صفحة الكاتب : نزار حيدر

عَلَّمَتْنا كَرْبَلاءُ (٤)
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  انّ الشّعائر الحسينيّة؛
 أولاً/ تذكرةٌ ثانياً/ توثيقٌ ثالثاً/ توعيةٌ وتثقيفٌ وترشيدٌ رابعاً/ تربيةٌ وتعليمٌ وتزكيةٌ خامساً/ إِعدادٌ وتعبئةٌ سادساً/ تنبيهٌ وتحذيرٌ سابعاً/ تعريةٌ وفضحٌ للطّاغوت المتجبّر والحاكم الظّالم.
 ولذلك لم يُبالغ أبداً مَن قال؛ انَّ الاسلام محمّدي الوجود وعلويّ التّربية وحسينيّ البقاء او الخلود، فلولا عاشوراء لما بقيَ شيءٌ من الاسلام أبداً، ولولا الشّعائر الحسينيّة لما بقيَ شيءٌ من كربلاء أبداً.
 انّها تذكّرنا بأيّام الله تعالى، منذُ ان خلق الله تعالى آدم عليه السلام كخليفةٍ في هذه الارض بقوله {لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} والى يومِنا هذا، تذكّرُنا بكلّ تفاصيل الحوادث والوقائع التي مرّت في تاريخ البشريّة، تذكّرنا بالظّلم والقهر والسّحق المنظّم لحقوق الانسان والجبروت والتسلّط واستخدام القوّة المفرطة للسّيطرة والسّلطة.
 تذكّرنا بالطفولة المذبوحةِ وبالعدوان الغاشم الذي تتعرّض له المرأة وبأحلام الشّباب التي يقتلها الطّغاة وبالاستئثار غير العادل بفرص الحياة وبالكرامة المسحوقة وبالحرّيات المُصادرة من قبل جلاوزة الطّاغوت وبحرّيّة الاختيار التي يمنعها الحاكم الظَّالِم لصالح أجنداته الخاصة فقط.
 لقد تعرّضت عاشوراء لكلّ محاولات المحو والنّسيان والتّشويه والتّضليل وعلى مرّ التّاريخ وبالشّكل الذي لم تتعرّض لهُ أيّة حادثة أُخرى في هذا العالم، وذلك على مستويين؛
 المستوى الاول؛ هو الحرب المادّية الشّعواء التي تعرّض لها كلُّ من حاول بشكلٍ من الأشكال إحياءها وبعثها في نفوس الامّة، فطارت رؤوسُ الزّائرين لقبرِ الحسين (ع) وقُطعت أيدي المحبّين لهُ وهُدم القبرُ الشّريف ووُضِعَ التّرابُ في قُدور الزّاد وفجّرت السّيارات المفخّخة والاحزمة النّاسفة التي تحملها دوابّ الإرهابيّين التكفيريّين التي غُسلت أدمغتهُم، في وسط جموع المعزّين في الشّوارع العامَّة او في المساجدِ والحُسينيّات، وذُبحَ المُشاة لمنعهم من الوصولِ الى حيث مثوى الحبيبِ في كربلاء وقُصف المرقد الشّريف للأمام ولأخيهِ أبا الفضل العباس (ع) بمختلف انواع الأسلحة الثّقيلة والخفيفة، كما فعل الطّاغية الذّليل صدام حسين إبّان الانتفاضة الشّعبانية المباركة عام ١٩٩١.
 امّا المستوى الثّاني، فهو الحرب الفكريّة والمعنويّة والثّقافية والعقائديّة والاعلاميّة الشّعواء التي تعرّضت لها النّهضة الحسينيّة المباركة، منذ لحظة استشهاد الحسين بن علي عليهم السلام في عاشوراء عام ٦١ للهجرة والى اليوم، ولقد جيّش الظّالمون مختلف انواع الاقلام المسمومةِ والعمائمِ الفاسدةِ من وعّاظ السّلاطين وفقهاء البلاط للطّعن بالنّهضةِ واسبابها ومقوّماتها ومنطلقاتها وأدواتها والتّشكيك في أهدافِها وإِثارة الشبهات والشّكوك والضّنون حتى على شخوصها بدءً بسيّد الشّهداء.
 ولانّ التاريخ تكتبهُ السّلطات عادةً، ولأنهُ يُكتب بيد المنتصر دائماً، ولذلك حاول الطّغاة وعلى مرّ العصور إِعادة كتابةِ تاريخ كربلاء بما يخدِم أجنداتهم ويحقّق مصالحهُم ومآربهم.
 كان شعارُهُم دائماً [أُقتُلوا كَربلاء تَسلَموا]! بالتّشويه تارةً وبالمنعِ أُخرى وبالنّسيان ثالثة، وإذا أمكن فمحوِها من الوجود وكأنّها لم تكُن عاشوراء ولم يَكُن الحسين (ع) ولم تكُن كربلاء!.
 قولوا للنّاس انّها أكذوبةٌ! قولوا لهم انّها بدعةٌ! قولوا لهم انّها صناعة الرّوافض او العمائم او ايَّ شَيْءٍ آخر!.
 ولكنهم فشلوا ويفشلونَ لسببين مهمّين؛
 الأَول؛ هو انّ تاريخ كربلاء كتبهُ الحسين (ع) بالدم، والدَّم ينتصرُ على الزّيف أبداً.
 كتبهُ أهلُ بيتهِ واصحابهِ بالدّم، فالتّاريخ الذي يكتبهُ الطّفل الرّضيع بدمهِ الطاهر والبريء لم ولن يعبثَ بهِ وبحقيقتهِ احدٌ أبداً مهما بذلَ من جهدٍ.
 وانّ الحدث الذي يكتبهُ العبدُ الأسود جون بدمهِ الطّاهر الزّكي ليختلِطَ مع دمِ السّيد القرشيّ ابن الامام قائد المعركة علي الأكبر الى جانب المرأة الطّاهرة ليختلِطَ بدمِ وهبٍ النّصراني ومعهم الشّيخ الطّاعن في السّن الصَحابي الجليل حبيب بن مظاهر الاسدي مع الشّاب العريس القاسم بن الحسن عليهم السّلام، ان هذا التاريخ لم ولم يقدِر احدٌ على تشويههِ وتبديلهِ مهما فعلَ الطّغاة والحاقدون والمغرِضون والفاشِلون والفاسِدون.
 الثّاني؛ انّ عاشوراء احتضَنتها قلوب المحبّين والموالين والمستضعفين والمحرومين والمقهورين وكلّ الشّعوب التي تتطلّع الى العز والكرامة والإباء ولم تحتضنها السّلطات والانظمة والحُكّام، وهنا يكمن السرّ، سرُّ الخلود، فليس في العالم اليوم ذكرى تُحيى كعاشوراء وليس في هذا العالم اليوم مقتولٌ يُبكى كالحسين (ع) وليس في هذا العالم اليوم ارضٌ تُقصد ككربلاء.
 انّها الشّعائر الحسينيّة التي حَمَت الذكرى وحفِظت عاشوراء واحتضنت كربلاء، فلولا الشّعائر الحسينيّة لمحى الظّالمون كلّ شيء، ولذلك نراهم يشحذون سيوفهم ويغذّون إِعلامهم ويستثيرون شياطينهم كلّ عامٍ مع حلول الذّكرى للطّعن بها، فتارةً هي تشوّه المذهب! وتارةً هي بِدعة! وتارةً هي مستوردة وليست أصيلة! وتارةً هي دليلُ تخلّفٍ! وهكذا، ولكنّهم فشلوا ويفشلون.
 عاشوراء؛ ذكرى المستضعفين التي يحاربها المستكبرون.
 كربلاء؛ ذكرى الشّعوب التي تحاربها الأنظمة.
 الحسين (ع)؛ ذكرى المظلومين المقهورين الذي يحاربهُ المتجبّرون.
 ان عَاشُورَاءَ مشروعُ أُممٍ وشعوبٍ تسعى لنيلِ حقوقِها المهدورةِ وكرامتِها المستباحة وخياراتها الضّائعة، وليست مشروع أنظمة وحكومات تتاجرُ بالذّكرى، لذلك ظلّت ذكراها حيّةً خالدةً أبد الدّهر وعلى مرّ العصور، متحدّيةً حربهم الشّعواء ضدّها، فانّ اوّل مَن أقامَ مجلسِ العزاءِ والنّياحةِ والبُكاء هي زينب بنت علي عليهما السّلام في مجلسِ الطّاغية يزيد، فكانت الانطلاقة شعبيةً رسمت معالم التّحدّي في عقرِ دارِ الحاكمِ الظّالم، وهكذا استمرّت الى اليوم وستبقى هويّةُ امّمٍ وشعوبٍ، امّا الأنظمة والحكومات فقد تضطر أحياناً للمتاجرةِ بالذّكرى لتساير شعوبها، ولكنّها لن تمتلكها او تُصادرها أبداً، فالفرقُ كبيرٌ بين مَن بكى ممّن تباكى.
 صحيح ان مُعاوية ابْنُ هند اكلة الأكباد بكى على علي امير المؤمنين (ع) عندما وصفهُ لهُ ضِرار بطلبٍ والحاحٍ مِنْهُ، فهل يعني ذلك انّهُ ممن بكى عليه ام تباكى؟!.
 ان مِثْلَ دموعِ الأنظمةِ والحكومات والسياسيّين والحزبيّين الَّذِينَ يُتاجرون بالحسين (ع) لحاجةٍ في أنفسهم يريدون قضاها تشبهُ الى حدٍ بعيدٍ دموع مُعاوية على علي! لَنْ يخدعوا بها أحداً!.
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/10/22



كتابة تعليق لموضوع : عَلَّمَتْنا كَرْبَلاءُ (٤)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net