كربلاء المدينة يحكمها الحكام .. وكربلاء الجراح تحكم العالم
كاظم الحسيني الذبحاوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
كاظم الحسيني الذبحاوي

ليلة العاشر من المحرم هذه السنة 1434 زرت كربلاء المدينة منطلقاً إليها من النجف بعد الظهر بساعتين على عادتي منذ سنين ،لأشم عبير الجراحات ،جراحات كربلاء القضية ..
بلغتُ المدينة ، مدينة القديسين بعد المغرب بساعة ،وألقيت عصاي في منطقة العباسية الشرقية ..
مكثت سويعات في دار أعده المؤمنون من أهالي مدينة العمارة لأيواء الزائرين .
ألقيتُ عن كاهلي ثقل وعثاء الطريق بين النجف وكربلاء ،ومسحتُ عن وجهي أرزاء (مناطق القطع) ذلك المصطلح الجديد الذي فرضته الحادثات..
عزمتُ على الخروج من هذه الدار مع أعزّة لي صوب الحرمين المطهرين الشريفين المباركين ،تعلو وجوهنا كآبة عريضة حزناً صادقاً على ما جرى في أرض الطفوف .
انطلقنا نحن الأربعة نشق بهدوء طريق سيرنا بين أجنحة الزحام ،ونحن باكون محزونون ..
سألتهم : ماذا ترون في وجوه الزائرين السائرين على أقدامهم ،المختلفة أبدانهم وبلدانهم ، المتحدة قلوبهم وآمالهم ؟
إنهم وجوه متنوعة ألوانها وقسماتها ، لكنها تشع نوراً واحداً ، لم تحجب رؤيته عوامل العناء والإعياء ..
مواكب العزاء في تلك الليلة ،ولا سيما مواكب التطبير التي ستنطلق صبيحة العاشر من المحرم تجوب شوارع المدينة المحيطة بالحرمين ،الرجال فيها جميلة وجوههم هذه المرّة تشعُّ ولاءاً ،ومبتلةً بقطرات شرف الانتماء إلى هذا الركب الحسيني العباسي الكربلائي الخالد ..
لأول مرة أحسستُ بالطمأنينة تهيمن على خاطري من هؤلاء الكربلائيين المضمخين بعطر مسك الانتماء ،الموشحين بشرف عبير السبط القديس ..
الزائرون الآخرون من غير المنضوين في قوافل المواكب وجوههم مبتلة بشعاع جراحات كربلاء ،تشع نوراً وجمالاً هي الأخرى ..
شممتُ عطراً سماوياً يتصاعد من أرجاء كربلاء الجرح والشهادة ،فأيقنتُ أن كربلاء الحسين عليه السلام هي التي تحكم العالم ،ورددتُ قول الجواهري :
يسير الورى بركاب الزمان من مستقيمٍ ومن أظلعِ
وأنتَ تسيّرُ رَكبَ الخلـــود ما تستجدَّ لــــــه يتبــعِ
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat