القانونُ لا يحمي المغفلين
كاظم الحسيني الذبحاوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
كاظم الحسيني الذبحاوي

مقولة شاعت على ألسن الناس ،ولا يعرف أحدٌ منهم ما هو مصدرها ، هل هي آية قرآنية ، أم حديثٌ نبوي، أم أنها جاءتنا من الثقافة الغربية ؟؟
وإذا كان مصدرها المجتمعات الغربية ،فهذا قياسٌ مع الفارق الكبير حيث الأجهزة هناك تعمل تحت الشمس فيراها كل أحد على خلاف ما هو سائدٌ في غيرها ،فمثلاً لا يعرف
الإنسان من (وزارة الحقوق) ما هي حقوقه حتى يسعى لتحصيلها ؛بل يعرف التزاماته بالفطرة جيدا فقطً : لا تفعل ، لا تضحك ، لا تبكي ، لا تتنفس كثيراً ، لا تأكل ، لا
تشرب ، لا تصلي ، لا تصوم ، لا تفكر ،لا تحلم ، لا تسافر ، لا تتكلم ، لا تنم ، لا تقعد ، لا تقم ،لا تركض ، لا تمشي ،لا تتمنى ،لا تموت ،لا تنظر ،لا تسلم على أي أحد
،لا تصافح أي أحد ، لا تتلو أناشيد تزعج الحاكم ،وأخيراً : لا تتعلم . ولو أخطأ في معرفته هذه ،فلسوف يعاقبه القانون ،بدعوى أنّ القانون لا يحمي المغفلين !
وللتعليق على هذه المقولة المخيفة ينبغي التفريق بين مصطلحين متشابهين(المغفلين)و(المـُستـَغفـَلين) يلتصق كلّ منهما بفئة من الناس تختلف إحداهما عن الأخرى .بمعنى آخر أنّ الإنسان المغفل هو غير الإنسان المـُستـَغفـَل .فالمغفل رضي لنفسه أن يكون هكذا لا يدري ماذا يجري حوله ، إمّا لقصورٍ بتفكيره بحيث لا يكترث لما ينبغي عليه معرفته ،فهو يرضى بالدون من المعرفة التي تؤهله الكون مع أبسط الناس الذين يتحاشون الدخول في تفاصيل يعتقدون أنها لا تعنيهم فيقعون بفضل هذه (القاعدة القانونية) تحت طائلة الحساب .ولذا تجد أن بعض المافيات الخطرة تبحث عن مثل هؤلاء المغفلين لاصطيادهم من أجل جعلهم أدوات لتنفيذ مخططاتهم .
غير أن المستغفلين ليسوا كذلك ،فهم يبحثون عن الحقيقة لكنهم لم يجدوها ،لأنّ الذي يحول بينهم وبينها خصمٌ عنيدٌ ومُدلـّسٌ عتيدٌ ،يستأثر بكل ما تقع عليه يده ويحرص
على أن لا يطلع عليه أحدٌ فيضع كل مستـَغفل في قائمة المغفلين مُلقياً عليهم القاعدة التي يتكئ عليها دوماً : القانون لا يحمي المغفلين ، خشية منهم على ما
يستأثر به، وهم ليسوا بمغفلين . ولذا تجد أن المستأثر خائفٌ من الجميع على الدوام يخفي عنهم كل شيء حتى مصدر الشمس !
هناك الكثير من الموظفين أقسموا بشرفهم على إيصال الأمانة إلى أصحابها ، لكنهم صاروا هم أصحابها ،وأصحابُها الحقيقيون صاروا لهم أعداءاً ينبغي عليهم التخلص منهم
بأية وسيلة ،ولعل أيسر الوسائل هو إخفاء الحقائق عنهم سواءٌ ما تعلق منها بجلب المنافع لهم ، أو بدفع الخطر عنهم . لكنّ الذي ينبغي أن يُفهم هو أنّ هذا المرض
[مرض الاستئثار بالحقائق] يمارسه المجتمع الذي تسود فيه ثقافة الاستغفال هذا المجتمع الذي تتكون منه الحكومات !
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat