القراءة
الشيخ ليث عبد الحسين العتابي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ ليث عبد الحسين العتابي

إن القراءة ( Reading ) تعد من الأدوات المعرفية المهمة , و الأكثر شيوعاً , و الأسهل تناولاً , فهي أهم وسيلة لأكتساب المعرفة , فالقراءة تعد الخطوة الأولى التي نحاول من خلالها إكتشاف و فك رموز الكتابة , كما و أن القراءة الصحيحة تستطيع أن تؤسس آليات رصينة لولوج باطن النص .
فالقراءة : ( هي عملية فكرية عقلية يتفاعل القارئ معها , و يفهم ما يقرؤه , و يستخدمه في حـل مـا يواجهه مـن مشكلات , و الإنتفاع بهـا في المواقف الحيوية ) .
إن عملية القراءة بكونها أداة معرفية تعتبر عملية متكاملة تمر بمجموعة مستويات تبدأ بالأكتشاف الأولي , و من ثم بمرحلة إستنطاق النص , و من ثم بمرحلة فهم و تأويل النص .
تعتبر القراءة و من حيث الأهمية السبيل الأول لتحصيل العلم و المعرفة , فهي مفتاح المعرفة , و طريق الرقي , و سبيل التقدم , و هي النافذة التي يطلع القارئ من خلالها على ما عند الآخرين بكل سهولة و يسر , فما من أمة تقرأ إلا و كانت في موضع الريادة .
كما و أن القراءة تعد من الضروريات في هذا العصر , إذ تحتل بالنسبة للإنسان أهمية كبرى , إذ هي وسيلته للتعلم , و التعليم , و هي وسيلته لأكتساب المعرفة بصفة عامة , و هي وسيلته في الترفيه و الأستمتاع .
لقد بدأت فرنسا ثورتها التحررية من الكتاب , و الكتابة , و القراءة ضد الواقع المزري الذي كانت تعيشه يومها , فقد طبعت العشرات من الكتب و التي ساعدت في إنتشار الوعي , و المعرفة فكان من جراء ذلك كله ( الثورة الفرنسية ) .
يقول الكاتب و المفكر المصري ( عباس محمود العقاد ) عن أهمية القراءة : ( لست أهوى القراءة لأكتب , و لا لأزداد عمراً في تقدير الحساب , إني أهوى القراءة لأن لي في هذه الدنيا حياة واحدة , و حياة واحدة لا تكفيني , و لا تحرك كل ما في ضميري من بواعث الحركة .
القراءة هي التي تعطي الإنسان الواحد أكثر من حياة واحدة , لأنها تزيد هذه الحياة عمقاً , و إن كانت لا تطيلها بمقدار الحساب ؛ فكرتك أنت فكرة واحدة , و شعورك أنت شعور واحد , و خيالك أنت خيال فرد واحد إذا قصرته عليك , و لكنك إذا لاقيت بفكرتك فكرة أخرى , و لاقيت بشعورك شعوراً آخر , و لاقيت بخيالك خيالاً آخر غيرك , فليس قصارى الأمر أن الفكرة تصبح فكرتين , و أن الشعور يصبح شعورين , و أن الخيال يصبح خيالين ... كلا و إنما تصبح الفكرة بهذا التلاقي مئات الفكـر في القوة و العـمق و الإمتداد ) .
و سُئل الكاتب و المفكر الفرنسي ( فولتير ) عمن سيقود الجنس البشري فأجاب : ( الذين يعرفون كيف يقرؤون ) .
فلابد من تحفيز الأبناء على القراءة , و لابد من خلق معلم قارئ , و لابد من إصلاح المناهج التعليمية , و إيجاد مكتبات في كل المدارس , و إقامة معارض الكتب و بشكل دوري و مستمر , و لابد للإعلام أن يهتم بالكتاب , و بالمكتبات , و القراءة بدل التركيز على الأخبار , و المسلسلات , و الرياضة .
فعلى سبيل المثال , و في جانب دور الإعلام في التوعية , و الحث على التثقف , التثقيف , و القراءة في الدول الغربية نجد أنه و ( في كل شهر تظهر " أوبرا " أمام الكاميرا و بيدها كتاب مخاطبة متابعيها هكذا : هذا إختياري كتاب هذا الشهر , أريدكم أن تذهبوا لمكتبات بيع الكتب , أريدكم أن تشتروا هذا الكتاب , أريدكم أن تقرأوه . ثم تطلب منهم أن يبعثوا رسائل إلكترونية , أو ورقية محتوية تفاعلهم مع النص , و من بعد يتم إختيار أربعة أشخاص من مجموع كتاب الرسائل تلك يطيرون ـ على حساب برنامج أوبرا ـ من أجل اللقاء بمؤلف ذلك النص , و يتناول العشاء على مائدة أوبرا , و التي يتم حولهم نقاش النص و تجربة مؤلفه , و تجربة القراء الأربعة , و مداخلات " أوبرا " أمام عين الكاميرا الراصدة , لتعرض مقاطع من ذلك النقاش , و فكرة عن الكاتب خلال حلقة البرنامج المعينة ) .
إن الدول المتقدمة بحق ستنفر لو شعرت بأن نسبة القراءة قد قلت في بلدانها , فهذه بريطانيا عندما شعرت أن مستوى القراءة قد هبط بذلت لذلك ( 170 ) مليون جنيه لرفع نسبة القراءة و الكتابة .
و فرنسا أيضاً عندما شعرت بذلك قام وزير ثقافتها بعملية إستنفار عامة , و نزل هو و من معه من كبار المؤلفين و المختصين إلى الشوارع , و الحدائق العامة , و المراكز الثقافية في مهرجان سموه بـ( مهرجان جنون المطالعة ) .
و في المقابل نرى في تقرير إحدى الجامعات في عالمنا العربي و التي ذكرت في دراسة أجرتها أن ( 72 % ) من خريجي الجامعات يتخرجون دون أن يقوموا بأستعارة كتاب واحد من مكتبة الجامعة .
لقد أجريت دراسة بهدف التعرف على معدل قراءات الشعوب في العالم , حيث كانت النتيجة : أن معدل قراءة الرجل العادي ـ الذي يعمل في المحلات و الأعمال الحرفية ـ في اليابان أربعون كتاباً في السنة , و معدل قراءة الفرد في المجتمع الأوربي عشرة كتب في السنة , في الوقت الذي كان معدل قراءة الفرد في الوطن العربي عُشر كتاب , بمعنى أنه يقرأ في العام عشرين صفحة من كتاب تبلغ عدد صفحاته مائتي صفحة .
لا بل المصيبة أنك ( ترى كثيراً ممن يدخلون في زمرة " المثقفين ! " من أصحاب الشهادات الجامعية , بل حتى أصحاب الشهادات العليا , و مع ذلك تفاجأ بأن كثيراً منهم ربما يعجز عن إتمام قراءة كتاب واحد خارج تخصصه ) .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat