صفحة الكاتب : ا . د . محمد الربيعي

ماذا لو اصبحت رئيسا لجامعة ؟
ا . د . محمد الربيعي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 احلام كثيرة راودتني قبل عودتي الى العراق عام 2003 كمثل رؤية مجتمع ديمقراطي جديد تزدهر فيه العدالة الطبيعية، وحريات الانسان، ويتصف بالعقلانية والتنوع والاختلاف، وتحكمه جدلية الحرية والقانون، ويستند على مبدأ المواطنة ومساواة المواطنين أمام القانون في نظام سياسي عادل يطبق فيه مبدأ الشخص المناسب في المكان المناسب. لكن هذه الاحلام تلاشت بسرعة، وبدأتُ اشعر بالغربة في وطني واسمع ملاحظات تدعوني للعودة الى جامعتي البريطانية، بعضها تنم عن حسن نية وخوف على حياتي من العنف الذي استشرى في جسم المجتمع العراقي، وبعضها الاخر تنم عن خبث كمحاولة للتخلص مني لاني كغيري من الديمقراطيين رأينا ان المجتمع المدني شرط لازم للديمقراطية السياسية، وبأنه لا يجوز فصل الاخلاق عن السياسة كما لا يجوز فصل العمل عن المعرفة او فصل السلطة عن المعرفة.
عدت الى عملي كبروفسور في جامعة برمنغهام وانتهت بها فترة قصيرة من حياتي قضيتها في محاولات يائسة للتغلب على الفشل الذي رافقني في معظم ما كنت اسعى الى تحقيقه من احلام في العراق. كتبت بعدها كثيرا حول اصلاح التعليم والتعليم العالي، وقدمت برامج و ورشات ومحاضرات معرفية وتنويرية واقتراحات لتطوير الجامعات معظمها اهملت بالرغم من توفر القناعات الذاتية عند اصحاب القرار باهميتها ودورها في رفع مستوى ونوعية التعليم والبحث العلمي. ليلة البارحة راودني حلم بان قراراً عالياً قد صدر بتعيني رئيساً لجامعة عراقية، فقمت من نومي وأنا في حالة رعب، يا له من حلم غريب ورهيب، فجلست على سريري ونظرت نحو الساعة ورأيت انه لم يتبقى على طلوع الشمس الا قليل. فقررت ان اقوم بكتابة خطابي الاول كرئيس للجامعة متوجها لزملائي اعضاء الهيئة التدريسية ومتضمناً برنامجي للتغيير والتطوير الاكاديمي والاداري. وهاذا هو ما كتبته:  
اسمحوا لي في البداية أن أتقدم لكم بشكري وتقديري اساتذة ومدرسين وموظفين في هذه الجامعة العريقة. انه لشرف عظيم لي ان اتقدم لكم بالتحية كرئيس للجامعة. أحييكم لمساعيكم الفكرية في تربية وتدريب ابنائنا الطلبة، وفي العمل في المختبرات وخارجها، والإشراف على طلبة الدراسات العليا، وتقديم المشورة والنصح لكل الطلبة. في كل هذا وأكثر من ذلك، حرصتم على الحفاظ على مصالح الجامعة كجزء من المصالح الشريفة الخاصة بكم، وبالتالي تبنيتم فكرة الجامعة كمشروع اجتماعي مشترك وكشركاء حقيقيين لتحقيق رسالة الجامعة في بناء الانسان بصفته نواة بناء المجتمع.
في قلب كل مؤسسة تعليمية هو هيئتها التدريسية. اليوم نقف على عتبة مهمة وفي وقت حرج في تاريخ الجامعة الطويل نسبيا والمميز لأننا اخترنا تحويل جامعتنا الى جامعة بحثية رائدة على صعيد العراق ومنطقة الشرق الاوسط، والى جامعة ذات مستوى جديد ونوعية عالية من التميز التعليمي وتلبي حاجة السوق والدولة من الاختصاصات الضرورية لتوفير الخدمات وللتنمية. ولتحقيق هذا الهدف لن نساوم في قدرتنا على تأمين أفضل المواهب الممكنة لتنظم إليكم والتخلص من كل ما يعيق ويفسد تحقيق هدفنا لبناء جامعة فريدة من نوعها. مهمتي باختصار هي اعداد متخصصين مؤهلين تأهيلا عاليا لسد حاجة سوق العمل، وضمان جودة البحوث العلمية عن طريق حل مشاكل الاقتصاد الوطني والابتكار والنشر في الادبيات العالمية الرصينة وذلك باستغلال كامل لقابليات وقدرات ومعارف التدريسيين والباحثين. ولتحقيق هذه المهمة سأضع عشرة اهداف لغرض تنفيذها ضمن فترات زمنية محددة وهي:
1- تحسين نوعية وكمية ودرجة تأثير البحوث العلمية والاكتشافات والاختراعات، وتركيز الموارد لاجراء بحوث متعددة الاختصاصات في المواضيع الرائدة والتي يحتاجها الاقتصاد الوطني والعالمي.
2- توفير تعليم وتعلم بمقاربة لما هو متعارف عليه عالميا.
3- دعم وتعزيز البرامج العلمية والتخصصات التي يحتاجها سوق العمل والغاء او تحجيم التخصصات التي لا يوجد مجال عمل لخريجيها.
4- اعادة بناء المناهج وطرق التدريس المبنية على اساس فلسفة التعلم والتي تبنى على اساس تقييم مخرجات التعلم بما معنى "ماذا تعلم الطلاب؟" في مقابل "ماذا درّس الطلاب؟" وتبني ثقافة جديدة هدفها صناعة الانسان وتحصينه ضد مغريات الفساد وليس مجرد تعليم الطلاب.
5- وقف تعيين تدريسيين من غير حملة الدكتوراه او ما يعادلها، وتدريب التدريسيين تدريبا عاليا وتحسين مؤهلائهم العلمية بما يضمن ان تكون نسبة التدريسيين من حملة شهادة الدكتوراه لا تقل عن 70% في خلال خمسة سنوات واستهواء خريجي الدول الغربية والعلماء العراقيين في المهجر للعمل في الجامعة.
6- استحداث نظام قبول مكمل لنظام القبول المركزي يكون اساسه امتحان سايكومتري خاص ومشابه الى درجة ما لامتحان السات  (SAT)الامريكي.
7- تحسين الارتباط بالبيئة المحلية للجامعة عبر تقديم الخدمات الاكاديمية والعلمية والفنية والاجتماعية، واقامة الورشات والندوات والمحاضرات العامة والاختصاصية لعامة ابناء الشعب وفي داخل الحرم الجامعي، واستبدال الدراسات المسائية لشهادة البكلوريوس بالدراسات المهنية والتقنية والاجتماعية والفنية قصيرة المدى والتي تهدف الى تحسين المعارف والقابليات لعامة الناس ولموظفي الدولة.
8- تركيز المصروفات في مشاريع تحسين المباني والمختبرات والمنشآت الخدمية والترفيهية.
9- تطوير العلاقة مع الوزارة على اسس جديدة، وإقامة علاقات عمل مع الجامعات العراقية والجامعات الاجنبية ووزارة العلوم والتكنولوجيا العراقية.
10- التغلب على المصاعب الادارية وذلك بدمج الكليات والأقسام ذات الاهداف والبرامج المتشابهة وعلى المصاعب المالية لتمويل مشاريع التطوير عبر ايجاد تمويل غير حكومي يعتمد على الهبات والمساعدات المحلية والدولية.

وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف سنقوم بست مبادرات استراتيجية كبرى وهي:
1- معالجة التحديات التي تفرضها مركزية القرار وانعدام استقلالية الجامعة، 2- تعريف وتحديد معايير التميز التربوي والأكاديمي والبحثي وضمان الجودة والاعتماد الاكاديمي العالمي، 3- تحديد خصائص الحرم الجامعي المعاصر ومعرفة مواطن القوة والضعف عندنا عن طريق توفير الاحصائيات اللازمة واستبيان اراء الهيئة التدريسية والطلاب، 4- توأمة الجامعة وربطها بجامعة عالمية وإقامة علاقات ثقافية واكاديمية وبحثية مع الجامعات العالمية ومع العلماء العراقيين العاملين في الجامعات الغربية، 5- بناء علاقات بحثية بين تدريسيين وباحثين من مختلف الاختصاصات لغرض تكوين مجاميع بحث علمية كبيرة تهتم بمواضيع معاصرة، 6- ترشيق المصروفات غير الضرورية ودراسة امكانية اعادة التركيبة الادارية للجامعة وذلك بتأسيس مجلس امناء للجامعة والغاء او تحجيم البرامج التي لا يحتاجها سوق العمل ودمج الاختصاصات المتشابهة وزيادة فعالية الاجهزة المختلفة داخل الجامعة. 

وعلى اساس تحقيق الاهداف العشرة سترسم الخطط في جامعتنا والتي ستسمح لنا بقياس درجة النجاح نحو تحقيق رؤيتنا. ستقوم كل كلية ومعهد وقسم بتطوير خطة عمل خاصة بكل منها كمساهمة في تحقيق هذه الاهداف. وسنضع لهذه المبادرات خطط زمنية للتنفيذ ولتدبير الموارد والابلاغ عن التقدم المحرز ولكل خطة سنويا، وستقاس درجة النجاح من خلال تحديد التقدم نحو التنفيذ الكامل لكل هدف رئيسي.
ساقوم قريبا بالاعلان عن اسماء اعضاء اللجان التي ستضع تفاصيل الستراتيجيات والسياسات التي تكلمنا عنها اعلاه وساقوم بابلاغكم بصورة مستمرة بمدى التطور في تحقيق اهدافنا، وبكل ما يجري من فعاليات مهمة على ارض الجامعة. هذا واتطلع الى مزيد من التعاون بيننا لمواجهة المشاكل والعقبات امام تطوير الجامعة وتطوير قابلياتكم ومهاراتكم وزيادة نشاطاتكم الاكاديمية ومساهماتكم المجتمعية.       

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ا . د . محمد الربيعي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/08/09



كتابة تعليق لموضوع : ماذا لو اصبحت رئيسا لجامعة ؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net