صفحة الكاتب : الشيخ ليث عبد الحسين العتابي

اللغة أداة مهمة في المعرفة و في تحقيق التواصل
الشيخ ليث عبد الحسين العتابي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
    إن من أهم الأدوات المعرفية  ( اللغة ) ( Language ) إذ تعد أداة معرفية مميزة من بين الأدوات المعرفية الآخرى  , و اللغة  تارة عامة تشمل كل أنواع اللغات سواء للحيوانات , أو الإشارات , أو الرموز و العلامات , و تارة تكون خاصة فتشمل فقط المنطوق من حروف و كلمات تجري على اللسان , و تارة أخرى نقصد بها لسان معين , و لهجة معينة لشعب من الشعوب , أو لطائفة من الطوائف .
و اللغة أما تكون ( ذاتية ) ( Subjective ) : يولد بها الطفل و ذلك تبعاً للغة والديه  , أو بلده الذي ولد فيه , أو تكون ( مكتسبة ) ( Acquired ) : يتعلمها فيما بعد كالأنكليزية بالنسبة للعربي . 
و تعتبر اللغة من أهم أدوات التواصل المعرفي الإنساني , فعمليات التأثير , و التأثر , و التفاعل الإجتماعي تقوم أساساً على عملية الأتصال , و عملية الأتصال هذه تقوم بها اللغة , فهي أهم أدوات التواصل , و الأتصال التي يستخدمها الإنسان في التفاعل مع غيره من بني جنسه , و مشاركتهم خبراتهم , فقد أدت مشاركة الغير , و التفاهم معهم بواسطة اللغة إلى قيام مجتمعات , لكل مجتمع ثقافته التي تميزه عن غيره .
و اللغات كما أنها تنمو , و تتطور , و ترتقي فهي كذلك تضعف , و تموت , و تندثر , فهناك الكثير من العوامل المؤثرة في مسيرة حياة ( اللغة ) , فاللغة تستمد قوتها , و وجودها , و بقائها من قوة الأمة الناطقة بها فـ( إن غلبة اللغة بغلبة أهلها , و إن منزلتها بين اللغات صورة لمنزلة دولتها بين الأمم )  .
و تبقى اللغة محافظة على خصوصياتها ما دامت البيئة الخاصة بها مستقلة , و منعزلة عن غيرها , أما عامل الأختلاط فيضيف إلى اللغة ألفاظ , و أسماء , و مسميات , و لهجات جديدة لم تكن معهودة من قبل , تعكس من وراءها التفاوت الواضح في الطبائع , و المدارك , و الإتجاهات عند بني البشر .
لقد ( أصبح من المُسَلم به عند اللغويين , أن أحتكاك اللغات ضرورة تاريخية , و هذا الأحتكاك يؤدي إلى تداخلها إن قليلاً و إن كثيراً , و يكادون يقطعون بأن التطور الدائم للغةٍ من اللغات و هي في معزل عن كل احتكاك و تأثير خارجي يعد أمراً مثالياً لا يكاد يتحقق ذلك , لأن الأثر البالغ الذي يقع لأحد اللغات من لغات مجاورة لها , كثيراً ما يلعب دوراً هاماً في التطور اللغوي , و يترتب عليه نتائج بعيدة المدى إلى درجة أن بعض العلماء يذهبون إلى القول : بأنه لا توجد لغة متطورة لم تختلط بغيرها )  .
و بما أن اللغة تعتبر أهم أدوات المعرفة , و المترجمة لباقي الأدوات فقد أضحت محل أهتمام العلماء في جميع جوانبها , فكثر دارسوها , و كثرت فروعها , و كثرت الأختصاصات فيها . فـ( يعد النظر اللغوي و اللساني , النمط الأقدم , و المجال الأرحب , من بين ساحات الأشتغال الواسعة في تاريخ الفكر الإنساني , و على أمتداد هذا البحر المائج , آثار شاخصة , و صروح قائمة , أنتجها عمالقة الفكر البشري , سواء على مستوى الإبداع في إطار اللغات , و إنتاج المتون الخالدة , أم على مستوى دراسة اللغات نفسها و العناية بتكوينها , و الروابط بين أجزائها , و اكتشاف اسرارها )  .
و نحن في هذا المبحث لا نريد أن نبحث في النظريات اللغوية , و لا نظريات وضع اللغة , و لا عن علاقة اللفظ بالمعنى , و لا عن الواضع الأول , فكل ذلك موكل للكتب المختصة بذلك .
لكن و مع كل ذلك و بشكل عام نقول : إن العلماء , و المفكرين , و المختصين قد أختلفوا كثيراً في موضوع نشأة اللغة , و قد تنوعت أراؤهم , و أختلفت مذاهبهم في المقام . و مع ذلك كله فإنهم لم يصلوا في أبحاثهم إلى نتائج يقينية ذات أدلة متفق عليها .
فمثلاً نجد أن ( ماريو باي ) يقول : ( فيما يختص بنشأة اللغة , و طبيعتها لدينا مصادر تعتمد على الأساطير , و الحديث المنقول , و المناقشات الفلسفية , و لكن تنقصنا الحقائق العلمية في هذا الصدد )  .
أما الشيخ محمد حسين النائيني ( قدس سره ) الذي بين أن تلقي اللغة كان بطريقة الجعل المتوسط بين التكوين و التشريع يقول : ( لابد من إنتهاء الوضع إليه تعالى , الذي هو على كل شيء قدير , و به محيط , و لكن ليس وضعه تعالى للألفاظ كوضعه للأحكام على متعلقاتها وضعاً تشريعياً , و لا كوضعه الكائنات وضعاً تكوينياً , إذ ذلك مما يقطع بخلافه , بل المراد من كونه تعالى هو الواضع أن حكمته البالغة لما أقتضت تكلم البشر بإبراز مقاصدهم بالألفاظ فلابد من إنتهاء كشف الألفاظ لمعانيها إليه تعالى شأنه بوجه : أما بوحي منه , و إما بوحي منه إلى نبي من أنبيائه , أو إلهام منه إلى البشر , أو إيداع ذلك في طباعهم , بحيث صاروا يتكلمون و يبرزون المقاصد بالألفاظ بحسب فطرتهم , حسب ما أودعه الله في طباعهم )  .
أما السيد الشهيد محمد باقر الصدر ( قدس سره ) فيقول : ( نحن لا نملك برهاناً قاطعاً على نفي اتجاه إلهية الوضع , و أن الوضع و نشوء ظاهرة اللغة في حياة الإنسان كان من صنع نفسه مئة بالمئة ... بل فرضية الإلهام بأصل اللغة لعلها هي المناسبة مع ما هو الملاحظ في جملة من النصوص الدينية ... )  .
و المهم لدينا هنا أن نبين أن اللغة أداة معرفية و ذلك لكونها : ( ما يعبر بها كل قومٍ عن أغراضهم ) .
فاللغة واسعة , قد وضع البعض منها لأسبابٍ , و عللٍ , و أغراضٍ معينة , و ( من العلل ما نعلمه , و منها ما نجهله )  , و وضع الآخر بطريقة تلقائية و عفوية .
فاللغة إذن إداة معرفية مهمة , فهي أداة التفاهم بين مشتركي اللغة يعبرون بها عن كل مكنوناتهم و أحاسيسهم , و يتفاهمون فيما بينهم من خلالها , و يتعلمون و يتطورون عن طريقها .
و اللغة تعتبر الأداة الأفضل لفهم جميع العلوم , و الأطلاع على تراث و واقع الحضارات , و ربط القديم بالحديث , و فهم جميع الثقافات , و تجاوز حاجز اللهجات بواسطة ( الترجمة ) ( Translation ) , فـ( اللغة ) أداة معرفية يستخدمها الإنسان ليعرف ثقافات , و علوم الشعوب الأخرى رغم أختلاف اللهجة , و المكان , و الدين .
 إن لكل أمة خصوصياتها التي تتميز بها , و تفاخر بها , و من هذه الخصوصيات ( اللغة ) و التي تعتبر أهم هذه الخصوصيات على الإطلاق , فعند ذهاب هذه الخصوصية المهمة , أو أهمالها لربما تمحى , و تمسخ تلك الأمة , و تصبح أمة ( هجينة ) ( Hybrid ) بعد أن كانت أمة ( أصيلة ) ( Thoroughbred ) .
فـ( ما من حضارة إنسانية إلا و صاحبتها نهضة لغوية , و ما من صراع بشري إلا و يبطن في جوفه صراعاً لغوياً , حتى قيل إنه يمكن صياغة تاريخ البشرية على أساس من صراعاتها اللغوية )  .
و نحن و بكلامنا عن اللغة , و بالخصوص اللغة العربية لسنا ندعوا ( للقومية ) أو ما شاكل ذلك , بل لكونها لغتنا , و لغة ديننا , و لغة كتابنا المقدس , و لغة كل فعالياتنا و طقوسنا العبادية . فـ( اللغة العربية التي شرفها المولى تبارك و تعالى بأن أنزل القرآن الكريم بمفرداتها : صوتاً , و دلالةً , و تراكيب , فصار سبباً لحفظها و خلودها ... )  .
و بشكل عام يمكننا أن نقول : أن وظيفة ( اللغة ) الأساسية هي التعبير عن الأحاسيس , و تبليغ الأفكار من المتكلم إلى المخاطب , فهي وسيلة للتفاهم بين البشر , و أداة لا غنى عنها للتعامل بها في حياتهم .
يقول ( أدوارد سابير )  : ( اللغة وسيلة إنسانية خالصة , و غير غريزية أطلاقاً , لتوصيل الأفكار , و الأنفعالات , و الرغبات عن طريق نظام من الرموز التي تصدر بطريقة ارادية )  .
و أن جملة من علماء اللغة يرون بأن وظيفة اللغة الإساسية هي : الأتصال , أو التوصيل , أو النقل , أو التعبير عن طريق الأصوات الكلامية  .
لذلك نجد أنه ( و في إطار الصراع بين الأمة الإسلامية و أعدائها , أدرك أعداء الأمة الإسلامية ضرورة القضاء على الجانب الفكري و الثقافي لمن أراد السيطرة على الشعوب الإسلامية , أو أستبعاد منافستها الحضارية , و أن هذا القضاء و الأستئصال للفكر الإسلامي لا يُستكمل إلا من خلال تقويض اللغة العربية , الوعاء الجامع للتراث الإسلامي , و إيجاد القطيعة , و التجاوز بين الأمة , و تراثها الإسلامي المدون باللغة العربية )  .
إن اللغة الأولى و التي تفرعت عنها باقي اللغات الآخرى هي التي شكلت الوعي الإنساني , و هي التي كونت الأدوات المعرفية التي أستخدمها بني الإنسان في كل نواحي حياتهم , و هي التي أنارت له الطريق لفهم حقيقة الوجود , و معرفة كل ما حوله .
لذا فإنه ( من السخف أن يدعي أحد أن الأختلاف في الرؤية إلى الواقع و فهمه يمكن إرجاعها دائماً إلى اللغة و أختلاف أنظمتها , الدليل بسيط جداً , فالإيمان و الإلحاد مثلاً ليس كل منهما خاصاً بمتكلمي لغة معينة , بل إنك تجد بين متكلمي كل لغة من لغات البشر نفس أنماط الفكر , بل و حتى نفس أنماط السلوك , ثم إننا حين نتعلم لغة جديدة نصير نفهم كيف يفكر المتكلمون بتلك اللغة , و كيف يفهمون العالم ... )  .

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ ليث عبد الحسين العتابي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/10/07



كتابة تعليق لموضوع : اللغة أداة مهمة في المعرفة و في تحقيق التواصل
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net