سأتقبل برحابة صدر موضوع تحرير قضاء سنجار من أيدي داعش، لو كانت قوات البيشمرگة (المُحرِّرة) قد فقدت في (معركة التحرير) مقاتلاً واحداً، أو حتى جريحاً واحداً.. وسأتغاضى عن الأمر برمته، وأعتبره طبيعياً، لو لم ينسحب الدواعش من سنجار بسلام، بحيث جرت عملية الإنسحاب بشكل إنسيابي، وكأن (الأمم المتحدة) أشرفت بنفسها على الإنسحاب. ولعل الأمر الذي جعل (الفار يلعب في عبي)، هو أن الدواعش غادروا (سنجار) دون أن يفخخوا وراءهم داراً، أو دائرة، أو حتى (بغلاً) واحداً، وهم الذين إعتادوا على تفخيخ كل شيء حين يغادرون منطقة أو أرضاً كانوا يحتلونها فلماذا تخلى (الدواعش) هذه المرَّة عن عادتهم؟ أليس في هذا الأمر ما يدفع الى الريبة والشك.. ويجعل الفار يلعب (شناو) في عبي؟!
ولعل القضية التي حرَّضت هذا الفارعلى اللعب في عبي أيضاً، أن رجال البيشمرگة نشروا فوق مخازن القمح في قلب مدينة سنجار -بعد تحريرها- علماً كبيراً جداً لكردستان، يقال أن طوله ستون متراً، وعرضه أربعون متراً، مما أثار سخرية، وإستنكار المواطنين فيها.. وقطعاً فإن نشر علم لكردستان فوق مدينة (ليست كردية)، وبهكذا حجم، وفي مثل هكذا ظروف غير طبيعية، أمرٌ إستفزازي، مقصود، لا يمكن إلاَّ أن يكون عدوانياً، وذا أبعاد خطيرة..
أضف الى ذلك، ما يجري الآن من إعتداءات شرسة بحق المواطنين التركمان في طوز خرماتو. إذ تشير التقارير الواردة الى سقوط عدد من أبناء الطائفة الشيعية التركمانية في هذه المدينة.. فالنائب عن المكون التركماني جاسم محمد جعفر يشير الى أن قوات البيشمرگة الكردية قد (إحتلت) طوزخرماتو بالقوة، وقتلت عناصر عديدة من أبناء الحشد الشعبي التركماني، الأمر الذي دفع بسكان القضاء الى تشكيل لجان شعبية في بعض الأحياء لحماية ممتلكات ساكنيها من عمليات النهب والسلب، ولدعم الحشد الشعبي التركماني أيضاً.. يأتي ذلك بعد إندلاع إشتباكات عنيفة غير مبررة بين البيشمرگة، والحشد الشعبي التركماني، وسقوط عدد من الجرحى والقتلى بين الطرفين.. فضلاً عن حصول عمليات إنتقام قامت بها قوات البيشمركة في طوزخرماتو، أسفرت عن حرق عدد كبير من المحال، والمنازل الشيعية في أحياء محددة من المدينة.. وهو بمثابة فرض سياسة الأمر الواقع على هذه المدينة التي أُسست قبل أكثر من خمسة آلاف عام، إذ تقول كتب التاريخ بهذا الصدد: (إن عمر مدينة طوزخورماتو يمتد إلى أواسط الألف الثالث ق.م، أي إلى عصر الحضارة الآشورية 2600 ق.م. اما العشائر التركمانية التي استوطنت هذه المنطقة، فيمتد تاريخ سكناهم إلى 800 سنة وهو تأريخ مدينة طوزخورماتو الحديث. وظهر قضاء طوزخورماتو كمدينة قديمة، أشار لها المؤرخون. بعد أن ورد ذكرها في الألواح القديمة بأنها كانت محلا بابليا، ثم أصبحت بعد ذلك مهد الحضارات البابلية والآشورية والسومرية)!!
وإذا كان أغلب سكان طوزخرماتو بنواحيها الأربع (آمرلى وبسطاملي وسليمان بك وقادركرم) من التركمان الذين إستوطنوا فيها قبل أكثر من ثمانية قرون، فإن الأكراد لم تطأ أقدامهم أرضها إلاَّ بعد عام 1959، حيث يرجع تاريخ نزوحهم، إلى ما بعد اعلان الجمهورية العراقية آنذاك (وتحديداً بعد أن قامت الحكومة بتوزيع اراض سكنية لهم في شمال المدينة، سميت بحي الجمهورية. ثم تزايد عددهم بعد هجرة الأكراد للمدينة في أعقاب عمليات الأنفال، فاستقروا فيها بشكل دائم، ولم يعودوا إلى سكنهم الأصلي حتى بعد سقوط نظام صدام..)!!
وإذا ماعلمنا أن ناحية آمرلي- إحدى نواحي طوز خرماتو الأربع- (هي مدينة تركمانية مقدسة، ويوجد فيها أثار أهل بيت النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بدءًا من مقام الإمام الحسن بن علي عليهما السلام، الى قبر خادمة الإمام (خرمه عنه)، وقبر خادم الأمام (داده مردان علي)، فإن هذا يعني أن طوز خرماتو بنواحيها الأربع- تأريخاً، وحضارة وقداسة- قضاء تركماني تماماً، يمثل فيه الشيعة الأغلبية الساحقة.. لذا فإن على الحكومة العراقية حماية هذه التشكيلة القومية والمذهبية من الإبادة، وحماية القضاء من (الإحتلال) البارزاني، لأن عمليات القضم الرسمي قد بدأت فعلياً، لذا يجب الإنتباه لذلك..
ولعل أروع ما سمعته أمس، تلك الإستجابة السريعة من أبطال بدر، على لسان المجاهد العامري، والنائب قاسم الأعرجي، ومن فرسان العصائب على لسان الشيخ المجاهد قيس الخزعلي، وكذلك التحذير الشديد من قبل نوري المالكي بحيث تم إعلان الجهوزية القتالية التامة لأبطال هذه القوات المجاهدة سريعاً، من أجل دعم إخوتهم في الطوز، وكي لا تنكب هذه المدينة مرة أخرى، بعد أن نكبت في 7/7/2007، (بشاحنة طائفية كبيرة مفخخة) فقدت فيها آمرلي لوحدها 127 شهيـداً وأكثر من 400 جريح، وهدم الكثير من البيوت والمحال فيها..
ختام المقال، نصيحة مجانية أعرضها لكاكا مسعود، أقول له فيها:
آمرلي وأخواتها في طوزخرماتو خط أحمر.. فليس كل مدينة ترفع فيها علماً كبيراً مثل (سنجار)، ولا كل مدعبل جوز كاكا..!
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat