صفات الجاهل
الشيخ ليث عبد الحسين العتابي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ ليث عبد الحسين العتابي

لابد أن نعلم ما هي صفات الجاهل , التي حذرتنا الأحاديث منها , لكن لابد أن نعلم شيئاً مهماً و هو : إننا هنا نتكلم عن ( الجاهل ) , و ليس المراد من ( الجاهل ) الذي لا يقرأ و لا يكتب , أنما هذا يسمى غير متعلم , أو و بحسب المعنى المشهور ( أمي ) , إنما نريد من الجاهل هو الذي لا يُحسن أستخدام العلم , و الذي يعتقد إنه أعلم الناس , و الذي يريد أن يحصر العلم كله بما عنده فـ(( رب عالمٍ قد قتله جهله , و علمه معه لا ينفعه )) .
فهذا هو الجاهل مدار البحث , و الذي يعتبر العثرة الكبرى في طريق العلم و المعرفة , و في هذا الموضوع سوف نبحث عن أبرز صفاته لكي نطلع عليها و نفهمها , و لربما نستطيع معالجتها , و لو من باب ( آخر الداء الكي ) , و من هذه الصفات :
1ـ الأفراط و التفريط :
يقول الأمام علي ( عليه السلام ) : (( لا ترى الجاهل إلا مُفرِطاً أو مُفَرطاً )) .
فالجاهل أما يعيش في إفراط , أو تفريط , فهو إما يترك العلم و المعرفة و التقدم و التطور و ينطوي على نفسه , و يكتفي بما عنده ظناً منه إنه كل شيء , كالذي يأخذ شهادة عليا مثلاً , فبمجرد أخذه لها يترك كل شيء , و يبيع كتبه , و لا تجده في المحافل العلمية و الثقافية , و لا تجده في المكتبات , فبمجرد جلوسه على ( كرسي البابوية ) ينتهي كل شيء , و المصيبة فوق كل ذلك إنك تجده حاد اللسان ناقداً لكل شيء , مع العلم إنه لا يعلم , و الحقيقة أنه يعيش ( خلف الحضارة ) ( Behind Civilization ) , و يعاني من ( تصحر فكري )InteLLectuaL Desertification ) ( لإنه لا يواكب التطور , بل المصيبة إنك تجده يحارب التطور بحجج و أقاويل باطلة , كل ذلك لكي لا يكشف خواءه المعرفي , فتجده يلتجئ إلى مجالات عفا عليها الزمان , و يتمسك بقديم لا يفيد , و بعلم لا مكانة له ظناً منه إنه هو العلم الحقيقي , بل إنك لو سألته عن عنوان , أو بحث , أو كتاب , أو أطروحة فإنه يعيد لك ما هو قديم يجتره أجتراراً كونه لا يحسن غير ذلك , و لا يعرف غير ما سمَِع , و لا يرى أبعد من أرنبة أنفه , فالمستقبل و التطور عنده موجود في أروقة الماضي .
2ـ العُجب :
يقول الأمام علي ( عليه السلام ) : (( حسبك من الجهل أن تعجب بعلمك )) .
و المصيبة الموجودة عند ( جماعة المتعلمين المجازيين ) هو مدى العجب الذي يمتلكونه , و كأن الله سبحانه و تعالى لم يعط العلم إلا لهم , و إنهم خُزانه , و ورثته الحقيقيون دون باقي البشر .
فالعجب بالعبادة لا يضر إلا بنفس الشخص , إنما العجب بالعلم يضر جيلاً كاملاً بل أجيال , لأن ذلك المعلم المعجب بنفسه ـ مثلاً ـ لا يبحث , و لا يتواضع من أجل العلم ليسأل غيره , و لا يستمع من الغير , و لا يعترف بالخطأ , بل ( تأخذه العزة في الأثم ) فيعوج جيلٌ كاملٌ من وراء غروره و جهله .
يقول ( تشارليز ديكنز ) : ( نسمع أحياناً الكلام عن دعوى التعويض عن الأضرار ضد الطبيب غير الكفء الذي شوه أحد الأعضاء بدلاً من شفائه . و لكن ماذا يقال في مئات آلاف العقول التي شوهتها إلى الأبد الحماقات الحقيرة التي أدعت تكوينها ) .
3ـ محاربة كل شيء لا يعرفه :
يقول الأمام علي ( عليه السلام ) : (( من جهل شيئاً عاداه )) , و : (( من جهل شيئاً عابه )) , و : (( الناس أعداء ما جهلوا )) .
فمن سمات ( الجاهل المتعلم ) أو ( المتعلم المجازي ) محاربته لكل شيء لا يعرفه بحيث يضع له المثالب , و يخترع له المساوئ , و يحشد عليه المطاعن , لا لشيء إلا لإنه جاهلٌ به .
و من سمات ( الجاهل المتعلم ) أيضاً محاربة التطور , و التقدم ( Progress ) و كل شيء جديد ـ هو جاهل به أيضاً ـ بحجج و أهواء ما أنزل الله بها من سلطان بأسم ( الثوابت ) ( Constants ) , و ( التراث ) ( Heritage ) , و ( الأصالة ) ( Originality ) , و ما شاكل ذلك , و في الحقيقة لو سألته عن تلك المصطلحات لم يحسن التمييز بينها , و لا يعرف حقيقة الثابت و المتغير , بل يضل يدور في حلقة مفرغة لا يحسن الخروج منها لعدم وجود سعة فكرية لديه , فهو ( منغلق العقل ) , بل إن ( عقله في أذنه ) , و ( علمه في لسانه ) فقط .
4ـ أحادية الثقافة و عدم أعطاء حيز للآخر :
يقول الأمام علي ( عليه السلام ) : (( من أستقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ )) .
و يقول ( عليه السلام ) : (( خذ الحكمة ممن أتاك بها , و أنظر إلى ما قال , و لا تنظر إلى من قال )) .
فمشكلة أحادية الثقافة , و إنغلاق التفكير , و دوغمائية الفكر هي من أشد المصائب التي ألمت بالأديان , و منها الدين الإسلامي , فالإسلام الحقيقي أمرنا بالأستماع لكل الأراء , و سماع رأي الآخر , و أخذ الحكمة ممن كان بغض النظر عن الدين , و المذهب , و الأنتماء , و بحسب حديث النبي محمد ( صلى الله عليه و آله و سلم ) (( أعلم الناس من جمع علم الناس إلى علمه )) .
فالفكر ( الدوغمائي ) ( Dogmatism ) فكر قاتل , يسبب التخلف , و يمحو العلم , و يعزل الأنسان عن العالم , و عن مجتمعه بأعذار , و أقول واهية لا أساس لها .
إن ( إقصاء الآخر أزمة تعاني منها أغلب المجتمعات العربية و الإسلامية , لكنها تتفاوت في درجة الكثافة و الشدة , و ترتبط هذه الأزمة بثلاثة عوامل أساس , تنتج هذه الأزمة و تغذيها و تفرضها على المجتمع .
العامل الأول : الفهم الديني السائد في هذه المجتمعات الذي يعد الرأي الآخر ضلالاً و منكراً تجب محاربته و إزالته .
و العامل الثاني : سياسات الأنظمة الحاكمة التي ترفض وجود الرأي الآخر المختلف ... .
أما العامل الثالث : فيتمثل في التربية و الأعراف الأجتماعية التي تربي الفرد على أساس أن إبداء الرأي المخالف للأب أو لشيخ القبيلة أو للرئيس في الأدارة أو لعالم الدين هو إساءة أدب و عدم احترام و تقدير , و قــد تترتب عليه ردود فعل غاضبة و إجراءات عقاب ) .
5ـ الأعتقاد أن العلم بكثرة الكلام :
يقول الأمام الهادي ( عليه السلام ) : (( الجاهل أسير لسانه )) .
فالكلام المفيد ( ما قل و أفاد ) , و الخير كل الخير في ( الأيجاز و الأفادة ) فإن ( خير الكلام ما قل و دل ) , و الأذى كل الأذى بالهذو , و كثرة الكلام , و تشعيب المطالب , و تشتت الأفكار , فمن علامات إكتمال العقل ؛ قلة الكلام .
لكنك تجد أن من صفات الجاهل ( كثرة الكلام ) , و ( الصوت العالي ) , و ( مقاطعة الآخرين ) , و ( عدم إعطاء المجال للغير للكلام ) , و ( المقاطعة في كل صغيرة و كبيرة ) , و كأنها حرب يعيشها ذلك الجاهل يخبط فيها بيديه و رجليه و لسانه , و كل ما أوتي من قوة و جوارح , كل ذلك ليثبت أنه ( يعلم ) , و أنه ( فاهم ) , و ( عالم ) , و ( متمكن ) , و ما شاكل ذلك .
6ـ ضيق الأفق :
يقول الأمام علي ( عليه السلام ) : (( كل وعاء يضيق بما جعل فيه إلا وعاء العلم فإنه يتسع به )) .
و يقول الأمام الصادق ( عليه السلام ) : (( من أخلاق الجاهل الإجابة قبل أن يسمع , و المعارضة قبل أن يفهم , و الحكم بما لا يعلم )) .
فالجاهل يبادر بدون سؤال , و يجيب لا للجواب بل لمجرد الكلام , و ينطق بما لا يراعي الآخرين , فهو مؤمن بأراءه الخاصة , معتقد بها , محارب لكل ما ـ و من ـ يخالفها , لا يهمه شيء حين يتكلم حتى لو تجاوز على الآخرين .
7ـ الحكم المسبق على الآخرين :
يقول الأمام علي ( عليه السلام ) : (( لا تعادوا ما تجهلون , فإن أكثر العلم فيما لا تعرفون )) .
فهنالك من لديه أحكام أستباقية عن أشياء هو غير عالم بها , أو لم يرها , أو لم يعرفها , أو لم يسمع بها , لا لشيء إلا للخوف منها , أو حتى لا يقال إنه لا يعلم شيئاً عنها .
أو تجده عندما يريد البحث عن ( معلومة ) , أو ( حقيقة ) , أو ( قضية معينة ) يسبقه لها حكمه المنطلق من جهله الأعمى , أو تعصبه الديني , أو المذهبي , أو الفكري , فيتعامل معها بأحكام مسبقة خالية من الصحة .
فإن الذي يبني لنفسه رأياً مسبقاً لن يقتنع بأي رأي آخر مغاير مهما كانت الأدلة , و مهما كانت البراهين مقنعة .
8ـ التعلم لغير العلم :
قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : (( من تعلم العلم لغير الله فليتبوأ مقعده من النار )) .
و قال ( صلى الله عليه و آله و سلم ) :: (( من طلب العلم للدنيا و المنزلة عند الناس و الحظوة عند السلطان لم يصب منه باباً إلا أزداد في نفسه عظمة , و على الناس استطالة , و بالله اغتراراً , و من الدين جفاءً , فذلك الذي لا ينتفع بالعلم , فليكف و ليمسك عن الحجة على نفسه , و الندامة و الخزي يوم القيامة )) .
فهو يطلب العلم ( للرياسة ) , و ( التسلط ) , و ( التوصل ) , و ( الفائدة ) , و ( الربح ) , و ( كسب الأموال ) , و ( الوجاهة ) .
فهو لا يتعلم ليفيد نفسه و غيره معرفياً , و لا لكي يتطور و يطور العلم , و لا من أجل أن يساهم في التقدم العلمي و المعرفي , لذا فإننا نقول لمن يرى و يسمع بكثرة الشهادات لدينا و لا يشاهد تقدماً كتقدم الغرب مثلاً إن المصيبة كون حامليها ـ و ليس كلهم ـ أرادوها , و طلبوها , و سعوا إليها لغايات في نفوسهم لا للتطور , أو للتقدم , أو من أجل أفادة المجتمع و رقيه , و إلا فلماذا تراهم يضعون المعرقلات في وجه الشباب و الجيل الصاعد , في الحقيقة أن كل ذلك لا لشيء إلا للخوف على مناصبهم , و مكتسباتهم , و خوفاً من الفضيحة العلمية , لذا فلا تقدم إلا بالتخلص من الجيل المتمسك بمقاليد صنع القرار في مؤسساتنا التعليمية ممن يخاف على ( عرشه ) أن يزول , و أن نبعد العلم عن كل ما يمت للأيديولوجيا بصلة , و أن نحترم العلم و العلماء , و أن نعطي المكانة للمبدعين , و أن نعتني بمراكز الأبحاث و نسعى لتطويرها على أن لا تكون واجهات فقط .
9ـ التكبر :
و هي حالة في الإنسان تضفي على صاحبها روح الأنانية , و الغطرسة , و الشعور بالإستعلاء , و التفوق على الغير .
قال الأمام علي ( عليه السلام ) : (( غاية الجهل تبجح المرء بجهله )) .
و قال الأمام الباقر ( عليه السلام ) : (( ما دخل قلب أمريءٍ شيء من الكبر إلا نقص من عقله ما دخله من ذلك قل ذلك أو كثر )) .
و من القصص المعبرة في هذا المجال أنه قيل لـ( الحجاج بن أرطأة ) : ( مالك لا تحضر الجماعة ؟ قال : أخشى أن يزاحمني البقالون ) .
فالكبر , و التكبر خصلة تجدها عند عدد لابأس به من ( مدعي العلم ) , إذ أنهم يعاملون غيرهم ممن لا يتلائم مع أهوائهم بتكبر و تسلط , و كأن الأحاديث التي قرنت بين العلم و التواضع ليست موجودة , و لم يسمعوا بها , أو يقرؤها أبداً .
10 ـ الجاهل ميت :
فالجاهل ميت , و هو أشبه بالشجرة اليابسة التي لا حياة فيها , و لا فائدة منها .
قال الأمام علي ( عليه السلام ) : (( العالم حي بين الموتى , و الجاهل ميت بين الأحياء )) .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat