كيف نحافظ على هويتنا و نواكب التطور ؟
الشيخ ليث عبد الحسين العتابي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ ليث عبد الحسين العتابي

إن قضية مواكبة التطور و التقدم أمر مهم و لابد منه , لكن يجب أن لا يكون على حساب ثوابتنا , و أن لا يؤدي إلى مسخ هويتنا , و أن تكون تلك القضايا الخاصة بمسألة التطور غير موجودة , و أن نكون نحن محتاجون إليها بكل معنى الكلمة , فالأجترارات ليست تطوراً , و تقليد الغير ليس تطوراً , و توليد المصطلحات و أختراعها من دون سبب , و من دون مناسبة , و من دون أي حاجة إلى ذلك ليس تطوراً .
فالأمر الأول الذي يجب علينا مراعاته هو ( الحفاظ على الهوية ) (Preservation of identity ) و المتمثل بـ( التراث ) (Heritage ) , لكن علينا أولاً أن نفهم التراث , و من ثَم ننطلق للمحافظة عليه .
فالتراث من حيث الماهية هو ظاهرة إنسانية موجودة في جميع المجتمعات , إذ أن لكل أمة تراثها الخاص بها .
و التراث تارة يكون ( قومي ) (National ) : أي خاص بقوم معينين و بمجتمع معين و بجماعة معينة و داخل منطقة معينة .
و تارة يكون التراث ( إنساني ) ( Humanist ) : أي ما يخص كل بني الإنسان بلا فرق و من دون تحديد , أو تخصيصٍ له .
لكن قد برزت مشكلة في زماننا الحالي كان إطلاقها بأسم الحل , و هي في الحقيقة مشكلة , لكنها لا تخلو من فقاعات للحقيقة , و تلك المشكلة قد تمثلت في فكرة , أو مصطلح ( القطيعة مع التراث ) ( Break With the heritage ) or ( Heritage Rupture ) , فلقد أعتقد البعض أنه لا سبيل إلى التخلص من التخلف و و التقهقهر , و بالتالي الدخول إلى ركب التطور , إلا بإحداث ( قطيعة ) , أو ( قطيعة معرفية ) ( Epistemological Rupture ) مع ( التراث ) ( Heritage ) , فلا سلطة إلا للعقل الذي يتخذه العلم الحديث مصدراً وحيداً للسلطة و المرجعية .
و من الذي نادوا بذلك الكاتب اللبناني ( حسين مروة ) في كتابه ( النزعات المادية في الإسلام ) , و الكاتب المصري ( حسن حنفي ) في كتابيه ( التراث و التجديد ) , و ( من العقيدة إلى الثورة ) , و الكاتب الجزائري ( محمد أركون ) في الكثير من كتبه , و منها كتاب ( تاريخية الفكر الإسلامي ) لكن وفق نظرة خاصة به نحو التراث و كيفية قراءته , و الكاتب المغربي ( محمد عابد الجابري ) في كتابيه ( نحن و التراث ) , و ( تكوين العقل العربي ) , و الكاتب المغربي ( عبد الله العروي ) في محاولاته لنقد الوعي التاريخي العربي و الإسلامي .
إن مصطلح القطيعة , أو ( القطيعة الأبستمولوجية ) ( Epistemological Rupture ) في أساسه ( مصطلح ظهر في مجال الدراسات الأبستمولوجية للعلم و تاريخه , ثم تحول إلى دراسة جملة من النشاطات الفكرية للإنسان . يطلق هذا المصطلح على كل فرضية أو نظرية تعلن عـن قيام الفكر العلمي أكثر شمولاً . و هي لا تعني أنفصالاً عن الفكر العلمي السابق أو رفضاً لـه , بل تعني أحتواء الفكر العلمي الجـديد للسابق عليه ) .
فحقيقة مصطلح ( القطيعة الأبستمولوجية ) أنه مصطلح مستورد ظهر على يد الفيلسوف الفرنسي ( غاستون باشلار ) صاحب كتاب ( الفكر العلمي الجديد ) , و الذي أراد منه : تخلي العالِم في المختبر عن المعرفة التقليدية الشائعة , و الأخذ بالمعرفة العلمية الموضوعية القائمة على التجربة و البرهان .
إن أشكال القطيعة الأبستمولوجية التي ذكرها باشلار هي :
1ـ القطع الأبستمولوجي التام , و الذي يقوم على الفصل بين الفكرة و المحيط .
2ـ القطع الأبستمولوجي القائم على الأحتواء , فالجديد يحتوي ما تجاوزه دون أن يلغيه .
3ـ القطع الأبستمولوجي بالتتام , و هو الذي يقول بوجود منظومتين مختلفتين في الحقل نفسه , لكلٍ منها إتجاه .
إلا أن هنالك معنى آخر للقطيعة تمثل في : القطيعة بين الأنظمة المعرفية في تاريخ العِلم , أي إنه عندما يصل النظام المعرفي الذي نستخدمه إلى طريق مسدود و لا يستطيع معالجة الإشكاليات التي تواجهنا , فلابد لنا من التغيير و التخلي و بوعي تام عن ذلك النظام المعرفي القديم , و تبني نظام معرفي جديد يستطيع التعامل مع الإشكاليات التي عجز النظام المعرفي القديم من التعامل معها .
و قد طور هذا المفهوم الثاني الفيلسوف و الناقد الفرنسي ( ميشيل فوكو ) في كتابه ( تاريخ الجنون ) , و الفيلسوف الفرنسي ( لويس ألتوسير ) , و مؤرخ العِلم الأمريكي ( توماس كون ) صاحب كتاب ( بنية الثورات العلمية ) .
فكيف نتعامل مع المعرفة , و كيف نتعامل مع التراث ؟ هل بأسلوب الأخذ المطلق ؟ , أم بأسلوب القطيعة ؟ , أم ننتهج طريقاً وسطياً في كيفية الأخذ ؟
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat