الحب هو حب الله والعشق عشق العمل!!
سيد صباح بهباني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
بسم الله الرحمن الرحيم
قل يا أيّها الّذين هادوا إن زعمتم أنّكم أولياء لله من دون الناس فتمنّوا الموت إن كنتم صادقين )
علم أنّه لا يمكن الوصول واللقاء إلا بالموت والفناء أحبّذ الموت لامحالة ، إذ لايثقل على المحبّ السفر عن الوطن إلى مستقرّ المحبوب ليتنعّم بمشاهدته ، والموت مفتاح اللقاء.
قال النبي صلى الله عليه وآله : (( من أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقاءه ))
وقال السجّاد عليه السلام : ((( حبّب إليّ لقاءك وأحبب لقائي واجعل لي في لقائك الراحة والفرج والكرامة ))).
ولذا قال تعالى :
قل يا أيّها الّذين هادوا إن زعمتم أنّكم أولياء لله من دون الناس فتمنّوا الموت إن كنتم صادقين ) )
فكراهة الموت غالباً إنّما يكون لحبّ الدنيا والعلاقة بها ولن يجتمع حبّان في قلب واحد كما عرفت ...
ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه
سيّما إذا فرض تنافيهما وتعاديهما وكونهما كالضرّتين لايجتمعان ، وقد علمت أنّ الدنيا عدوّة لله ولأوليائه ، فكيف يجتمع حبّ المتعاديين في قلب واحد وبقدر حبّه للدنيا يكون خالياً عن حبّ الله ، ويكون نعيمه بلقاء الله عند القدوم عليه على قدر حبّه ، وعذابه بفراق الدنيا عند الموت على قدر حبّها وكثيراً ما يكره الموت لكثرة المعاصي وعدم الاستعداد للقاء .
فإن كان في هذا الحال سالكاً سبيل الآخرة ساعياً في تحصيل الزاد والاستعداد وكان كراهته للموت مخافة أن لايكمل لقاءه للحبيب على النهج الذي يريده فهو لاينافي الحبّ لله ، بل هو كالمحبّذ الذي وصل الخبر بقدوم حبيبه عليه فأحبّ أن يتأخّر ساعة ليهدي له داره ويعدّ أسبابه فيلقاه كما يهواه
الأحلام ظهرت زهراء من بين الأشجار كنسمة ياسمين تزهّر القلوب و تنعش النفوس فأحس بأنه قد رأى ملاك الحب أمام فأنبتت تربة قلبه من جديد و اقتلعت جميع الشوك و زرعت أزهار الأمل و المحبة في قلبه و جاءت و جلست بجانبه و قالت له كلمات خرجت من ثغر ماضيها :
أحببتني و شبابي في فتوته ..... و ما تغيرت و الأوجاع أشعاري
ماذا أقول ؟ وددت البحر قافيتي ..... و الغيم محبرتي و الأفق أشعاري
تنهد البدر و غابْ
في سحابة الأحزانْ
و عدت وحدي للسهرْ
فجاوبها و صوته من الحزن تشتت في صدى الألم :
أحسُّ حيال عينيكِ
بشىء داخلي يبكيني
أحس بخطيئة الماضي تعرّت بين كفيكِ
و في صدري
صبي أحمر الأظفار و الماضي
يخطط في تراب الروع
في أنقاض أنقاضي
و أنظر نحوى عينيكِ
فترعشني طهارة حب
و تغرقني اختلاجة هدب
ثم ردد قائلاً مرة ثانية بكلمات يملئها الحزن :
علمني حبك ..أن أحزن
و أنا محتاج منذ عصور
لامرأة تجعلني أحزن
لامرأة أبكي فوق ذراعيها مثل العصفور
لامرأة.. تجمع أجزائي
كشظايا البلور المكسور
أدخلني حبكِ.. سيدتي
مدن الأحزانْ..
و أنا من قبلكِ لم أدخلْ
مدنَ الأحزان..
لم أعرف أبداً..
أن الدمع هو الإنسان
أن الإنسان بلا حزنٍ
ذكرى إنسانْ..
فجاوبته و هي من حرقة القلب تنهدت آهات الحزن:
يمنعني الماضي من السجود
و القلب امتلأ بالثقوب
بسهام يطلقها رامي فنان
إنه الزمان
التي دخلت إلى الجسم و أهلكته
فلا أريد عذاب قلب يهيم
فاذهب علّ السماء تمطر
فتغني من جديد سنفونية الغرام
و تلتقي بعد شتات الأيام
بروحكَ التي أحبّت الهيام
و ذهبت و قلبها الحزين و لكن أي حزن!اصحي أيها الإنسان من غفوت الخيال وأتجه نحو الله القادر المقتدر
لعلك تنال سعادة الدارين ونعم عقبى الدار! وحسبي الله ونعم الوكيل والعاقبة للمتقين لا حب إلا حبه كما قال بعض
الصالحين : أريد وصاله ويريد هجري فأترك ما أريد لما يريد..
وقال آخر : وأترك ما أهوى لما قد هويته وأرضى بما ترضى وإن سخطت نفسي.
إذن لا حب إلا حبه كما بل إذا غلب الحبّ قمع الهوى فلا يبقى له تنعّم بغير المحبوب .
روي أنّ زليخا لمّا تزوّجها يوسف كانت تسوّفها وتهرب منه منقطعة إلى الله تعالى ، متخلّية للعبادة ، فلمّا أصرّ عليها قالت : إنّما كنت أحبّك قبل أن أعرفه ، والآن ما أبقت محبّته محبّة لسواه ، وما أريد به بدلاً.
وبالجملة : الصادق في الحبّ لايعصي حبيبه. تعصي الإله وأنت تظهر حبّه لو كان حبّك صادقاً لأطعته هذا لعمري في الفعال بديع إنّ المحبّ لمن يحبّ مطيع
هذا ، وقد قيل : إنّ العصيان لاينافي أصل الحبّ ، وإنّما ينافي كماله ، فكم من مريض يأكل ما يضرّه مع حبّه لنفسه ضرورة ، ولذا أنّ نعيمان لمّا حدّه شيء :
ما سبب حالك في هذه المحبّة قال : سمعت يوماً محبّاً يقول لمحبوبه : أحبّك والله بقلبي كلّه وتعرض عنّي بوجهك كله ، فقال المحبوب : إن كنت صادقاً فماذا تنفق عليّ؟ فقال : أملكك ما أملك ثم أنفق روحي حتّى أهلك ، فقلت : هذا خلق بخلق وعبد بعبد فكيف عبد بمعبود؟
أقول : بل هذا حال محبّ بمن لا يحبّه فكيف بمحبّ مع من هو أحبّ إليه منه .
ومنها : أن يكون مشفقاً على جميع عباد الله رحيماً عليهم شديداً على عداوة أعداء الله ، أشدّاء على الكفّار رحماء فيما بينهم ، لاتأخذه في الله لومة لائم .
ومنها : أن يكون في حبّه خائفاً متضائلاً تحت الهيبة والتعظيم ، ومن ظنّ أن الحبّ ينافي الخوف فقد أخطأ ، بل إدراك العظمة تورث الهيبة كما أنّ إدراك الجمال يورث الحبّ ، ومخاوف المحبّين في مقام المحبّة أشدّ وأعظم من غيرها ، وبعض منها أشدّ من بعض آخر .
فأوّلها : خوف الإعراض ، وأشدّ منه خوف الحجاب ، ثم خوف الإبعاد ، وإنما يعظم هيبة البعد وخوفه في قلب من وصل إلى القرب وألف به. آتش قرب ز بعد افزون است نيست در بعد جز اميد وصال جگر از محنت قربم خون است هست در قرب بسي بيم زوال
فالوزير الأعظم أشدّ خوفاً وهيبة من السلطان ممّن هو من عرض العسكر ومضطرب دائماً من أن يصدر عنه ما يزيله عن تقرّبه ويبعده عن حضرة الملك.
ثم خوف الوقوف وسلب المزيد ، فإنّ درجات القرب غير متناهية كما أشرنا إليه ، وحقّ السالك أن يجتهد في كلّ نفس حتى يزداد قرباً .
قال النبي صلى الله عليه وآله : من ساوى يوماه فهو مغبون ، ومن كان يومه شرّاً من أمسه فهو ملعون..
ولذا قال صلى الله عليه وآله : (( وإنّه ليغان على قلبي حتّى استغفر الله في كلّ يوم سبعين مرّة
فكان استغفار من المقام الأوّل بعد وصوله إلى المقام الثاني .
ثمّ خوف ما لايدرك بعد فوته ، ثم التسلية بلطف جديد يعرضه فيتكيء عليه فيقف أو يرجع والسلوّ يدخل عليه من حيث لايشعر كما يدخل الحبّ كذلك ، فإنّ لهذه التقلبات في القلب أسباب خفيّة سماوية ليس في قوّة البشر الاطّلاع عليها ، وإذا أراد الله المكر والاستدراج أخفى عنه ما ورد عليه من التسلية فيقف مع الرجاء أو يغترّ بحسن الظنّ أو تغلبه الغفلة والنسيان ، وكلّ ذلك من جنود الشيطان التي تغلب جنود الملائكة من العقل والعلم والذكر والبيان .
ثم خوف الاستبدال به من حبّه إلى حبّ غيره. وعلامته الانقباض عن دوام الذكر وملالته عن وظائف الأوراد وملازمة الخوف عن هذه الأمور والحذر منها بصفاء المراقبة دليل على صدق الحبّ ، فإنّ من أحبّ شيئاً خاف فقده إذا كان المحبوب ممّن يمكن فواته .
ولذا قال بعض العرفاء : من عبدالله بمحض المحبّة من غير خوف هلك بالبسط والإدلال ، ومن عبده من طريق الخوف دون المحبّة انقطع عنه بالبعد والاستيحاش ومن عبده بهما أحبّه الله فقرّبه ومكّنه وعلّمه ، فالمحبّ لايخلو عن الخوف والخائف لايخلو عن الحبّ ، وكان شوب الخوف يسكن قليلاً من سكر الحب ، فلو غلب الحبّ واستولت المعرفة لم يثبت لها طاقة البشر فالخوف يعدله ويخفّف وقعه على القلب .
فقد روي أن بعض الصديقين سأله بعض الأبدال أن يسأل الله أن
يرزقه ذرّة من معرفته ، ففعل ذلك فهام في الجبال وحار عقله ووله لبّه وبقى سبعة أيّام شاخصاً لاينتفع بشيء ولا ينتفع منه شيء فسأل الصدّيق أن ينقص بعض الذرّة ، فأوحى الله إليه إنّما أعطيناه جزءاً من مائة ألف جزء من الذرّة ، فإنّ مائة ألف عبد سألوني في ذلك الوقت الذي سأله أن أعطيهم ذرّة من المعرفة فقسمتها بينهم ، فهذا ما أسابه منه فقال : سبحانك يا أحكم الحاكمين انقصه ، فأذهب الله عنه جملة من الجزء وبقي فيه عشر معشاره أي جزء من عشرة ألف ألف جزء من الذرّة ، فاعتدل خوفه وحبّه ورجاؤه وسكن وصار كسائر العارفين .
ومنها : كتمان الحبّ والتوقّي من إظهار الوجد والمحبّة تعظيماً للمحبوب وإجلالاً وغيرة على سرّه فإنّ الحبّ سرّ من أسرار الله تعالى ولأنّه قد يدخل في الدعوى ما يجاوز ويزيد على المعنى ويكون ذلك من الافتراء وتعظم العقوبة عليه في العقبى ويتعجّل عليه البلوى في الدنيا ، ..
ولقد كان أكثر الشيعة من أصحاب الأئمّة عليهم السلام لا يطيقون لما يرونه من جمال أئمّتهم الصوري ممّا يدهش العقول والألباب. فربّما لاحظوا فيهم بعين الربوبية أو وقع في أوهامهم ذلك مع أنّه قليل من كثير ما هم فيه ..
وكذا لايطيقون لاستماع أصواتهم وألحانهم فضلاً عن مراتب معارفهم العالية .وما علينا إلا أن نتذكر ونعي بأن الحب هو حب الله والعشق هو عشق العمل الذي يقربنا إلى الله ويداً بيد للتعاون لنيل الصالح من العمل والله خير حافظ وهو أرحم الراحمين.
المحب المربي السيد صباح بهبهاني
behbahani@t-online.de
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
سيد صباح بهباني

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat