الأجتهاد و التطور
الشيخ ليث عبد الحسين العتابي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
إن الأجتهاد هو الصفحة الناصعة في تاريخ و حياة ( الأمة الإسلامية ) , فهو الأداة التي تواكب كل العصور , و تتماشى مع المتغيرات , و تقدم الخدمة لكل الأجيال , و لكل إنسان أينما حل و أرتحل , فالأجتهاد هو ( الأداة ) المتطورة في المنظومة الإسلامية , و التي تتجاوز كل المنظومات المتطورة كـ( الحداثة ) ( Modernity ) و غيرها , فإن لكل منظومة سلبياتها . أما الأجتهاد ( الصحيح ) فهو خالٍ من السلبيات , و هو أداة تقدم , و تطور , و مصدر عزٍ و فخرٍ لنا .
يقول الأستاذ زكي الميلاد : (( و في نطاق المقاربة مع مفهوم الحداثة , وجدت أن المفهوم الذي يقاربه في تجربة المسلمين الحضارية هو مفهوم الأجتهاد ... )) .
و هذا ما يؤكد عليه الكثير من الكُتاب و منهم الكاتب المصري حسن حنفي إذ يقول : (( الإسلام عن طريق الأجتهاد أكبر دين حداثي , لإنه يعطي الفرع شرعية الأصل , و يعترف بالزمان و المكان و بالتطور , و إن إجماع كل عصر غير ملزم للعصر القادم .. لدينا الأجتهاد و هو اللفظ الذي أفضله , و لا أفضل لفظ الحداثة ... )) .
فالأجتهاد بما لديه من محرك تطوري و تجديدي ذاتي ينقل المفهوم من النظرية إلى واقع التطبيق ليكون منه قاعدة و يصنع منها حقيقة .
لقد أنطلقت ( الحداثة ) في الغرب من قطيعة مع ( الدين ) , و ذلك بسبب وجود خلل في المنظومة الدينية الغربية تسببت بها ( الكنيسة ) و أدت إلى نفور المجتمعات من الدين , لذا كان لابد من فصل الكنيسة ( المتسلطة ) عن حياة الإنسان في أوربا .
لكن الدين الإسلامي في حقيقته يؤمن بالعقل , و كذلك يؤمن بالفرد , و يؤمن بالحرية الفكرية و الدينية , و يعطي للفرد مساحة للتعبير , فهو لا يمارس ( التسلط ) على أتباعه , فإذا كانت تلك ميزات ديننا فلماذا نأتي بشيء وجد بسبب معين , و لغرض معين , و في مكان معين , و نطبقه في مكان لا يحتاج له .
(( فالحداثة فكرة غربية نبتت في البيئة الغربية , و هي تُحِل العلم محل الله في مركز المجتمع , و تُبعد الأعتقادات الدينية إلى دائرة الحياة الخاصة للفرد )) .
فليس من الحكمة أن نأخذ بالحداثة الغربية بجميع ما فيها , و بكل جوانبها و محتوياتها , بل الحكمة تقتضي أن نأخذ ما يوافقنا و يصلح لنا , و ما ينفعنا و يفيدنا , و ما نحتاجه واقعاً , و أن نترك ما لا يصلح و لا يفيد . (( فأجتهادنا المعاصر ليس الهدف منه أن نكون حداثيين بالمفهوم الغربي للكلمة , بل هو إجتهاد يجعلنا تحديثيين مواكبين لمتغيرات العصر , و مستفيدين من إيجابياته في إطار خصوصياتنا الدينية و الثقافية و الحضارية ... )) .
أما في المجال المعرفي العام فإن المشكلة التي نعاني منها ليس التخلف المطلق , و ليس عدم وجود المؤهلات , و لا عدم توفر المقومات , و لا عدم وجود القدرات و المواهب , إنما الخلل هو بسبب وجود ( منظومة ) متخلفة , و عدم وجود ( أدوات معرفية ) ( Cognitive Tools ) تواكب التطور , و عدم إعطاء المجال ( للمواهب و القدرات ) , و عدم تشجيع و أحتضان ( الخبرات ) .
فنحن نعاني من مصيبة كبيرة ألا و هي أمتلاك عدد لابأس به من ( المتخلفين ) للشهادات العليا , و المراكز الرفيعة العالية , و تلك مصيبة عظمى و طامة كبرى أُبتلينا بها , كما و أن تعليمهم ـ أي هؤلاء المتخلفون ـ و منحهم الشهادات قد حولهم إلى معوقات , و حواجز في وجه التقدم , و في وجه المواهب , فأصبحوا حالات مشوهة و قبيحة في المجتمع شوهت وجهه , و أدت بألأخرين إلى الأبتعاد عن النظر إليه , و إلى أن يعيبوا عليه تلك القباحة التي سببها لنفسه .
فعندما أصبح إمتلاك ( ورقة صغيرة ) مقياساً للعلم , أصبح من السهولة لكل شخص أن يدعي العلم , و من السهولة أن يحصل على تلك ( الورقة ) و بمختلف الأساليب , أما لو أمتلك شخصٌ ما كل العلم , و ليست لديه تلك ( الورقة ) فهو جاهل مهما كانت مكانته !؟
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
الشيخ ليث عبد الحسين العتابي

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat