صفحة الكاتب : مير ئاكره يي

آيات الأحكام القرآنية ... 4
مير ئاكره يي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 آيات الأحكام القرآنية 

 
تأسيسا على ماقدمناه حتى من هذه المقدمة في دراسة آيات الأحكام القرآنية ، حيث هي كما أعتقد محاولة جديدة لدراسة آيات الأحكام في القرآن الكريم . وبهذا يمكن تقسيم آيات الأحكام القرآنية الى ثلاثة أقسام ، هي كالتالي : 
1-/ الايمانيات والاعتقادات ، أو الكليات من الأصول والأركان والثوابت القطعية . في هذا القسم تتمركز قضايا التوحيد والنبوة والمعاد والكتب السماوية ، مضافا الأصول والأحكام الاسلامية الكلية الأساسية الثابتة التي أثبتها وأصّلها الكتاب وصحيح السنة النبوية . في هذا القسم لامجال للاجتهاد ، أو التأويل في كلياته وأركانه وأحكامه بأي شكل من الأشكال ، حيث هذا القسم يُشكّل القاعدة الرئيسية والبُنيان الأساسي للشريعة والدين والتصور والايمان الاسلامي . وإن مساحة هذا القسم ، أي مساحة القطعيات والثوابت الايمانية والاعتقادية هي صغيرة ومحدودة . 
2-/ قسم الأحكام للاجتهاد النسبي : إن مساحة هذا القسم أكبر وأوسع حجما من القسم الأول ، إذ انها كبيرة تقريبا . وفي هذا القسم يجوز للعلماء الاجتهاد فيه لاستنباط الأحكام والحلول الشرعية على ضوء ضرورات العصر ومقتضياته ومتغيراته وأعرافه . هذا بالرغم من وجود النصوص الواردة في الكتاب والسنة ! . 
ولعل أول من قام بهذا العمل الاجتهادي العظيم في منطقة الأحكام الثانية هو الخليفة الثاني الامام عمر بن الخطاب [ رضي الله عنه ] . وذلك حينما أوقف تنفيذ أحكام منصوصة عليها قرآنيا وحديثيا ، في عدة مناسبات ، منها عدم قطع يد السارق ، ووقف حكم المؤلّفة قلوبهم وغيرها ! . 
لاشك إن ماقام به الامام عمر [ رض ] كان بمشورة أكابر الصحابة كعلي وآبن مسعود وسلمان الفارسي وعثمان وأبي ذر وغيرهم رضوان الله وسلامه عليهم . وهذا يعني بوضوح انه يجوز للعلماء وقادة حكوماتها إن كانوا علماء مجتهدين أن يسلكوا نفس السبيل ، وأن ينتهجوا ذات النهج للامام عمر الذي فتح باب الاجتهاد العقلي ، مع إضافات إجتهادية لهم بحسب متغيرات وضرورات عصرهم ومستجداتها ، أي بعبارة أوضح إنتهاج سبل الاجتهاد والمصلحة المجتمعية في دائرة الأصول والأحكام في القسم الثاني . 
ومن جانب آخر ، وعلى ضوء ماقام به الامام عمر [ رض ] أيضا يمكن إيجاد البدائل الجزائية والعقابية التنفيذية لجملة من الأحكام الشرعية ، مثل تلكم الأحكام التي تتعلّق بالسرقة والزنا وشرب الخمر والرجم وغيرها . ذلك إن العبرة والهدف الغائي للشريعة الاسلامية هو في التنفيذ والاجراء لأحكامها الشرعية – القانونية لا في الوسائل والأدوات ! . 
وقد تكون بعض وسائل التنفيذ والاجراء وآلياته مفيدة لعصر ، لكن ليس بالضرورة أن تكون مفيدة ومقبولة في عصر آخر . على هذا الأساس ، وبعد الدراسة الدقيقة والمُعمّقة لطبيعة آيات الأحكام القرآنية إتّضح لي ؛ إن إيجاد البدائل لآليات الاجراء والتنفيذ للأحكام والحدود الشرعية الجزائية والعقابية لاتدخل ضمن ثوابت الايمانيات والأصول والأركان الأحكامية الاسلامية الثابتة ، بل إنها تدخل في إطار فقه المصالح والمقاصد والمنافع والمتغيرات العصرية ومقتضياتها ! . 
لذلك لايجوز – بحسب دراستي – الخلط بين أحكام القسم الأول وأحكام القسم الثاني والثالث . ذلك ان احكام القسم الأول التي تعرف بالايمانيات والثوابت القطعية هي ليست محل إجتهاد أبدا ، مع العلم ان غالبية التفاصيل لتلكم الأحكام لم تُذكر في القرآن الكريم ، بل ان سيدي رسول الله محمد [ ص ] فسّرها وحدّدها وفصّلها . لذا فإن السنة النبوية هي الحُجية الثانية والمصدر الأساسي الثاني للتشريع بعد القرآن الحكيم . 
أما القسم الثاني للأحكام فإنه  كما قلنا – ليس كالقسم الأول ، بل انه يجوز للعلماء الاجتهاد فيه ، والتأويل في أحكامه بهدف إستنباط الحلول المناسبة للقضايا الطارءة والمستجدة ، حتى انه – بحسب ماتوصلت اليه – يصح تعطيل ، أو نسخ [ النسخ هنا بمعنى إيجاد البديل أو البدائل ] بعض أحكامه بحكم الواقع والضرورة . ذلك ان الضرورات تبيح المحذورات والمحظورات وفق قاعدة علم الأصول الشرعية ، ومثاله جواز أكل لحم الخنزير في الحالات الطارءة ، مضافا جواز أكل لحم الكلاب والقطط وغيرها المحرمة في الحالات الطارءة أيضا ، مع ان الأصل هو حرمة أكل لحوم هذه الحيوانات على الاطلاق . لكن المقتضيات والطواريء من الحالات الزمانية والاجتماعية والمكانية قد تفرض حلول الوسط وإيجاد البدلائل الممكنة ! .  
على هذا الأساس يمكن الاجتهاد من أجل إيجاد البدائل الاجرائية والآليات التنفيذية المختلفة لتلك الأحكام التي ذكرتها ، لأن هدف الشارع بالأساس هو تنفيذ الأحكام وإجرائها لاشكل الوسيلة والآلية لتنفيذ هذا الحكم الشرعي ، أو ذاك . لهذا تمتاز الشريعة الاسلامية بهذه المرونة ، وبشتى القابليات لايجاد البدائل ، أو البحث عنها حتى العثور عليها ، وللمثال فإنه يمكن إيجاد البدائل المناسبة لقطع اليد للسارق في السرقة ، والجلد والرجم في حكم الزنا والثاني للزاني المحصن [ أي المتزوج ] ، او الغصب الجنسي وما اليه كالسجن والغرامات المالية ، أو النفي للمتهم في الحالات التي تشكّل وجوده خطرا على المجتمع ! . 
3-/ القسم الثالث وهو منطقة الرحمة ، يمكن تسمية هذا القسم بمنطقة الرحمة ، أو منطقة الفراغ الاجتهادية . إن هذه المنطقة هي منطقة الاجتهاد المطلق ، حيث لانص فيها من الكتاب والسنة والاجماع للأئمة والعلماء المجتهدين السابقين . والدليل على جواز الاجتهاد العقلي في هذه المنطقة هو حديث معاذ حينما أرسله رسول الله محمد [ ص ] حاكما الى اليمن قائلا له : بم تحكم ؟ قال : بكتاب الله ، قال : فإن لم تجد ؟ ، قال : فبسنة رسوله ، قال : فإن لم تجد ؟ ، حينها رد معاذ بأنه يجتهد برأيه ففرح رسول الله محمد عليه وآله الصلاة والسلام من جوابه . وعليه فإن منطقة الرحمة الاجتهادية هي واسعة بوسع العالم كله . وقد لاتملأ هذه المنطقة في عصر من العصور بإجتهادات نهائية أبدا مادامت الحياة مستمرة ستكون الاجتهادات العقلية العلمية البشرية تبقى أيضا مستمرة ! . 
وهذا هو بالحقيقة سر خلود ومرونة وديمومة الشريعة الاسلامية وصلاحيتها لكل العصور والأزمنة والأمكنة . وهكذا هذه هي حكمة إستمرارية وحيوية الشريعة الاسلامية وتناسبها مع كل الأزمنة والبيئات البشرية ، لأنها لاتقر بوجود حل ، أو حلين فقط للمشكلات والقضايا والشؤون البشرية ، بل إنها تحض الانسان المجتهد العالم الى إعمال فكره وتفكيره وعقله لإختراع وإبداع وإيجاد الحلول الكثيرة والمتنوعة ، ومن ثم إختيار الأنسب والأصلح والأنفع والأكثر تلاؤما للمجتمعات وحياتهم وشؤونهم . هنا تحديدا يتجلّى السر العظيم والمعادلة الكبرى والحكمة البليغة من إستمرارية الديانة والشريعة الاسلامية ودائميتها الزمنية ، وذلك لمرونتها في القبول لمختلف الحلول والخيارات ، وبخاصة تلك التي تتماشى وتلتقي مع مصالح الانسان وسعادته ورقيه ! . 
إذن ، فالقرآن الكريم لما نزل بجزيرة العرب على قلب سيدنا محمد رسول الله [ ص ] فإنه راعى يومذاك المجتمع العربي وبيئته وأعرافه ومستواه على جميع الأصعدة من جانب ، وإنه بجانب ذلك راعى أيضا النواحي العالمية والاستمرارية الدائمية للبشر وتطوراتهم ومتغيراتهم في الحياة ، منها حديثه المتواصل وحثه المستمر على الاجتهاد وبذل الجهد والمجهود العقلي لاستنباط الحلول لقضاياه وأموره ومستجداته . 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مير ئاكره يي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/06/20



كتابة تعليق لموضوع : آيات الأحكام القرآنية ... 4
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net