صفحة الكاتب : الشيخ ليث عبد الحسين العتابي

المِهن و الحِرف و الانتعاش الاقتصادي
الشيخ ليث عبد الحسين العتابي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
    يعد العمل سبباً مهماً و رئيسياً من أسباب الأنتعاش الأقتصادي ، و من ذلك إختيار المِهنة الملائمة و الحِرفة المناسبة ، و لقد كان الأنبياء ( عليهم السلام ) يعملون و يحثون الناس على العمل . 
فالعمل هو ذلك المجهود الإرادي الواعي الذي يهدف الإنسان من وراءه خدمة نفسه ، و إنتاج السلع لإشباع حاجاته بالدرجة الأولى .
و العمل يعدّ العنصر الفعال من طرق الكسب التي أباحها الإسلام ، فهو يعدّ دعامة أساسية في الإنتاج ، كل ذلك في سبيل إشباع حاجاته المعيشية و الحياتية ، و كذلك من أجل محاربة العوز و الفقر و الحاجة ، لكي يحيى حياة طيبة هانئة .
قال تعالى : (( مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ )) النحل (97) .
إن الله سبحانه و تعالى الذي مكن الإنسان في الأرض قد فرض عليه أن يسعى و يكد و يعمل لكي يحصل على ما يشبع حاجاته .
قال تعالى : (( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ )) الملك (15) .
و العمل شيء مهم و مطلوب خصوصاً أن فائدته لا تعود على العامل وحده ، بل على المجتمع بأسره .
و من أهم أساسيات العمل هو إختيار المهنة ، أو العمل بمهنة مفيدة تضمن المعيشة و تدر الأرباح ، و تخدم المجتمع ، فنجد مثلاً أن الأنبياء ( عليهم السلام ) ، و هم أفضل خلق الله تعالى ، قد مارسوا العمل في حياتهم ، فمثلاً ـ و بحسب ما تذكر بعض الروايات ـ نجد أن آدم ( عليه السلام ) قد احترف الزراعة ، و نوح ( عليه السلام ) التجارة ، و داود ( عليه السلام ) الحدادة ، و إدريس ( عليه السلام ) الحياكة ، و سليمان ( عليه السلام ) عمل الخوص ، و زكريا ( عليه السلام ) النجارة ، و عيسى ( عليه السلام ) الصباغة ، و نبي الله محمد ( صلى الله عليه و آله و سلم ) احترف الرعي و التجارة  .
و نحب هنا أن نذكر أمثلة على بعض المهن التي أوردها القرآن الكريم في آياته المباركة للوقوف على أهمية أختيار المهنة في مجال العمل ، و من هذه المهن على سبيل المثال :
1ـ الخياطة :
قال تعالى : (( وَطَفِقا يَخْصِفانِ )) الأعراف ( 22 ) .
تذكر المصادر التاريخية ان نبي الله إدريس ( عليه السلام ) كان أول من علم البشر خياطة الملابس  . فقد ( كان عليه السلام يخيط القمصان و مع كل قطبة كان يسبح الله سبحانه ، و عند تسليم القميص إلى صاحبه كان يطلب الأجر )  .
2ـ الحدادة ، و صناعة السلاح :
قال تعالى : (( آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ )) الكهف ( 96 ) .
و قال تعالى : (( وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ )) الأنبياء ( 80 ) .
و قال تعالى : (( وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ )) سبأ ( 10 ) ـ (11) .
أي : ( آتيْنا داوُدَ ) من لدنا و من عندنا فضل ( النبوة و القضاء بالعدل ... ) و فضل إغنائه عن الناس بما ألهمه من صنع دروع ، و ( أوَّبي مَعَهُ ) أمر تكوين و تسخير ، و إلانة الحديد أي تسخيره لأصابعه حينما يلوي حلق الدروع و يغمز المزامير ، و أوحينا إليه أن اعمل دروع ، و ( السَّرْدِ ) صنع درع الحديد ، أي تركيب حلقها و مساميرها التي تشد شقق الدروع بعضها ببعض  .
3ـ التجارة :
قال تعالى : (( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً )) النساء (29) .
4ـ الصيد :
قال تعالى : (( لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْ‏ءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ )) المائدة ( 94 ) .
و قال تعالى : (( أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ )) المائدة (96) .
5ـ الصياغة :
قال تعالى : (( وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً )) الأعراف ( 148 ) .
جاء في بعض التفاسير ما يتعلّق بصناعة العجل : صنع السامري تمثالاً على هيئة عجل ، و كان السامري ذا مهارة في أمر الصبّ و السبك ، فصبّه بحيث يخرج الصوت من منافذه إثر نفوذ الهواء فيه  .
6ـ النحت :
قال تعالى : (( وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ )) الشعراء ( 149 ) .
7ـ البناء :
قال تعالى : (( أَ تَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ )) الشعراء ( 128 ) .
و الريع : المكان المرتفع عند جواد الطرق المشهورة ، يبنون هناك بنياناً محكماً هائلاً باهراً ، و لهذا ورد ( أتبنون بكل ريع آية ) أي معلماً مشهوراً .
و تشير الآية المباركة إلى قوم عاد و هم جماعة عاشوا في أرض الأحقاف بالقرب من حضرموت إحدى ضواحي اليمن الواقعة جنوب شبه جزيرة العرب ، و قد كذبوا رسل الله سبحانه على ما جاء في صريح القرآن الكريم .
كانوا يبنون على قُلَل الجبال و كل مرتفع من الأرض أبنية كالأعلام ، يتنزّهون فيها و يفاخرون بها من غير ضرورة تدعوهم إلى ذلك بل لهواً و اتّباعاً للهوى  .
8ـ الوزن و الكيل :
قال تعالى : ((وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ )) المطففين ( 1 ــ 3 ) . 
9ـ الزراعة و الحراثة و الفلاحة :
فالقرآن الكريم يحث على العمل بالزراعة ، و الحراثة ، و الفلاحة ، و إحياء الأرض الميتة ، و ذلك بجعلها صالحة للزراعة ، و قد أشار القرآن الكريم إلى اهمية الزراعة لعدة أسباب منها : أنها دليل على قدرته تعالى ، و دليل على وجوده . و منها : أنها مظهر من مظاهر نعمه على مخلوقاته جميعاً .
قال تعالى : (( وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ )) الشعراء ( 148 ) .
و قال تعالى : (( وَآيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ )) يس (33) .
و قال تعالى : (( وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ )) فصلت (39) .
و الخشوع و هو مستعار لحال الأرض أذا كانت مقحطة لا نبات عليها ، و الاهتزاز حقيقة لربو الأرض بالنبات ، شبه حال أنباتها و ارتفاعها بالماء و النبات بعد أن كانت منخفضة خامدة  .
و قال تعالى : (( اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهارَ )) إبراهيم (32) .
إن استغلال الأرض بالزراعة و إنتاج الثمار و الحبوب المتنوعة و المختلفة يحتاج إلى العمال المهرة في التعامل مع الأرض ، و مع الثمار ، و مع آلات الزراعة .
10ـ الفخارة :
قال تعالى : (( فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ )) القصص ( 38 ) .
11ـ الرعي :
قال تعالى : (( كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لآياتٍ لأُولِي النُّهى )) طه (54) .
12ـ الصناعة : و منها :
أولاً : صناعة السفن و النجارة :
قال تعالى : (( وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ ) هود (38) .
أي أوحي إلى نوح ( اصنع الفلك ) و عبر عن صنعه بصيغة المضارع لاستحضار الحالة لتخييل السامع أن نوحاً بصدد العمل ( في عمل سفينة )  .
و لقد كان قومه يسخرون منه و يقولون : لقد تحوّل عن النبوة إلى النجارة . و لكن نوحاً استمرّ في عمله حتّى أنّهى صناعة السفينة . و قد كان ذلك في مسجد الكوفة  .
ثانياً : صناعة الجلود ، و الغزل ، و الأثاث ، و الأمتعة ، من جلود الحيوانات و أصوافها و أوبارها :
قال تعالى : (( وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ )) النحل (80) .
ثالثاً : صناعة الملابس و الدروع :
قال تعالى : (( وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ )) النحل (81) .
13ـ الملاحة البحرية :
قال تعالى : (( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً )) الكهف (79) .
14ـ الغوص و استخراج الحلي :
قال تعالى : (( وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ )) الأنبياء (82) .
و قال تعالى : (( وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )) النحل (14) .

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ ليث عبد الحسين العتابي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/09/14



كتابة تعليق لموضوع : المِهن و الحِرف و الانتعاش الاقتصادي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net