الرسالة بعد حامل الرسالة القانون الإلهي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
في كل الأنظمة الكونية توجد قوانين ثابتة. كل قانون يعرف وظيفته المناطة اليه ويتم من خلال هذه القوانين انسيابية عمل النظام الكوني قال تعالى ({وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (سورة يس 39 -40)
وكذلك في الأرض توجد أنظمة الهية متى ما عطل العمل بها حل الظلم والاضطهاد فيها. لذلك لا يجوز الخروج عن القانون الرباني او ابدلاه بغيره من القوانين الوضعية حتى لا تتعطل الحياة وتحل الفوضى فيها.
القانون الرباني هو الاختيار الإلهي الأمثل لبناء مجتمع نموذجي متكامل لأنه لا يكون الا عن حكمة منه تعالى في هذا الاختيار وعلمه بمصالح العباد ومنافعهم ومضارهم وعلى هذا الأساس أحل أشياء وحرم أخرى هو اعلم بمضارها ومخاطرها على الانسان كما في رسالة محمد بن سنان الى الامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام):
يسأله فيها عن صحة ما يدعيه بعض المسلمين من عدم وجود حكمة للحلال والحرام في الإسلام وان المقصود من ذلك هو التعبد والانقياد الى الله فقط فكتب (عليه السلام) في جوابه:
(قد ضل من قال ذلك ضلالا بعيدا .........ووجدنا المحرم من الأشياء لا حاجة للعباد اليه ووجدناه مفسدا داعيا الى الفناء والهلاك) بحار الانوار
وكذلك اختياره تبارك وتعالى للرسل والانبياء والائمة (عليهم السلام) على هذا الأساس الغيبي الذي لا يعلمه الا هو. (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) (سورة الأَنعام 124)
وعند ما نطالع حياة أولئك المختارون نرى اغلبهم من الفقراء والضعفاء حتى ان بعض الوجهاء من اقوامهم قد عابوا عليهم ذلك {قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ} (سورة هود 91)
وفي نفس الوقت نراهم أفضل اهل زمانهم من حيث العلم والمعرفة ومكارم الاخلاق والحلم والشجاعة والصدق والعفة والشرف ومساعدة المحتاجين والوقوف بوجه الظالمين ومنقطعين الى الله تبارك وتعالى ولم تتلوث أنفسهم بالأدران التي كانت شائعة في مجتمعاتهم واقوامهم.
فالأكثرية الباطلة عند الله تعالى قلة والأقلية الحقة عند الله تعالى أكثرية. في القانون الإلهي العزيز عند قومه المعرض عن عبادة ربه ذليل مهما على شأنه ومكانته بينهم. والمؤمن الورع الفقير الذي لا يملك شيء من الوجاهة بين مجتمعه عزيز عند الله تعالى وعندما يكون عزيز عند الله يعز عند الناس رغما على انوفهم لأن الرعاية الإلهية حاليفة المؤمن في مسعاه لله تعالى لذلك خلد الأنبياء ودحر الاشقياء. وهناك قانون عقلي عند ما يهمله البشر يخل التوازن العملي في سير الحياة سواء كان على نطاق الدين او الحكم او القبيلة او الاسرة وهو تقديم المفضول مع وجود الأفضل ليس الأكبر سنا او الأكثر عددا او الأقوى. بل الأفضل هو الذي تتوفر فيه الأفضلية على الاخرين بما يملك من مؤهلات ومقومات علمية وفكرية وخبرة في إدارة الأمور والسيطرة عليها. وكل هذه المقومات توفرت في الأنبياء والاولياء الذين اصطفاهم الله تعالى لقيادة البشرية وتبليغ الرسلات السماوية ومنها الرسالة الختامية التي حمل شعلتها النبي الأعظم محمد (صلى الله عليه واله) حيث بعث الى امة جاهلة تعيش على الغدر والفتك بالأمنين والسلب والنهب وقطع الطرق وتعبد الاوثان والاصنام ورفعها من الحضيض الى خير امة اخرجت للناس تؤمن بالقيم والمبادئ وتعمل الاحسان بعد معاناة ومشقة وتحمل صلى الله عليه واله الأذى النفسي والجسدي وهو يقول اللهم اغفر لقومي انهم لا يعلمون حتى انتصر ودخل الإسلام جميع بيوتات مكة والمدينة وأزلية الاصنام من بلاد الجزيرة العربية واسلم من كان بالأمس يحمل راية الكفر وشاهر سيفه على الدين الجديد وسلمت الناس انفسها واموالها للنبي صلى الله عليه واله .
واهتم النبي (صلى الله عليه واله) بتربية المجتمع وتوعية الامة من خلال السيرة العملية الأخلاقية التي كان يعيشها مع نفسه ومع مجتمعه لان حياته (صلى الله عليه واله) كلها دروس تربوية واخلاقية تربى المسلمون عليها خصوصا أولئك الذين كانوا ملازمين لمجلسه حتى وصل البعض منهم الى اعلى مستويات الايمان والزهد وعاش المسلمون الحياة الطيبة المبنية على الحب والتآخي والتعاون والايمان والذوبان في الإسلام وعند ما حان وقت الرحيل لم يترك الامة من دون قائد وراع يحمل راية الإسلام لينطلق بها الى الناس كافة لهدايتهم الى عبادة الله تعالى وتوحيده والقضاء على الكفر والظلم والجور في كل أصقاع المعمورة وهنا أيضا دخلة الإرادة الإلهية لاختيار من هو كنفس النبي في القيام بهذا الامر الالهي العظيم .
الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) والخلافة
حجة الوداع
في السنة العاشرة للهجرة حجة رسول الله (صلى الله عليه واله) وخاطبة المسلمين أكثر من مرة مبينا لهم احكام الإسلام ملوح لهم بانتهاء اجله ومن ضمن ما قال (ان جبرائيل كان يعرض القران في كل عام مرة وفي هذه السنة عرضه على مرتين واني يوشك ان ادعى فأجيب) وانتهى موسم الحج وعند ما خرج الحجيج من مكة ووصلوا الى مكان غدير خم فأمر النبي (صلى الله عليه واله) ان ينادوا الناس فيتجمعوا في هذا المكان فأستغرب المسلمون من ذلك لان هذا المكان لم يكن يوما مكان للوقوف او الاستراحة فلا بد ان يكون امر عظيم قد حدث وبالفعل حدث اعظم امر في التاريخ الإسلامي وهو بيان الخليفة الشرعي لمرحلة ما بعد النبي (صلى الله عليه واله) حيث نزل قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) (سورة المائدة 67)
وصلى بهم صلاة الظهر ثم قام فيهم ومن ضمن ما قال:
اخذ بيد علي بن ابي طالب (عليه السلام) فرفعها حتى رؤي بياض ابطيهما وعرفه القوم اجمعون من كنت مولاه فعلي مولاه ثلاث مرات وقال الا فليبلغ الشاهد الغائب وبعدها مباشرة نزل قوله تعالى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (سورة المائدة 3) فقال رسول الله (صلى الله عليه واله) (الله أكبر على اكمال الدين واتمام النعمة ورضى الرب برسالتي والولاية لعلي من بعدي) محاضرات في الالهيات ص367
الغدير والصحابة
حديث الغدير رواه (110) من الصحابة ومن التابعين (84) تابعي واقل ما يقال عن الذين خرجوا مع رسول الله (صلى الله عليه واله) تسعون الفا وفرح الجماهير بهذا التنصيب الإلهي المبارك وتقدموا يهنئون الامام ويبايعوه على أمرت المؤمنين وفي مقدمة الذين بايعوه الشيخان أبو بكر وعمر قالا له (بخ بخ لك يا ابن ابي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة) محاضرات في الالهيات ص368
ومن بين هذه الجموع الغفيرة لم يسجل لنا التأريخ حالة اعتراض واحدة على هذا التنصيب الا اعتراض الحارث بن النعمان الفهري وهي موضع اخر وليس في غدير خم.
التنصيب امر اللهي
ونعود على ذي بدء لنقول ان تنصيب امير المؤمنين هو امر اللهي فرض على المسلمين الايمان به والتسليم له كما امنوا بالنبوة واسلموا لها ومن يتخلف عنها فهو عاصا لله تعالى ولأوامره ومن الأدلة الروائية على ذلك هو:
في بداية الدعوة الإسلامية دعا النبي (صلى الله عليه واله) بني عامر الى الإسلام وقد جاءوا في موسم الحج الى مكة قال رئيسهم للنبي ارايت ان نحن بايعناك على امرك ثم اظهرك الله على من خالفك ايكون لنا الامر من بعد؟ فأجابه (صلى الله عليه واله) (الامر الى الله يضعه حيث يشاء) السيرة النبوية لابن هشام ج2
والرواية الثانية التي يذكرها المؤرخون هي بعد ان انتشر خبر تنصيب الامام وبيعة الغدير بلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري فأتى الى النبي وهو في المسجد وقال يا محمد أنك أمرتنا ان نشهد ان لا إله الله وأنك رسول الله فقبلنا منك ذلك وامرتنا ان نصلي خمس صلوات في اليوم والليلة ونصوم شهر رمضان ونحج البيت ونزكي اموالنا فقبلنا منك ذلك ثم لم ترضى بذلك حتى رفعت ابن عمك وفضلته على الناس وقلت من كنت مولاه فهذا على مولاه فهذا منك او من الله؟
تقول الرواية فقال رسول الله وقد احمرت عيناه والله الذي لا إله الا هو انه من الله وليس مني وكرر ذلك ثلاثا. فقام ذلك الخبيث المعترض وهو يقول اللهم ان كان ما يقول محمد حقا فأرسل علينا حجارة من السماء او ائتنا بعذاب ما ان وصل ناقته حتى رماه الله بحجر فوقع على هامته وخرج من دبره فمات من ساعته فانزل الله تعالى قوله {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ} (سورة المعارج 1 -2) سيرة الائمة الاثني عشر المجلد الأول ص250
أقول هذا الفهري اللعين من الذين أسلموا بألسنتهم ولم يدخل الايمان الى قلوبهم والا كيف يعترض على الصادق الأمين سيد الاولين والاخرين ويشكك بكلامه ويخاطبه بنفس اللهجة التي كان كفار قريش يخاطبون بها النبي (صلى الله عليه واله) ولو تنزلنا وقلنا الرسول هو الذي اخلف الأمير بعده لوجب اتباعه لأنه لا ينطق عن الهوى. ثم اليس على (عليه السلام) هو المدافع الأول عن الإسلام اليس هو من جندل ابطال المشركين الم يذكر النبي (صلى الله عليه واله) له من الفضائل ما يكفي ليكون خليفة.
وبعد استشهاد الرسول الأعظم انقلب المتآمرون على الخلافة الإسلامية الإلهية ليتربعوا على مكان الرسول باسم الإسلام وباسم نبي الإسلام ومنذ ذلك الحين صار هناك خطان خط انتهجه الظلمة واللصوص والذي غير التعاليم والثقافة الإسلامية ومنها تقديم المفضول مع وجود الأفضل حتى وصل لمنصب الخلافة السارق والظالم والخمار والذي جلب للمسلمين الخزي والعار من خلال الاعمال الشنيعة التي صدرها هذا الخط المعادي لرسالة الإسلام الى العالم باسم الإسلام وبسببه صارت الأمة الإسلامية والمسلمون امة ضعيفة وذليلة امام العالم. وبسببه صار المسلم يخجل من ذكر دينه امام الناس.
والخط الثاني هو الامتداد الطبيعي لوصايا وتعاليم النبي الأعظم (صلى الله عليه واله) خط على والائمة الاطهار (عليهم السلام) فعلى كافة المسلمين ان يقرؤوا التاريخ قراءة واعية بعيدة عن التعصب والانانية ويجردوا شخصياته من القداسة حتى نظهر المغتصب والمزور لأوامر النبي الكريم ونحاكمه بكل اذى لحق بالمسلمين منذ استشهاد الرسول الكريم والى اليوم. حان الوقت لمحاسبة الظالمين والاعتراف ببراءة الإسلام المحمدي من هذه الأفعال الذميمة وانصاف امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) والاعتراف بالأفضلية له على الاخرين. وكذلك علينا الدفاع عن النبي ورسالة السماوية ومن أوضح مصاديق الدفاع عن رسول الله (صلى الله عليه واله) هو التركيز على واقعة الغدير وعرضها على العالم حتى يعرفوا ان النبي (صلى الله عليه واله) اختار للناس من بعده قيادة مؤهلة لإكمال المشروع الإسلامي بأمر الله تعالى وبتسديد منه سبحانه وكشف زيف وخداع الانقلابين الذين استولوا على الخلافة وتسلطوا على رقاب الناس باسم الإسلام وارجاع ما يحصل اليوم من مخازي باسم الإسلام إليهم لا الى الرسول والرسالة الإسلامية.