السيستاني.. الدولة المتدينة
مجاهد ابو الهيل
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مجاهد ابو الهيل

الدولة المتدينة هي الدولة التي تحترم الدين من وجهة نظر المرجع الأعلى في النجف وتؤّمن للمجتمع شروط الرفاهية.
ليس غـريبا ان يشكّل المـرجع السيستاني والمـقولات الحديـثة في بناء الـدولـة هـذه الثـنائيات التي أتنـاولها للمرة الرابعة في هذا العمود وكأنني اكتب عن منـظمة دولية تابـعة للأمم المتحدة او أتناول الموضوع من وجـهة نظر مفكر ألماني او فـيلسوف أميـركي، ولـهذا الـرأي مـا يعـضده في قـراءة الـتاريخ واستـنطاق احـداثه وتجاربه، فما عـلاقة وريـث المـدرسة الكـلاسـيكية في الحوزة العـلمية بهذه المقولات الحديثة.
ولـعلني كنـت انتـمي لهذه الفكرة عنه حتى وقت قريب جدا لم أكن فيه قرأت السيستاني بعد لاعـتقادي بأنه نتـاج مدرسة النجف التـقليدية التي لا تنسجم قـراءتها وهذه المقولات، وبـعد أن اكتشفت خـطأ تقيـيمي لقراءة الرجل اكتشفت مـعه خـطأ آخر في رؤيتي عن مدرسة النجف وبعض فقهاء المؤسسة الديـنية الـذين لا يـمتلكون مشروعا سياسيا قائما على اساس الحزب او السلطة، طارحاً على تفكيري سؤالاً مهماً حول سبب اختلاف رؤية المدرستين في بناء الدولة، وبعد ان نفضت عن رأسي غبار فكرة الانحياز لمدرسة الإمام الخميني والشهيد محمد باقر الصدر وفقهاء الثورة التي كنت انتمي إليها بحكم منطق معارضة الديكتاتور.
وبعد انتصار الإرادة الدولية للإطاحة بحقبة البعث الفاشستي وبروز مدرسة السيستاني في التعاطي مع الدولة وبناءاتها، بعد كل هذه التحولات تشكلت لدي قناعة مختلفة عن المدرستين، المدرسة الاولى تؤمن بالدولة الدينية وما ينتج عنها من مقولات، أما المدرسة التي ينتمي اليها السيستاني فإنها تؤمن بتكييف تجربة الدولة مع المقولات الحديثة لبنائها بعد ان ادرك الرجل واقعية ذلك من خلال عدم كفاية أدواتنا لقيام دولة دينية مستبعدا نظرية ولاية الفقيه او رؤية مدرسة محمد باقر الصدر في أسلمة هذه المقولات وتكييفها مع الدولة الدينية.
لكن تجربة السيستاني مؤخرا تحررت من اطر المدرستين ومن نطاق جغرافيتيهما وأعني مدرسة النجف ومدرسة قم رغم تداخل الرؤية بين فقهاء المدرستين أحيانا وبروز الاختلاف بينهم في أحايين كثيرة.
يبدو أن عـلينا إعـادة قـراءاتنا مـن جـديد بعـد ان تعرفنا على تجربة فقهية جديدة في ادارة الدولة وبحث مقولاتها برؤية وطنية تنسجم مع تحولات الواقع وتحدياته، فالدولة الدينية التي شيّد منظومتها الإمام الخميني وفق نظرية ولاية الفقيه ونظّر لها الصدر وفق مدرسته الحركية تختلف عن دولة السيستاني وفقهاء مدرسته الدينية التي ينتمي إليها والتي كنت وكثيرون من أبناء الحركة السياسية الاسلامية لا ننسجم إطلاقا مع هذه النظرية التي لم نكن نفكر فيها كثيرا بل كنا نستبعدها من قراءتنا واهتمامنا بشكل مطلق، لكن السيستاني أقنعنا بتجربة مغايرة لوجهة نظرنا وسحبنا وغيرنا من الحركيين الى قناعته في ما اسميه "الدولة المتدينة" لا "الدولة الدينية" وقد تجلى ذلك في أجوبته على اسئلة كثيرة تحاول سبر أغوار قناعته في شكل الدولة التي يؤمن بها، اذ كانت كل أجوبته في "ان تنبثق الحكومة عن ارادة أغلبية الشعب بشرط ان تقوم الدولة على احترام الدين وان لا تشرع ما يخالف تعاليمه" وأما إجابته على مسألة تشكيل الدولة على أساس فكرة ولاية الفقيه فتلخصت بأنها مسألة "ليست واردة مطلقا" على حد تعبيره.
والدولة المتدينة هي الدولة التي تحترم الدين من وجهة نظر المرجع الأعلى في النجف وتؤّمن للمجتمع شروط الرفاهية وفق اشتراطات المقولات الحديثة لبناء الدولة المجتمعية على ضوء تلك القناعة التي تشكل أحد معالم المدرسة السيستانية التي تشكلت وفق هذه السياقات.
ربما أكون خاطئا في تسمية الدلالات بهذه المصطلحات لكن منطق بناء الدولة التي يحرص السيستاني على علاقتها بالمجتمع تؤكد ان علينا ان نؤصل لهذه المدرسة الحديثة في إعادة بناء الدولة ومؤسساتها وفق المنظومة التراثية والقيمية لمجتمعنا مع النظر الى تكييفها مع المقولات الحديثة للدولة المدنية "المتدينة".
إذن المرجع السيستاني يغض طرفه عن حلم بناء الدولة الدينية الذي هو مطلب جاد في مدرسته الفقهية ليطوّع هذا الحلم مع اشتراطات بناء دولة لم ترسخ أقدامها بعد أمام عواصف الحروب ومغامرات المولعين بها.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat