صفحة الكاتب : عباس البغدادي

البعث الإجرامي يعود من شباك الأزمات
عباس البغدادي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

يسهل على من يُقلّب في موسوعة الإجرام البعثي المتأصل في العراق أن يصل الى نتيجة في غاية الوضوح؛ بأن الديناصورات لا تُفرّخ حمائم سلام! وان حزباً تعبّد بالشوفينية والديكتاتورية والعمالة واستئصال الآخر وسرقة الثورات والتآمر، وإنتاج الكوارث والمحارق ومجازر الإبادة وأحواض التيزاب والمقابر الجماعية والأنفال، لا يُرتجى منه أن يتحول الى حملٍ وديع، أو ينخرط في أنشطة سياسية سلمية في أجواء ديموقراطية، تجرّها عربة "المصالحة الوطنية" أو سياسة "عفا الله عما سلف"، التي اغتنمها البعثيون سابقاً في العراق، فكانت تلك فرصتهم ليوطئوا لاغتصاب السلطة آنذاك، وأن يجثموا على صدر العراق لأكثر من 4 عقود عجاف، شهدت كوارثهم التي ضجت منها البشرية قاطبة!
ويسهل كذلك الوصول الى حقيقة ان البعث العراقي أبرع من يتسلل مزهوّاً من الشباك بعد أن طُرد مدحوراً من الباب! والتجارب أثبتت ذلك، لكن الأنكى أن يعيد البعث الإجرامي هذه الكَرّة على مرأى ومسمع كل ضحاياه وممّن "أطاحوا" به، دون أن ينتبهوا الى خطورة هذا التسلل، وكارثية غضّ الطرف عنه، وكأن الأمر لا يعنيهم أو يخص مستقبلهم ومستقبل العراق!
في المقابل يصعب فَهم أو تقبّل هذا الاستسهال الجنوني واللامبالاة من قبل ضحايا الارهاب البعثي (قبل وبعد 2003) إزاء تكتيكات فلول الحزب الإجرامي، وأنشطة تسللهم عبر جميع الثغرات والشقوق التي هيّأها لهم الراهن العراقي بأزماته، والتي كانت بعضها بدعم وتخطيط ممَوّهان من الحزب ذاته منذ اليوم الأول للإطاحة بجمهورية الجحيم في 2003!
يبدو ان الراهن العراقي المثقل بالملفات، والمصحوب بالالتباس والتشويش، بحاجة بين حين وآخر الى من يمسك بتلابيبه، ويهزّه بشدة حتى يصحو على وقع الحقائق، وينتشله من الزيف والخداع والتضليل! وفي هذا السياق تأتي تصريحات أحد "قياديي البعث العراقي" المنحل، والذي كان مؤخراً "ضيفاً" على قناة "دجلة"،  اذ أعلنها صراحة بلا مواربة؛ بأن البعث الإجرامي سعى ومازال للانقضاض على السلطة في العراق بكل السبل، موضحاً في أخطر تصريح من "قيادي بعثي" بأن الحزب كان وراء دعم قائمة "أياد علاوي" في انتخابات ولايتيّ مجلس النواب الأخيرتين، وانه (الحزب) أوصل أتباعه الى المجلس! كما أضاف المتحدث؛ "البعث يرى ان أياد علاوي هو الأقرب الى متبنياته في ظل الوضع القائم"! طبعاً لم يتفوه "الضيف" بذلك سوى بعد أن حاصره مضيفه مستفهماً عن "مكانة الحزب" اليوم في الشارع العراقي! ولن ينتظر أحد "استنكاراً أو نفياً" من قبل علاوي ولا قائمته، لأن الواقع لا يتماشى مع هذا الاستنكار!
الأهم في التصريح الآنف للمجرم "الضيف" هو تكريس حقيقة ظلّت مورد أخذ وردّ لسنوات، حول دور البعث الإجرامي في دعم قوائم وكتل وأسماء نيابية بعينها، بشتى الوسائل وصنوف الخدع والدسائس، تنفيذا لأجندته الشيطانية. وهذا الاعتراف يصفع اليوم كل المنبطحين والمتساهلين والمستسلمين والمتواطئين (بعد التلذذ بالسلطة وصولجانها)، الذين سخّفوا واستهانوا بخطط التسلل البعثية الى العملية السياسية من بوابة الانتخابات، هذه الخطط التي تعتبر جزءاً من مؤامرة معقدة ومتكاملة للتسلل من الشباك، والانقضاض مجدداً على مقاليد الحكم في العراق!
حينما نقول ان ذلك جزء فقط من المؤامرة، فلأن هناك أجزاء أخرى كثيرة مكملة اشتغل عليها البعث الإجرامي بعد 2003، ولم يغادر الحزب المشهد المتأزم يوماً؛ بل كان - بدوره - خير منتج للأزمات والكوارث، ويترك بصماته في بعضها بكل وضوح، مبيحاً لكيانه كل ممارسة تقرّبه من هدف إسقاط العملية السياسية برمّتها! كما انه ترك الباب مفتوحا على مصراعيه للتحالف من كل من يشاطره العداء ضد العملية السياسية القائمة، من محليين وإقليميين ودوليين؛ بل لم يتردد في التحالف مع "القاعدة" وكل التنظيمات الإجرامية، أما داعش فهي من تدبير فلول استخباراته و"حرسه الجمهوري" صناعةً وإشرافاً كما أثبتت الوقائع والقرائن والاعترافات! لهذا شهدنا ان فلول الإجرام يستهزئون بمشاريع "المصالحة الوطنية" ويبطلونها من الداخل (كمشاركين)، ويسفّهون قرارات "العفو"! وكان للبعث يده الطولى (عبر ممثليه المستترين في العملية السياسية) بالإجهاز على مساعي "إجتثاث البعث" وفيما بعد "قانون المساءلة والعدالة"، وجعلهما حبراً على ورق؛ بل وتم تسخيرهما كمظلة لتسويق مزاعم "الظلم والإقصاء والتهميش" الممارس ضد أهل السنّة، بزعم ان "الإجتثاث" و"قانون المساءلة والعدالة" يستهدف هؤلاء لوحدهم، و"يطبطب" على مجرمي البعث من الطوائف الأخرى!
لن يصعب على من طاله يوماً إجرام البعث الصدامي أن يشم رائحة الحزب النتنة، باعتباره متورط بكل ما مرّ على العراق بعد 2003 من مآزق وأزمات ودسائس (كالتأثير على نتائج الانتخابات كما ورد في تصريح القيادي البعثي آنفاً)، إضافة الى الفتن الطائفية والعرقية والارهاب المستعر الذي استفحل دوره بعد أن تماهى في المدّ التكفيري، واحتضنه ورعاه وأمدّه بالمعلومات الاستخبارية واشترى له ذمم "الزعماء والوجهاء" المحليين في المناطق الملتهبة، ووطّأ له أن يجثم على مساحات كبيرة من أرض العراق بعد نكبة الموصل، كما لم تجف بعد دماء ضحايا مجزرة سبايكر المروعة، التي جاءت استنساخاً لأساليب بعثية خبرها الشعب العراقي المبتلى على مدى عقود!
* *  *
بقليل من التقصي والتأمل يمكن التوصل الى أن أجندة البعث الإجرامي (بعد الإطاحة) متخمة بأنشطة إجرامية شتّى، ربما باتت معروفة للجميع، وأغلبها يهدف - فيما يهدف - الى خلخلة الوضع الأمني والوصول به الى نقطة الفلتان القصوى واللاعودة، بغية اقتناص ساعة الصفر التي ينتظرها! لكن الكثيرين يغفلون عن باقي الأنشطة الخطيرة التي يقف وراءها الحزب، منها مثلا دعمه غير المعلن للكثير من الفضائيات "العراقية" التي تسوّق متبنياته لكن بطريقة "دس السم في العسل"، عبر تسميم أجواء السلم الأهلي، والعمل على تزييف الحقائق بمقاس أجندة الحزب، وتشويه أي إنجاز حكومي أو خطوة في الاتجاه الصحيح، وتلميع وجوه الإجرام والتآمر، لإعادة إنتاجهم وتسويقهم على انهم زعماء وطنيون يؤمنون بالديموقراطية والمشاركة السياسية! إضافة الى إذكاء النعرات الطائفية والعرقية، وجعل "وصفة الحل السحري" لا تتعدى تقسيم العراق والإطاحة بالسيادة التي يُراد لها أن تكون نهباً للإرهاب، ولمن يساندونه من دول الجوار، كالسعودية والأردن وتركيا أردوغان. فلو سلطنا كشاف الضوء على من يتزعمون تلك الفضائيات "العراقية" المنفذة لأجندة البعث الإجرامي، سنجد أن هؤلاء هم نتاج مؤسسته الإجرامية، وبعضهم كان يتسنّم مراكز المسؤولية فيها (سعد البزّاز مثالاً، مالك قناة الشرقية)، أو ممن نفذوا مهام استخبارية للنظام البائد (عون الخشلوك مثالاً، مالك قناة البغدادية)!
وتوضح أكثر تآمر هذه الفضائيات وانسجامها مع أجندة البعث، وذلك في هجمتها الشرسة المنظمة ضد المرجعية العليا ودورها الريادي في إنقاذ العراق منذ التغيير عام 2003، باعتبارها صمام الأمان الذي جنّب البلاد والعباد منزلقات كارثية. وتكثف فيما بعد البعد التآمري لتلك الفضائيات حينما فتحت النار بضراوة ضد "الحشد الشعبي" وملاحمه البطولية المشرفة، سعياً للنيل من سمعة الحشد وتشويه صورته على انه ميليشيات طائفية "صفوية"، وتناغم هذا الجهد الإعلامي مع أنشطة مماثلة مارسها اللوبي البعثي المزروع في العملية السياسية القائمة!
كما لم يترك البعث الإجرامي فرصة التشويش على حراك المظاهرات الشعبية الأخيرة التي استجابت لنداء المرجعية العليا في تفعيل المشروع الإصلاحي الإنقاذي الذي يفتح النار على الفساد السياسي والإداري، هذا الفساد الذي ضخ الحزب حصته فيه طوال الـ 12 عاماً المنصرمة، فكيف يقف اليوم متفرجاً وهو يرى أن جهوده تصوّب نحوها نيران الإصلاح؟! ولقد تكشفت تدريجياً الدسائس التي أعدتها فلول البعث في بعض المظاهرات الأخيرة بغية تحريف وجهة وأهداف المظاهرات وتفريغها من محتواها الذي تشكلت من أجله، وزرع الشقاق بين المشاركين لجعل هذه المظاهرات ساحة للتناحر والتصادم والتمزيق، وفي هذا السياق انتشر مؤخراً مقطع فيديو يبين مجموعة مدسوسة تطلق شعاراتها الطائفية المغرضة ضد إيران، وترفع (تمويهاً) صورة المرجع الأعلى السيد السيستاني (دام ظله)! فأية مفارقة ودسيسة مفضوحة هذه؟! فبالأمس يوصم سماحة المرجع الأعلى بأنه "صفوي إيراني"، واليوم تُرفع صورته مع شعارات ضد "إيران المحتلة للعراق"؟ فهل هذه من توجيهات سماحته (حاشاه)؟ أم هو ركوب مفضوح لموجة المظاهرات من قبل هذه الفلول لتسخيرها بأي ثمن، حتى لو كان التوظيف كاريكاتيرياً بهذه السذاجة! وهذا يذكرنا بأسلوب الإجرام البعثي الذي لا يمانع - تكتيكياً - في جمع الأضداد خدمة لمآربه، مثلما أمسك قائدهم الذليل صدام بالمصحف الشريف طيلة جلسات محاكمته تمويهاً واستعراضاً، بينما هو من ضرب كل تعاليم القرآن عرض الجدار بممارساته طيلة عقود طغيانه وتسلطه.
لقد بات مفهوماً مغزى وخطورة تصريح "القيادي" البعثي الذي سبق ذكره، والذي يفضح أساليب حزبه الإجرامي في العودة الى دفة الحكم من شباك أزمات الراهن العراقي، بعدما تم رفسهم وإخراجهم من الباب في 2003، أما ما لم يعد مفهوماً هو استمرار من يتزعمون الحكومة والمشهد السياسي ممن اكتووا بنار البعث، في التغاضي عن حقيقة هذا "التسلل" والتعامل معه وكأنه خطر من الدرجة العاشرة، وأن يتم وأد قانون "المساءلة والعدالة" بصمت بحجة تكريس "المصالحة الوطنية"، التي أثبتت عملياً عقمها في جولات عديدة، وتبين أن اليد التي تصافح الإجرام البعثي وواجهاته المموّهة بزعم "المصالحة الوطنية"، سوف تعود لصاحبها متفحمة على الأرجح!
abbasbaghdadi@gmail.com

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عباس البغدادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/09/08



كتابة تعليق لموضوع : البعث الإجرامي يعود من شباك الأزمات
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net