إن للزمان و للمكان دور مهم في سير الأحكام و تبدلها , و تغييرها , و قضية تبدل الزمان واضحة جلية , فبتقدم الزمان يكون هنالك تطور , و تغير في كل شيء محيط بالإنسان من مأكل , و ملبس , و مشرب , و مركب , و وسائط , و آلات , و ما شاكلها .
أما قضية تبدل المكان قد تكون صعبة على أفهام البعض , لذا نقول : أنه يمكن أن يكون للمكان دور في تحول و تبدل و تغير خصوصيات الموضوع , و بالتالي مباني الأجتهاد , و ذلك بأن يكون شيء في مكان ما من مصاديق موضوع الحكم بـ( التحريم ) , و يكون نفس الشيء المذكور أنفاً في مكام آخر من مصاديق موضوع الحكم بـ( الجواز ) ؟!
و هذا الإتجاه الأجتهادي أطلق عليه بعض الفقهاء ( تحول الأجتهاد ) , و الذي يقوم على أساس تغير الزمان و المكان , و الظروف في شتى مجالات الحياة , و الذي يستتبع حدوث موضوعات جديدة , أو تغير في أصل الموضوعات , أو خواصها الداخلية و الخارجية , كلها أو بعضها , و بالتالي تغير أدلتها الشرعية .
أي عدم البقاء على حكم موضوع معين عند تغير بعض خواصه , أو تغير الظرف الذي أدى إلى ذلك الحكم , و لا سيما في الموارد التي ليس فيها نص .
و يؤسس السيد الخميني ( رحمه الله ) لهذا الأتجاه الإجتهادي بقوله : ( القضية التي كان لها حكم معين في السابق , يمكن أن يكون لها في الظاهر حكم جديد , فيما يتعلق بالعلاقات التي تحكم السياسة , و الأجتماع , و الأقتصاد في نظامٍ ما , بمعنى أن نتيجة المعرفة الدقيقة في العلاقات الأقتصادية , و الأجتماعية , و السياسية تحول الموضوع الأول ـ الذي لم يتغير في الظاهر ـ إلى موضوع يستلزم حكماً جديداً بالضرورة ) .
إذا فالمتبدل أو المتغير هو الموضوع و ليس الحكم , و بذلك يتبدل الحكم تبعاً لتبدل الموضوع .
و كل هذا واضح , و جلي لمن راجع و دقق أحكام الفقهاء , فهم مثلاً وضعوا أحكاماً لدار ( السلام ) مخالفة لأحكام دار ( الحرب ) , و ما شاكلها من أحكام سنأتي لذكر نماذج لها بقصد التوضيح , و التي منها :
1ـ جواز بيع الدم و شرائه , و الذي لم يكن جائزاً سابقاً .
2ـ جواز تشريح الميت .
3ـ جواز بيع أعضاء جسم الإنسان و شرائها , و زرعها في جسم آخر , مع أن إنفصالها عن الجسم السابق يحولها إلى ( ميتة ) .
4ـ جواز صناعة التماثيل , باعتبارها لوناً من ألوان الفنون الجميلة .
5ـ جواز تنظيم النسل .
6ـ جواز تأميم الأنفال ( الغابات , البحار , المعادن , ... الخ ) و تقنين التصرف بها من قبل الدولة .
7ـ تقنين التصرف بالأراضي , حتى البوار منها من قبل الدولة .
نعم إن الكثير من الأحكام التي ذكرناها هي جائزة بحدود أغراضها لا مطلقاً , و لكن هذا لا يمنع من التأكيد على فاعلية الزمان و المكان في تبدل و تغير الحكم الشرعي .