الشهيد الحكيم بين مرجعيتين
رضا السيد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الحلقة الرابعة
لم تقتصر حياة السيد شهيد المحراب ( قدس ) على الجانب العلمي والجهادي فقط بل أنها كانت حياة مليئة بالفخر والتميز . فالحياة التي عاشها شهيد المحراب ( قدس ) كانت تمثل أروع المحطات التي يمكن للإنسان أن يتعايش معها وخصوصا إذا كانت تحت كنف شخصيات بارزة ومرجعيات عظيمة كمرجعية الإمام محسن الحكيم ( قدس ) ومرجعية السيد محمد باقر الصدر ( قدس ) بالإضافة إلى المرجعية الكبيرة للإمام الخميني ( قدس ) ، فهذه المرجعيات التي تزامنت مع حركة شهيد المحراب وإحاطتها بالاهتمام والرعاية تثبت إن آية الله السيد محمد باقر الحكيم لم يكن شخصا عاديا ، وكما سنرى من خلال التالي : إن حياة المجاهد الشهيد امتازت بأنها عاصرت مرجعيتين مهمتين في وقت كانت تعصف بالعراق الأحداث الخطيرة المتوالية ، فمرجعية الإمام الحكيم هي المرجعية الكبرى التي غطت مساحة العالم الشيعي بأطرافه المترامية ، ومرجعية الشهيد الصدر كونها تمثل أنموذجا حديثا وطرازا جديدا في أسلوب عملها وطريقة تفكيرها ، فهي على حداثتها استطاعت أن تستقطب بقوة الشريحة المثقفة من العراقيين، وشهيدنا كان متواجداً في أعماقهما معا، اعتقاداً منه بضرورة دعمها: ((ولكن المرجعية ازدادت أهميتها ودورها في أوساط أتباع أهل البيت (عليهم السلام) عندما أخذت البلاد الإسلامية تتعرض للنفوذ والغزو الأجنبي ، وتعرض الكيان الإسلامي لخطر الانحراف، ثم تعرض بعد ذلك لخطر الانهيار والزوال وسقطت الدولة الإسلامية، الأمر الذي جعل المراجع والمجتهدين أمام مسؤولية جديدة وهي الدفاع عن الوجود الإسلامي ، ومن ثم العودة إلى الإسلام بعد انحسار النظام الإسلامي عن المجتمع في مجال التطبيق الاجتماعي وحتى الفردي)) ، ففي نطاق مرجعية والده الإمام الحكيم كان سيدنا الشهيد مسؤولاً مباشراً عن الطلبة العراقيين وغيرهم ممن هم جديدي العهد بدخول الحوزة العلمية في النجف الاشرف ، فكان يرعى شؤونهم العامة ويتدخل لحل مشاكلهم ومعاناتهم.
كما كان مسؤولاً عن بعثة الحج الدينية لتسع سنوات متوالية (1960 ـ 1968م) التابعة لوالده الإمام الحكيم (قدس سره) فيسافر كل عام إلى الحج يلتقي المسلمين ، من أجل بث الوعي الديني في صفوفهم وتعليمهم الأحكام الشرعية وتنظيم أمورهم الدينية ، وحصل حينها على وكالة مطلقة مؤرخة في 11 ذي القعدة 1383هـ من الإمام الحكيم .
وعلى الصعيد الرسمي مثلَّ الإمام الحكيم في عدد من الأنشطة الرسمية ، كحضوره في عدة مؤتمرات واجتماعات ، منها حضوره مع العلامة الشهيد السيد محمد مهدي الحكيم ممثلين والدهما في المؤتمر الإسلامي الذي عقد في مكة المكرمة سنة 1965، والمؤتمر الإسلامي الذي عقد في عمان بالأردن في أعقاب نكسة 5 حزيران عام 1967م - 1387هـ.
وحين قام النظام البائد بعملية تسفير واسعة لعلماء وأساتذة وطلاب الحوزة العلمية في النجف الاشرف من الإيرانيين المقيمين في العراق ، والعراقيين ذوي الأصول الإيرانية ، فأحتج الإمام الحكيم على ذلك بقطع زيارته لكربلاء التي كان يؤديها بمناسبة أربعين الإمام الحسين (عليه السلام) في العشرين من صفر عام 1389هـ، فعاد مسرعاً إلى النجف ، وتم إعلان ذلك على الناس . وعقد اجتماعاً كبيراً للعلماء لمتابعة هذا الأمر، فيما اضطر النظام إلى إرسال وفد كبير من بغداد برئاسة خير الله طلفاح محافظ بغداد وعضوية الوزير حامد علوان الجبوري، ومتصرف كربلاء آنذاك عبد الصاحب القرغولي وبعض المسؤولين الآخرين للتفاوض حول الأحداث ، وهنا قدم سماحة السيد محمد باقر الحكيم في محضر الوفد الأدلة الثبوتية على وجود قرار للنظام بمحاربة الإسلام والدين بعد أن أنكر الوفد ذلك، وعلى أثر هذا اللقاء تم إيقاف التسفيرات بصورة مؤقتة.
وفي عهد مرجعية الشهيد الصدر لم يتوان شهيدنا في دعم هذه المرجعية وتقديم المشورة لها، وبحكم امتلاكه تجربة ثرية في العمل الميداني المرجعي، وقدرة كبيرة على استشراف المستقبل وقراءة أحداثه، اختصه الشهيد الصدر (قدس سره) بالمشورة والاستفادة من آراءه.
وفي تحليل لمستقبل شيعة العراق ومرجعيته الدينية بعد وفاة الإمام الحكيم انتهيا إلى مايلي:
الأول: إن النظام البعثي قمعي ويخطط للدخول في تفاصيل حياة الناس ، وهو لا يَترُك حتى لو يُترَك ولذلك فلا بد من أخذ زمام المبادرة في التحرك وعدم الاعتماد على حالة ردود الفعل .
الثاني: إن الأمة بدأت مرحلة جديدة من الوعي ولكنها غير متكاملة ولا منظمة وتحتاج إلى جهد متواصل يهتم بالكيف أكثر من الكم.
الثالث: إن النظام والاستكبار العالمي فتحا عيونهما على المرجعية وأهميتها ودورها الفاعل في الأمة وقدرتها التأثيرية الكبيرة على أتباع أهل البيت (عليهم السلام) بعد خروجها من عزلتها على يد الإمام الحكيم، ولذلك فسوف يواصل النظام التعرض للمرجعية والعمل على إنهاء دورها أو تحجيمه.
الرابع: وجود حاجة حقيقية لتوحيد المرجعية في العراق للمحافظة على ما تبقى من انجازات حققتها مرجعية الإمام الحكيم وللاحتفاظ بقدرة المرجعية في المواجهة، ولذلك اهتم بإرجاع الأوساط الشعبية إلى الإمام الخوئي حيث كان هو المرشح لذلك.
الخامس: ضرورة اعتماد المرجعية على جهازها وتشكيلاتها الخاصة بها من العلماء والمبلغين ، مضافاً إلى القوى والتشكيلات الثقافية والسياسية الإسلامية الأخرى.
السادس: فصل المرجعية والحوزة وجهازها العام عن كل التنظيمات الإسلامية .
السابع: ضرورة وضوح العلاقة الداخلية بين المرجعية والحوزة من ناحية والتنظيم الإسلامي الخاص من ناحية أخرى ، وهي علاقة قيمومة المرجعية على العمل التنظيمي الإسلامي وقيادته وتوجيهه وإرشاده.
في صفر من عام 1397 ـ 1977 اندلعت اكبر انتفاضة شعبية بوجه البعثيين حيث شارك فيها عشرات الآلاف من أبناء العراق، وكان مركز انطلاقها مدينة النجف الاشرف ، وشهد الطريق بين النجف وكربلاء أروع ملحمة بطولية سطرها أبناء العراق الغيارى ، الأمر الذي أدى إلى تدخل القوات البرية المدرعة، والطائرات المقاتلة للسيطرة على المنتفضين، وأرسل آية الله العظمى السيد الشهيد الصدر (قدس سره) سيدنا المجاهد ممثلاً عنه لتوجيه خطابه السياسي بالشكل الذي يحقق أهدافها في استمرار الشعائر الحسينية ويحبط مؤامرات النظام للالتفاف عليها، ولإشعار المنتفضين إن المرجعية معهم في موقفهم البطولي الرائع ، وتمكن المجاهد السيد الحكيم من إفشال مخطط النظام في ضرب الانتفاضة سياسياً.
دخول (شهيد المحراب) في عمق المرجعيتين وحركته الدؤوبة والمتواصلة في تنضيج العمل المرجعي والتنظير له، جعله في قلب الحدث دائما، بل على فوهة المدفع. فعيون النظام السرية كانت تلاحق سماحته اطراف الليل وآناء النهار ، وكان نصيبه الاعتقال، ففي عام 1972م اعتقلته الأجهزة الأمنية مع عدد من العلماء وفي مقدمتهم السيد الشهيد الصدر (قدس سره) وقد تعرض سماحته للتعذيب القاسي الشديد ، حيث كان المعتقل الوحيد من بين المعتقلين الذي تم نقله إلى بغداد ، ولكنه صمد صمود الأبطال ولم يكل أو يستكين.. وعندما صدر قرار الإفراج عنه أصر على أن لا يخرج من السجن حتى يصدر قرار الإفراج عن السيد الشهيد الصدر ، وبالفعل تم إخباره بالإفراج عن الشهيد الصدر (قدس سره) ، حيث أطلق سراحه.
وفي عام 1974م قام النظام بحملة واسعة من الاعتقالات ضد الإسلاميين شملت سيدنا الحكيم أيضا وبرفقة شهيدنا الصدر ، ولكن جذوة الجهاد لم تخفت عنده ، واستمر سيدنا المجاهد في نهجه الجهادي ضد النظام العفلقي حتى انطلقت انتفاضة صفر الإسلامية المباركة عام 1977م، بسبب تدخل النظام في الشعائر الحسينية ومنعه لأبناء الشعب العراقي من أداء مراسيم المواكب والزيارة مشياً على الأقدام للإمام الحسين (عليه السلام) فتم اعتقاله من جديد وتعرض في هذه المرة لسلسلة من التعذيب النفسي والجسدي الشديد ومن ثم الحكم عليه بالسجن المؤبد . وأطلق سراحه بعد حوالي سنة ونصف.
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
رضا السيد

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat