صفحة الكاتب : عماد يونس فغالي

سيرةُ ألمٍ في روعة انسكاب!
عماد يونس فغالي


في رحاب "سرّ المئة عام"، أنتَ أمام لوحاتٍ ثلاث: السيرة االذاتيّة وأدب المهجر وألم البعد والفراق. وفي هذه جميعها، انكشاف خلود! أمَا مئة عامٍ رمزُ الأبديّ لقصّةٍ غادر أبطالها وبقيت؟!
كم تفيق انتعاشًا، عِظامُ شبل عيسى الخوري إذ رأى مدوّنتَه الغالية ترى النور، إعلانَ قصّةِ حبّه، صارت مجسّمَ إلهةِ حياته، عاش عمره يمارس طقوسيّة عبادته لها، راجيًا أن ينتقلَ تديّنُه هذا، فيطالَ كلَّ من رغب أن تصل إليه، قصَدَ الأجيالَ اللاحقة.
بين سنة 1914، تاريخ أحداث قصّته، و2014، سنة نشر مجرياتها روايةً، مأساةٌ إنسانيّة ألمّت بعواطفَ ومشاعر فرّقتْ كائنَين، بطلَي "سرّ المئة عام"، ومن رافقهما في نزاع قلبيهما، وإجهاض حبٍّ تكوّن في رحمٍ نتن، فرضه المجتمع تقاليدَ وموروثاتِ تديُناتٍ هالكة!
سيرةٌ ذاتيّة قلت، الكاتب داخل النصّ، بطل القصّة. سردٌ في صيغة المتكلّم، ضميرُ "أنا" فالشٌ على السياق، ولكن في انسيابٍ عذب، يمرّ متألِّمًا  ويتجلّى ضعيفًا أمام هيمنة الظروف والمعتقدات! في المقابل، يبان الكاتب، الشخصيّةُ البطل، في تألّمه، متضامنًا مع البطلة التي لم يذكر من اسمها سوى ت. ز. لكنّكَ تشعرُ قارئًا أنّكَ، لا فقط تعرف اسمَها، بل تعرفها شخصيًّا وتقرُب منها منذ الأسطر الأولى للسرد.
واضحٌ في الكتاب، أنّ الكاتب البطل توأم روح ت. ز. رغم ابتعادها شرعيًّا وارتباطها بمن يحميها "قانونًا"، ولكن بمن هي في حاجة ملحّة إلى حمايةٍ منه دائمة! والحامي الطبيعيّ كان الحبيب الذي تلجأ إليه ولو في فكرها، فتشعر بالمأمن والسكينة!
هي سيرةٌ ذاتيّة من طرازٍ ندر. فالمؤلّف، إلى كونه غيرَ محترِفٍ الكتابة، ولم يُعرف أديبًا، وهو في الحقيقة لم يدوِّن إلاّ نصّه هذا، قدّم تحفةً أدبيّة رائعةً في نوعها! خرق نصّه القلوب في عميق نزفها، ببساطةٍ سرديّة لم يقصدْ قط توافرَ أركانها التي أضفت على القصّة مداها الجماليّ!
ولاعتبار تدوين مخطوطه في أرض البرازيل، وتبيان ظروف تركه الوطن في غربةٍ أقصتْه نهائيًّا عن لبنان، دخلت الرواية عالم أدب المهجر، الذي كوّن لونًا أدبيًّا خاصًّا فرض مكانته سلطانًا في عالم الأدب. فتساوى
شبل عيسى الخوري بأئمّة الرابطة القلميّة والعصبة الأندلسيّة تصنيفًا مستَحَقًّا! فإنّه ليس بعدد المؤلّفات يُصنّف الإبداع، بل بألمعيّة الداخل المواهبيّ الذي ينير خبايا النفس الضوئيّة. "سرّ المئة عام"، جوهرة أدبيّة عربيّة، بل بدعة لبنانيّة، شاعريّةُ النثر القصصيّ، في المبنى الممتدّ على الصفحات، المطعّم بأبياتٍ وقصائدَ تلوّنت ببيئة المؤلِّف الملهِمة، وأضفت على السياق روعة الانسكاب!
وإن حكت السيرة عيشَ الحبّ المستحيل، فإنّها تكلّمت على سرّ الألم في ذاتيّة اختباره الدفين. راح الحبُّ ينزف ألمًا، والألم يقطر حبًّا حتى الرمق الأخير من حياةٍ عفيفة، تكلّلت تضحيةً صامتة، تقدّمت شهيدةً على مذبح الالتزام الصادق والأمانة الموجعة. ولم تكن تقلُّبات الحرب العالميّة الأولى وتداعياتها على الوطن اللبنانيّ، إلاّ وسائلَ وأدوات مكّنت الأحداث الأليمة والظروف الطاغية، من النيل تباعًا من الفريسة الضائعة في خضمّ الوحدة والمعاناة، ومن رميها ضحيّةً تموت اضمحلالاً!
وبعد، تقاذفت الروايةَ تنقّلاتٌ محاولةٌ إخراجَها إلى النور، حتى بزغت شعاعاتُ شمسٍ من الشرق، من "سائر المشرق، في عودةٍ إلى مشرقيّة مجريات أحداثها، لتصدرَ عن "دار سائر المشرق" روايةً، سيرةً ذاتيّةً في أدب المهجر، أطلقت لها رحابَ الانتشار، وقدّمتْها إلى وساعة مهجر الكلمة، التي تطال كلَّ قادرٍ أدبًا ومقدَّرِ إنسان!


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عماد يونس فغالي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/04/02



كتابة تعليق لموضوع : سيرةُ ألمٍ في روعة انسكاب!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net