليحكم وفقه ، و لا يبحث عن الثغرات ليعتبرها ( سُبة ) أو ( خلل ) ، بل يعتبر ذلك شيئاً وارداً و طبيعياً جداً.
أطلعت هذه الثلة على الكم الهائل من الكنوز التاريخية ، و انبهرت بها ، و وجدت بها ما لم تجده و لم تسمع به عند غير شعوب . انه كم هائل من الأسس المعرفية و العلوم التي لم تجتمع في مكان ما ابداً .
و اجمل ما يمكن ان نضرب به مثالاً هو مطالعة كتاب ( مع المخطوطات العربية ) للمستشرق الروسي ( كراتشكوفسكي )( ) ، و الذي ذكر فيه ( منبهراً ) و ( منصفاً ) الجهود العلمية للعلماء ( العرب ) و ( المسلمين ) و ما قدموه من علوم لم يسبقهم بها أحد .
و الكتاب الآخر ، هو كتاب المستشرقة الألمانية ( زيغريد هونكه )( ) الموسوم بـ( شمس العرب تسطع على الغرب ) ، و الذي توضح فيه ما للعرب و المسلمين من اسهام كبير في التطور الحضاري عموماً و التطور الحضاري في أوربا بشكلٍ خاص .
و بعد كل ما تقدم نقول : للمصلحة و العداوة الدور الأكبر في بلورة افكار الكثير من المستشرقين ليكتبوا عن الإسلام وفق هذه التأثيرات و يحكموا وفقها . لكن و وسط كل هذه الحملة الشعواء نجد اصواتاً منصفة ـ من المستشرقين ـ تقول بما تؤمن به ، و تتبع الدليل لتحكم وفقه ، و تلك الطبقة هي طبقة المنصفين من المستشرقين .
.......................
( 1 ) إغناطيوس كراتشكوفسكي ( 1883 ـ 1951 م ) .
( 2 ) زيغريد هونكه ( 1913 ـ 1999 م ) .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat