صفحة الكاتب : قصي شفيق

(تردي واقع الأعلام المرئي بين الموضوعية والجهل) برنامج شباب وبنات نموذجاً
قصي شفيق

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
تمهيد:
يعتبر الاعلام متعدد الوسائط Multimedia مزج بين مختلف أنواع الاعلام والتكنولوجيا الحديثة، فنجد الصوت والصورة والرسم وفن العمارة والنص الأدبي والمهارة اللغوية وتقنيات الاداء وجمالية الشكل المرئي والتقنيات التكنولوجية، والبث الرقمي، واستخدام السوشيال ميديا والانترنت، كل ذلك يتحالف معاً لانتاج اعلام بالغ التعقيد والكثافة والابهار والدهشة لتحقيق التأثير من خلال المتعة المشاهدة. وهذا المزج لمكونات اعلامية كانت في ما مضى مفصلة عن بعضها البعض، أو يشتغل عدد محدود منها معاً في أحسن الصور المعروضة ، هو الذي يمثل المعلم الأبرز لتلك « النزعة الثورية التحولية ». واذا كان الكثير منا يشاهدون الى هذا الحد فهذا الجانب أو ذاك اتى من الثورة تكنولوجيا الاعلام غير المسبوقة فالسبق الصحفي هو المفتاح، فان قليلين منا هم اولئك الذين هضموا واستوعبوا الصيرورة التاريخية لقيام هذه الثورة ولاحقوا تطوراتها المدهشة حقبة اثر حقبة دون نفي السابق والانطلاق منه لتأصيل الظواهر الرصينة.
فقد يؤدي الاعلام اليوم دوراً في قيادة الشعوب وتحريك المشاعر والعواطف بقصد المساندة أو المعارضة من خلال موضوعاتها المتنوعة في المجتمعات المعاصرة ، فهي ما تزال الطريق الذي يقف في نشر الأفكار وتوجيه وتجميع الجماهير حول قيم وأهداف معينة وتثقيفهم وتعليمهم ولذلك فالأعلام في المجتمع المعاصر يعد أداة لا يستغنى عنها لحكم الشعوب من خلال نقل المعلومات إلى المشاهد، ومن خلال ما تنشره من موضوعات تخاطب العقل  والعاطفة معاً، وعلى الرغم من احتوائها المضمون الفكري فهي تمتلك بعض الصفات المشوقة التي تشد الجمهور لها . إلا أنها في الوقت ذاته يمكن أن تقوم بعمل السفير الذي ينقل رغبة أمة إلى أمة وثقافة شعب إلى شعب آخر، وكذلك تعمل كأداة سلام بين المشاهد في أنحاء العالم، كما يمكن أن يشغل الأعلام المرئي نار الحرب بين الجماعات أو الدول  حيث تتخذ هذه الأهمية من الدور التأثيري والتنويري الكبير للكلمة ومدى ايصالها للمشاهد.
وعادة ما تختلف القنوات الفضائية في نوعية الأنباء والموضوعات التي تنشرها وطريقة إبرازها ومعالجتها، فمع أداء وظيفتي الاعلام والتفسير تعمل كذلك على تقديم أبواب فرجوية متنوعة أخرى لعل الدلالة هنا الاتيان بالجديد والمخالف والحفاظ على المبادئ العامة للجمهور المستهدف فالتوظيف والتوقيت هو العامل الرئيس.
فقد تلبي الوظائف الاعلامية كالإقناع والتثقيف والتنشئة الاجتماعية والإعلان والتسويق والتوجيه والإرشاد فضلاً عن الدعاية، لكن نسب الاهتمام بأداء هذه الوظائف هي التي تختلف من برنامج الى اخر حسب الطرح وطريقة العرض المرئية والحاجة الملحة لموضوع يناقش واقع حال فئة معياً. ذلك أن مضمون وشكل المادة المشاهدة عادة ما يتجاوب مع البيئة التي تعمل فيها المحطة بهدف تحقيق التفاعل بينها وبين المجتمع الذي تصدر منه. فضلاً عن ذلك فأن للأعلام المرئي تأثيراً قوياً على الجماهير على وفق الطرح الجيد وايمان الجماهير بصدق هذه القضية المتابعة التي تقترب من القداسة والاحترام عند بعض المجتمعات، بمعنى اخر، تعطي للأعلام دور ريادي لتحقيق القيم المثلا للوصول الى الجمال.
لذلك إن الاعلام المرئي – وفق تصور النظرة الموضعية بوصفه ذخيرة للرؤية تتعدى الملاحظة البصرية العابرة ، إلى استيعاب المشهد وتمثله ثم تمثيله فنياً ، سيكون له حضور وإسهام في  إخراج الأحاسيس والمشاعر والرؤى ضمن الحيز الذي يريده الفنان وهو خلق لحقول مرجعية جديدة إلى التحرر من لوحة الجدار الثابتة الى لوحة متحركة والإفادة من التقنيات الحديثة المعاصرة للنهوض بواقع الاعلام وخاصة الاعلام العراقي مما يثير في الذاكرة الدعوات الفنية السابقة التي جاهرت بهجران (الروح المتحفية) أو انساق العرض والتلقي التقليدية الى خطاب بصري جمالي وتعمل على خطاب العامة وليس الخاصة.
 
     فإن الإحساس بالجمال و تقدير القيم الجمالية من العوامل التي تؤثر في كل فرد من حيث هما مقياس المفاضلة بين العوامل الخارجية كما أنهما دعامتان قويتان من دعامات سعادة الإنسان و شعوره بالبهجة واللذة وللجمال ميادين مختلفة إلا أن أكثر ما يشد انتباه المشاهدين من جماليات الأعلام المرئي من خلال المكان ولكن يختلف المشاهدون في تحديد معنى الجمال فهم يطلقونها على مظاهر كثيرة تختلف في طبيعتها و تكوينها فنقول الصورة المشهدية جميلة والديكور ومقدم البرامج جميلة وهكذا ولقد أثبتت دراسة عن دور التلفزيون في تشكيل القيم الجمالية أن هناك تباينا لدى الشباب في إدراك الجماليات التلفزيونية علماً ان الجمال نسبي ليس مطلق حسب اسقاط الجمال على كل مشاهدة وينتج الجمال حسب مرجعيات وثقافات المشاهد وقوة تأثيره ؛ فيميل الذكور مثلا إلى طريقة الكلام وطريقة تأدية العمل بينما تميل الإناث إلى الملابس الفاخرة والتزيين ويختلف الشباب في تحديد جماليات الألوان البراقة الزاهية مثلا فهناك تباين بين الإناث والذكور وسكان المدينة والريف، فالذوق الجمالي يتغير من عصر إلى عصر بما يتلاءم مع تطور الأذواق و الاتجاهات الجمالية.
يرى البعض أن التداخل المذكور هو من صنع عملية " تتجير" ( تحويلها إلى تجارة) الثقافة والترفيه والإعلام وتحويلهم إلى سلعة تلهث وراء " مثيولوجية" الجمهور العريض الذي فقد عرشه في زمن  تضافرت فيه  الأسباب " لتفتيته"،  وتوفرت الشروط لازدهار الاتصال الشخصي أمام  " تضعضع" المكانة المهيمنة  للاتصال الجماهيري. 
فبين الاتصال والإعلام إن النقل التلفزيوني المباشر لا يسعى لتقديم الإعلام بل يعمل على تغليب الاتصال، فهو يقدم لنا الإحساس وينفخ فينا عاطفة المشاركة واللقاء. لذا نلاحظ غلبة الفرجة في الإعلام المرئي. العديد من المواد الإخبارية التلفزيونية: روبرتاجات تلفزيونية، أفلام وثائقية، جرائد إخبارية والبرامج المنوعة الصباحية او المسائية ، كلها أصبحت قطعة من الاستعراض والتمشهد المرئي،أي أن إنتاجها وتقديمها يخضع لمعايير الإنتاج الدرامي. وهذا ما يقلص الهامش بين ما هو واقعي وغير الواقعي أو الخيالي في وسائل الإعلام- سنعود إلى هذا النقطة في افتراض أخر- هذا إضافة إلى أن الحوارات الإذاعية والتلفزيونية أصبحت أقرب إلى الكلام الاستعراض Talk show.
لذلك إن غلبة الاتصال في العصر هو، في حقيقة الأمر، غلبة الشكل وهذا ما يجرنا إلى مراجعة فهمنا للعلاقة بين الشكل والمحتوى. إن القرن الماضي الذي كان قرن الإعلام قد ترك أرثا كبيرا في مجال " سينما المخرج" و" صحافة الرأي" والمنابر الفكرية في البرامج الإذاعية والتلفزيونية، والبرامج المنوعة المرئية أما عصر الاتصال فقد أبرز الجانب المبهرج المغري بالمؤثرات الصوتية والمرئية، والحيل البصرية التي أصبحت تشكل قيمة في حد ذاتها. إنها طريقة خطف البصر وتحويله إلى الاهتمام  بالشكل على حساب المحتوى بخطاب مرئي حسب مبدأ التكثيف والاختزال. ففي ظل هذا التحول " ترعرت" ما يطلق عليها ( إيديولوجية الاتصال) والتي تتمثل في المقولة التالية: المهم هو أن نتصل. لا يهم مضمون الاتصال ومحتوى التبادل، المهم هو أن نتبادل فقط. المهم أن نتصل: نتبادل الانطباعات والمشاعر الفعلية أو المفتعلة التي يمكن أن يخلقها الشكل وليس المضمون وهنا الاشكالية الكبرى في تقديم المواد التلفزيونية طغيان الشكل وضياع الجوهر.
خلاصة القول على وفق الدراسة المعروضة وللقياس على المنتج التلفزيوني الردي في برنامج شباب وبنات نرى ان هناك نزعة تهريجية تثويرية الغرض منها تقليل وتحجيم دور الشاب العراقي باستعراض نماذج من شباب رديء الفكر فنجد التأثير الواضح مع التسويق الغربي من حيث المظهر والملبس للمقدمين وحتى تواتر الافكار والمواضيع المطروحة وعدم النظام والثبات بين ما مقدم ومطروح فقد تنوعت التقارير من مقدم الى اخر حسب فكرة معد البرامج الذي يحاول مع المخرج التنوع من حيث الاعداد والأرقام مما اعطى المجال للمقدمي البرامج التحاور فيما بينهم في القضايا المطروحة سلفاً فلجانب الاول تمثل بتقويمهم فلم يكن دورهم فعال في ايصال المعاني وإنتاج مفردات ومصطلحات علمية رصينة وهذا ان دل على شيء فانه يدل على مرجعيات مقدم البرامج الناجح في نجاح البرامج من خلال المخزون المعرفي والثقافي لديه وبالتالي الغرض من هذا البرنامج تقديم الفرجة للشباب العراقي فهل حقق هذا البرنامج تنمية ايجابية تجديدية؟ وهل افاد الشاب العراقي بما يراعي الموضوعية والمهنية الموكل للأعلام من حيث القيادة التنظيم التفكير والإقناع والتثقيف والترفيه؟ علماً ان الدراسة الحقيقة لمثل هكذا برنامج يجب ان تعتمد مبدأ الجمهور المستهدف فلمستهدف هو الشباب فهنا الإشكالية الكبيرة التي وقع بها هذا البرنامج من خلال الكثير من القيم والمعتقدات المغلوطة من خلال المرئي واللغة المستخدمة الملفوظة والمنطوقة للمقدم البرامج الذي سقط بجهل قلت الثقافة والوعي في فن الخطابة والمحاور وإدارة وتنظيم الحوار فليس كل كلمة منطوقة في الشارع تطرح وتتداول على مسامع الشباب وبهذا اصبح الجهل في احترام الذوق العام فنششت الذوق بذائقة المتحاورين وحتى اختيار نماذج ليكونوا ضيوفاً فالاختيار كان الأكبر للشباب وهنا من الممكن ان يكون الامر ايجابياً تسويق الشباب الواعي المثقف للإيصال فكرة للمؤسسات المحلية والعربية والعالمية واقع الشباب العراقي المثقف لكن حتى في هذه الفكرة لم تنجح فبعض من الضيوف انساق الى سياق المستوى المتردي للجماعة وهنا ممكن القول ان برنامج شباب وبنات يمثل أنفسهم ومرجعياتهم وانتمائهم ومعتقداتهم الخاطئة بعض الشيء فالشباب والبنات العراقي وعلى وفق قراءتي الميدانية هم اكبر واسمى من ان يمثلوا بمجموعة مقدمين بالفكر والمعنى في الأعلام المرئي العراقي. ومن اجل الوقوف على رفع مستوى وعي الشباب يجب ان تكون البرامج المقدمة هي على دراية وتطلع للحاجة الملحة للشاب اليوم واستثمار قدرات وإمكانات المعرفة العلمية لشباب العراقي على وفق دراسة مسحية اكاديمية تقف على اهم الايجابيات وتعزيز دوراها والتأكيد عليها باستمرار وتقويم السلبيات والحد من الوقوع في مخاطرها على اساس واحد هو النهوض بواقع الشباب العراقي.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


قصي شفيق
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/05/12



كتابة تعليق لموضوع : (تردي واقع الأعلام المرئي بين الموضوعية والجهل) برنامج شباب وبنات نموذجاً
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net