الكتابة عبر التاريخ جولة معرفية
الشيخ ليث عبد الحسين العتابي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
تعتبر الكتابة ( Writing ) من الأدوات المعرفية المهمة , و الرئيسية في مجال المعرفة و التعلم , و في مجال حفظ التراث و تدوين الأنجازات , و مواكبة السبق الحضاري , و كذلك في التميز , و التقدم .
و الكتابة : نظام يتمثل في مجموعة من الرموز المرئية , أو المحسوسة , و التي تستخدم لتمثيل وحدات لغوية بشكل منظم بغرض حفظ أو إيصال معلومات يمكن أسترجاعها بواسطة أي شخص يعرف اللغة و القواعد المنظمة لعملية الترميز المستخدمة في هذا النظام .
و في الإصطلاح : هو القيام بعملية ترجمة الأفكار بشكل حروف , و رموز , و إشارات . ففي الإصطلاح تمتد عملية الكتابة لتشمل أكثر من مجرد عملية ( إستخدام القلم ) , بل لتشمل كل العمليات المتعلقة بموضوع الكتابة .
لقد تعددت الآراء حول بداية الكتابة , و متى ؟ و كيف ؟ و أين ؟
و مضمار البحث عن الكتابة هو ( الأنثروبولوجيا الثقافية ) ( Culture Anthropology ) إلا أن أكثر المصادر تشير إلى أن الكتابة بدأت في العراق , و ذلك إعتماداً على تاريخ بداياتها , و قد سميت بالكتابة المسمارية أو الأسفينية , إذ جاء أبسط أنواعها , و منذ بداية أختراعها في عصر ( أوروك ) و في حدود ( 3800 ـ 3500 ق . م ) .
إن السومريين هم أول من أوجدوا هذا النوع من الكتابة في منطقة ما بين النهرين جنوب العراق , و تعود أولى الكتابات إلى تلك الفترة .
إلا أن البعض يعتقد أن بداياتها كانت في مصر لدى الفراعنة , و أنتقلت هذه الفكرة إلى الفينيقيين , و منهم إلى اليونان , و الرومان , و ذلك قبل ستة آلاف سنة في أمريكا الوسطى , و قبل أربعة آلاف سنة في الصين .
و هنا لابد من ذكر مقدمة مهمة حول الكتابة لأجل الفائدة و هي : إن نشأة الخط , و معرفة الحروف أمر يلفه الغموض الكثير , إذ لا يمكننا تحديد تاريخية ( الكتابة ) , فهناك من فسر ظهورها بإنها ( أمر توقيفي ) أي إن الله تعالى هو الذي علمها للإنسان , و يستشهدون على ذلك بقصة آدم ( عليه السلام ) , ثم تكاثرت اللهجات , و الكتابات , و قيل إنها ( أمر كسبي ) أكتسبه الإنسان لمورد الحاجة , و هي من أختراعاته , و خاصة به , و هو الذي وضعها , و قيل إنها من جهة توقيفية , و من جهة أكتسابية , و منهم من زاد , و منهم من فصل .
و بإطار تاريخي بحت نقول : إن الأنسان و بسبب حاجته إلى التعبير عما في نفسه , و بالخصوص حول أشياء داخلية لا يريد أن يعبر عنها لغيره , و لشعوره بالحاجة إلى إخراج الأنفعالات الدفينة في نفسه , و للتعبير عن منجزاته و التفاخر بها , و ما شاكل ذلك .
تولدت الحاجة إلى الكتابة لكونها المعبر عن كل ما في داخل النفس الإنسانية من أختلاجات و مشاعر , بل أن الكتابة أصبحت المعبر عن كل شيء , لذا فقد دون الإنسان أفكاره و تاريخه و حرص على ذلك , و دافع عنه , كل ذلك بفضل الكتابة .
لقد عبر الإنسان إولاً بطريقة الرسم فقد بدأ تعامله و كتابته تصويرية , حيث كان يصور الشيء الذي يريده دون وجود علاقة صوتية أو رمزية بين المكتوب و المراد , ثم أرتقى فعبر بطريقة الرموز و ذلك بأن أنتقلت إلى طور التمثيل التصويري الرمزي , ثم بدأ يخترع أدوات يكتب بها , و أشياء يكتب عليها , فبدأت الكتابة بالأشكال ثم بالرموز , و تحولت الرموز من رموز عامة و جامدة إلى رموز مقطعية تدل فيها الصورة لا على معنى الصورة بل على صوت مقطع يمثل وحدة لغوية ذات معنى , ثم إلى كتابة صوتية تدل فيه الصورة على صوت واحد فقط , ثم أتى طور تطور نظم الكتابة فتحول إلى إستخدام الرموز الهجائية بديلاً عن الصور للدلالة على الأصوات , ثم تطورت هذه الكتابات بأستخدام المقاطع ثم الحروف .
المراحل التي مرت بها الكتابة :
1ـ مرحلة الصورة ( Ideogram ) : و فيها عبر الإنسان عن أحداثه اليومية بتصوير واقعه من خلال صور كان يرسمها . و هذا ما نجده في الكهوف و المغارات القديمة لصور رسمها الإنسان القديم يصور فيها مراحل من حياته , و بعض أعماله اليومية , و بعض الأحداث المهمة لديه .
2ـ مرحلة الرمز ( Symbol ) : و هي مرحلة قد تطور فيها التعبير من الصورة الكاملة للشيء المراد التعبير عنه إلى رمز يصف ذلك الشيء بأبسط معنى كـ( رسم الفم ) للدلالة على الأكل مثلاً .
3ـ مرحلة المقطع ( Syliabigue ) : و في هذه المرحلة تطورت الكتابة بإكتشاف أداة كتابة إلا و هي ( القلم ) , و الأنتقال من الكتابة الصورية و الرمزية إلى كتابات مقطعية ذات رموز متفق على معناها .
4ـ مرحلة الصوت ( Phonogram ) : و في هذه المرحلة بدأ تطور كتابة الأحرف و تأليف المقاطع البسيطة المكونة من حرفين عادةً , و فيها تكونت مرحلة الهجاء الأولى .
5ـ مرحلة الهجاء ( Determination ) : و في هذه المرحلة تكونت عناصر الكتابة من علامات تشبه المسامير العمودية , و المائلة , و الأفقية , و أعتبرت حروفاً , و إعتبار المجموعات التي تشكلها كلمات .
و للكتابة أنواع رئيسية و معروفة تاريخياً هي : ( الكتابة المسمارية ) , و ( الكتابة الأيبلوية ) , و ( الكتابة المصرية الهيروغليفية و ما يلحق بها ) , و ( الكتابة الأبجدية ) .
يُرجِع المختصون جميع الكتابات إلى أربعة أصول رئيسية هي : ( الخط المسماري في آشور و بابل في العراق ) , و ( الكتابة المصرية القديمة ) , و ( الخط الحيثي في أسيا ) , و ( الخط الصيني في الصين و اليابان ) .
و يمكن تقسيم اللغات من حيث نظم الكتابة المستخدمة فيها إلى أربعة أنواع رئيسية هي : ( تصويرية صوتية ) , و ( مقطعية ) , و ( ألف بائية ) , و ( نظام الكتابة المعتمد على الخصائص الصوتية الدقيقة للوحدة الصوتية ) .
لقد تكلم الجنس البشري خلال تاريخه الطويل عشرات الآلاف من اللغات التي أندثر معظمها دون أن تترك أثر لعدم وجود , أو لعدم معرفة الكتابة من قبل تلك الشعوب .
إن للكتابة الأثر الكبير في قيام الدول العصرية , و توسع العلوم و تطورها , و تطوير الإنسان و رقيه , فالكتابة هي التي مهدت لظهور العلوم العصرية , و التكنولوجيا , و الصناعات المختلفة , بل إن لها الأثر الكبير في ظهور مختلف الأنجازات الحضارية التي يتوقف عليها تطور الجنس البشري . فـ( من لا يعرف الكتابة , فإنه لا يستطيع أن يستفيد شيئاً ) , بل إنه لن يستطيع أن يحفظ إرثه , و لن يواكب الحضارة .
و عن فضل الكتابة يقول الأمام الصادق ( عليه السلام ) للمفضل بن عمر الجعفي في كتاب ( التوحيد ) : (( ... و كذلك الكتابة , التي بها تقيد أخبار الماضين للباقين , و أخبار الباقين للآتين , و بها تخلد الكتب في العلوم و الآداب و غيرهما , و بها يحفظ الإنسان ذكر ما يجري بينه و بين غيره من المعاملات و الحسابات , و لولاه لانقطع أخبار بعض الأزمنة عن بعض , و أخبار الغائبين عن أوطانهم , و درست العلوم , و ضاعت الآداب , و عظم ما يدخل على الناس من الخلل في أمورهم و معاملاتهم , و ما يحتاجون إلى النظر فيه من أمر دينهم , و ما روي لهم مما لا يسعهم جهله )) .
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
الشيخ ليث عبد الحسين العتابي

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat