يتعرض العراق الى اكبر واشرس حرب مركبة ومزدوجة في التاريخ المعاصر في اطار مخطط الشرق الاوسط الجديد والقاضي بتقسيم بلدان المنطقة الى دويلات صغيرة متناحرة تبدأ بالعراق هدفها توفير الامن والقيادة المركزية للكيان الصهيوني في المنطقة.
لم يفلح تنظيم داعش الاجرامي في القيام بالواجبات الموكلة اليه بالكامل رغم التعويل الاميركي الكبير عليه الا انه حقق نجاحات نسبية فتحت الباب للعودة الاميركية للعراق ومكنت واشنطن من ادارة اللعبة السياسية والانقلاب على نتائج الانتخابات البرلمانية والمجيء بحكومة خاضعة تكرس النفوذ والحضور الاميركي بموجب صفقة بين قوى سياسية ناقمة على رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وظفت حالة الارباك والانسداد السياسي ومناخ البيئة السياسية الخانق آنذاك والضغط بل التخطيط بعد الابتزاز الاميركي بورقة تنظيم داعش لتوقيع ما سُمي بـ" وثيقة الاتفاق السياسي" دون الرجوع للبرلمان العراقي!. وثيقة كانت بمثابة رصاصة الرحمة في جسد العراق لولا مماطلة بعض الاطراف في تنفيذ بعض فقراتها اذ نصت هذه الوثيقة على حزمة من البنود منها اقرار قانون ما يسمى بالحرس الوطني لتفتيت العراق وانشاء جيوش الدويلات العراقية الطائفية والاثنية المتناحرة وقانون العفو العام لاطلاق سراح البعثيين الصداميين والمجرمين واعادة استخدامهم ضد العراقيين عبر تعيينهم في مراكز حساسة في الدولة وخاصة الامنية والاستخبارية والعسكرية او قيادة جيوش الحرس الطائفي الجديد وقنون العفو الخاص عن الهاربين من وجه العدالة كطارق الهاشمي ومحمد الدايني ورافع العيساوي واعادة النظر بالتوازن الهيكلي في مؤسسات الدولة اي ادامة حالة الشد الطائفي المصطنعة منذ ما بعد عام 2003 في الدولة العراقية الجديدة بمواصفاتها الاميركية والغاء قانون المساءلة والعدالة كجزء من "منظومة المصالحة الوطنية" وتنظيم العلاقة بين الحكومة الاتحادية من جهة وحكومة الاقليم والحكومات المحلية للمحافظات والالتزام بصلاحياتها ما يعني تسليم نفط العراق الى كردستان وافراغ خزينته وتقوية الاطراف على حساب المركز عبر تنفيذ فقرات قانون المحافظات غير المرتبطة باقليم.
اوكلت للحكومة الجديدة عدة مهام اساسية في سياق الاجهاز التام على العراق والانتهاء من الخطوات النهائية لتقسيمه اول هذه المهام هي تدمير الاقتصاد العراقي والهيمنة على النفط والغاز العراقي والانتهاء من عمليات الخصخصة لمرافق الدولة ومؤسساتها على طريقة "القتل الاقتصادي" كما يسميه "جون بيركنز" في كتابه "الاغتيال الاقتصادي للأمم" اكدتها مؤامرة و"لعبة" خفض اسعار النفط العالمي من قبل السعودية لتركيع روسيا وايران والعراق والتي تزامنت مع ارتماء العراق في احضان المشروع الاميركي عبر التوقيع على قروض البنك الدولي بشروط مدمرة اكدها الدكتور احمد الجلبي قبل وفاته بفترة قصيرة اذ قال ان: "العراق يواجه كارثة اقتصادية واجتماعية ضخمة في السنة القادمة حيث سيتوجب على العراق تخصيص 56 ترليون دينار للميزانية التشغيلية "رواتب ومصروفات أجهزة الدولة" وسيتوجب عليه تسديد قيمة مبلغ تراخيص عقود النفط للشركات الأجنبية والتي تبلغ 25 ترليون دينار "21 مليار دولار" وإذا أضيفت هذه المبالغ المستحقة في موازنة 2016 إلى مبالغ التعويضات والديون سيكون المبلغ الإجمالي أكثر من 81 ترليون دينار وهو مبلغ لن يكون ممكنا تأمينه في ظل استمرار انخفاض أسعار النفط".
اما الحل المقترح لتفادي هذه الكارثة هو لجؤ حكومة العبادي - التي تعلم كل هذه الحقائق والأرقام - الى صندوق النقد الدولي وهي ترى فيه الحل الأمثل للأزمة، ولكنها تنتظر وقوع الكارثة في السنة القادمة لتظهر بمظهر المضطر إلى اللجوء لصندوق النقد الدولي وحلوله المدمرة والذي سيشترط بموجب قوانين القروض على الدولة العراقية ما يلي:
إلغاء البطاقة التموينية "الحصة الغذائية" التي يقتات عليها العراقيون ممن هم تحت خط الفقر، ورفع الدعم عن كافة السلع وفي مقدمتها الطاقة والمحروقات، وتسريح العمال والموظفين من الشركات والمشاريع ذات التمويل الذاتي التي لا تحقق أرباحا، وتقليص جهاز الدولة الحكومي وتسريح مئات الآلاف من الموظفين بموجب خطة يضع تفاصيلها البنك الدولي وليس الحكومة العراقية!!.
اما المهمة الاساسية الثانية لهذه الحكومة فهي محاربة الحشد الشعبي وفصائل المقاومة عبر حجب النسبة الاكبر من موازنتها وتخفيضها الى الثلث في موازنة عام 2016 ومحاصرتها ومنعها من اكمال مهمتها ومحاولة ركوب انتصاراتها وتسويقها حكوميا والسعي لاقرار قانون الحرس الوطني البديل عن الحشد لتقسيم البلد وكأنها تطعن في ظهر الحشد الشعبي وتوفر الحماية لتنظيم داعش وتعطيه الفرصة تلو الاخرى لاعادة تنظيم صفوفه ومسك زمام المبادرة من جديد
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat