صفحة الكاتب : نزار حيدر

قِفْ..لا تَنْشُرْ (١)
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

   هذا العنوان اخترتَهُ لاسمِ حملةٍ وددتُ ان أطلقها بعد ان بدأت أشعر ُبأنّ الارهابيين باتوا يتغلّبون علينا بالتّضليل الّذي يصنعونهُ بتقنيّة عالية لنقومَ نَحْنُ بنشرهِ بالنّيابة عنهم، فنساعدهم على تحقيق اهدافهم إمّا غباءاً او جهلاً او غَفلةً، لا فرق، فالنّتيجةُ واحدةٌ، حتى أصبحنا ظَهرهُم المركوب وضرعَهم المحلوب!.

   فلقد بتنا نتبنّى الكِذبةَ ونروّجها، مثل المغفّلين، بدون انتباه او تمحيص او تثبّت، وكأنّنا نلهو {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ}  {لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ}!.

   ولقد وصف أميرُ المؤمنين (ع) مرّة دور التضليل الذي كان يمارسه الامويّون بقوله {

أَلاَ وَإِنَّ مُعَاوِيَةَ قَادَ لُمَةً مِنَ الْغُوَاةِ وَعَمَّسَ عَلَيْهِمُ الْخَبَرَ، حَتَّى جَعَلُوا نُحُورَهُمْ أَغْرَاضَ الْمَنِيَّةِ}.

   الا ان الفرق في نقطة واحدة؛ فاذا كان الطاغية معاوية قد وظّفَ، وقتها، مجموعة من الغُواة، يدفع لهم المال لإنجاز المهمة، فانّ الارهابيّين اليوم سخّروا الملايين ووظّفوهم في نشر تضليلهم ولكن بالمجّان من خلال تعبئتِهم عبر مختلف وسائل التّواصل الاجتماعي.

   أولئك كانوا يرتزقونَ على تضليل الأمويّين، امّا هؤلاء فمرتزقةٌ بالمجّان.

   لقد بدأ تضليلهم يضرّ بِنَا كثيراً، فلقد اصبح إنتاجهم من الاخبار والصور والافلام والتقارير المكذوبة والمُفبركة شُغلنا الشاغل، ننشرها ونتبادلها ونتناقلها ونتحدّث بها ونتخاصم بسببها ونستشهد بها ونضمّنها مقالاتنا وآرائنا، وكأنّها مسلّمات لا يرقى اليها الشكّ قيد انملة، فلا احدَ يجرؤ على التشكيك بها او التوقّف عندها او الطّعنِ بها او السؤال عنها او ردّها، ولذلك ينبغي علينا ان نتوقف قليلاً ونتساءل ونشكّك ونبحث ونتحقّق ونتثبّت ونسأل قبل ان نتعامل مع أيّة مادّة تصلنا.

   اذا شَككنا بها سألنا، واذا تيقّنّا من كذبها ضربنا بها عرضَ الحائط.

   اذا تأكّدنا من صحّتها، تساءلنا؛ هل نُحقق بنشرها أيّة فائدة او مصلحة؟ فاذا كان الجواب بالنفي، احتفظنا بها واجّلنا البتّ بأمر نشرها الى اشعار آخر.

   قد تكون المادّة صحيحة ومحتواها سليم ولكنّ الغرض منها سيّء او مشبوه، ترادُ بها فِتْنَة، هنا ينبغي ان تتوقف عندنا لوأد الفتنة، فـ {الْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ}.

   نَحْنُ الان في حالةِ حربٍ شرسة لا ينبغي ان نغفلَ عن كلّ حرفٍ نهمُّ بنشرهِ، فقد يكون سبباً في تقوية جبهة العدو او إضعاف جبهةِ الحق.

   ولذلك أمر الله تعالى المسلمين ان يُرجِعوا اخبار الحرب والأمن الى القيادة فقط، رسول الله (ص) فهو وحدهُ من يبتُّ بها، فقال تعالى {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا}.

   انّ الفوضى العارمة التي نعيشها الان في نشرِ كلُّ ما يصلنا، وجلّهُ كذِبٌ مُفبرك، يضيّع علينا فرصَ النّصر ولا يُقلّل من التّضحيات ابداً، ويزيدُ في المعاناة، ولذلك ينبغي ان نّعمل من انفسنا على انفسنا اجهزة ضبطٍ وفلترةٍ اداتُها ووازعُها الضمير الحي والعقلُ اليقض والخبرة المتراكمة واستحضار التجربة، مهمّتها التمييز بين الغثّ والسّمين، من جهة، وبين السّمين الذي ينفعُ والاخر المضرّ الّذي لا ينفعُ، ففي المأثور [ليس العاقلُ هو الذي يميّز بين الخير والشرّ، وانما العاقل هو الذي يميّز بين افضلِ الخيرين، من جهة، وخير الشّرّين، من جهة اخرى] امّا الذي يعجزُ عن ذلك فليسأل ولا يستعجل، وقد قال تعالى {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} فالسؤال ليس عيباً الا انَّ نشر الاكاذيب والفبركات هو العيب بعينه، قد يصل الى حدِّ الجريمة.

   لقد كان رسول الله (ص) يأمر عيونه بإشهار اخبارهم على رؤوس الأشهاد اذا كانت حسنة وايجابيّة، امّا اذا كانت سيئة او عجزوا عن تمييزها لا يعرفون ما اذا كانت جيدة ام سيئة فكان يأمرهم بنقلها له سراً.

   ولقد عاهد امير المؤمنين (ع) أصحابه ان لا يَخفي عليهم أمراً الا في حرب او مكيدة.

   لماذا العجلة في نشر كل ما يصلنا؟ ما الذي أجبرنا او يجبرنا على ذلك؟ وما هي الفائدة؟.

   لقد تشدّد القران الكريم كثيراً جداً مع الخبر فوضعَ قيوداً وقواعدَ عند التعامل معه، نقلهُ او تحليلهُ، لانّ خطرهُ عظيمٌ في المجتمع، كيف؟!.

   يتبع

   ٢٤ شباط ٢٠١٥

                         للتواصل:

E-mail: nhaidar@hotmail. com


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/02/25



كتابة تعليق لموضوع : قِفْ..لا تَنْشُرْ (١)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net