صفحة الكاتب : عمار العامري

الأبـعاد السياسية لفتوى الجهاد الكفائي
عمار العامري

 لابد أن يعرف الجميع أن فتوى الجهاد , التي أصدرتها المرجعية العليا في 14/6 من العام الماضي , ليست ذي بــُعد عسكرياً وامنياً فقط , لصد هجوم عصابات داعش , التي كانت موجه لإسقاط حكومة بغداد , بذريعة الدفاع عن حقوق السنة , وإنما هناك أهداف إستراتيجية مدروسة ومرسومة بشكل متقن , وضعتها الدوائر السياسية العالمية والإقليمية , ليس للسيطرة على الوضع السياسي في العراق فحسب , وإنما المنطقة عامة.
 حيث أن فتوى الإمام السيستاني أثبتت الحنكة السياسية للمرجعية الدينية , وقراءاتها الدقيقة للإحداث , واستشرافها للمستقبل لما تمتلكه من بـُـعد نظر , وأن الأبعاد السياسية لها تكون على الأصعدة العالمية والإقليمية والوطنية والشيعية , إذ كانت دول الاستكبار العالمي تخطط لحسم الصراع الأمريكي - الأوربي مع المعسكر الشرقي بحليته الجديدة (روسيا , الصين , إيران) , والحد من توسع القوى الشيعية في المنطقة , بعد فشل الغرب بإسقاط النظام السوري , كذلك إرجاع عميلها القديم (البعث) لحكم العراق , ولكن بوجوه جديدة , لذلك تفاجئ مهندسي تلك الدوائر , بالقوة الكامنة للمرجعية العليا في النجف الاشرف , ومدى نفوذها , وتأثيرها الجماهيري , كونها صاحبة القرار المصيري , ليس داخل الإطار الشيعي , وإنما تأثيرها على الوضع الدولي , وقد أصبح القرار المرجعي بقوة قرار ولاية الفقيه , إذ لم نقل تجاوز ذلك , وهذا دليل على فشل تقييم تلك الدوائر لحالة اللامبالاة التي إصابة الشارع العراقي , لما يصدر من توجيهات للمرجعية الدينية في خطب الجمعة , لاسيما ما كان منها قبل 12/6.
 فيما قوضت الفتوى المرجعية العليا , المساعي الإقليمية الرامية لدعم وتقوية صنيعتها من الشخصيات السياسية والدينية والجماعات المنحرفة بتوسيع مساحاتها داخل العراق , وتنشيط عملاءها مما يسمى بالمرجعيات العربية , لزعزعة ثقة الشارع , وخلق جيوب للفتنة المذهبية والطائفية , وكشفت الفتوى الارتباط بين تلك الدوائر وجيوبها , وبروز محاولات بعضها لإفشال الفتوى أو سرقة جهدها أو التقليل من شأنها , بينما على الصعيد الوطني , وضعت الفتوى حداً للفوضى السياسية , التي رافقت الحكومة السابقة , وتردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والخدمية , بسبب مسلسل الأزمات المتكررة في نهاية كل عام , فتارة أزمة عربية – كردية , وأخرى شيعية – سنية , وخلافات مستمرة شيعية – شيعية , وأيضا الانسحابات الحكومية والاستهداف السياسي , فأصبحت الفتوى بمثابة الضربة القاصمة التي تحقق على أثرها التـغيير , ليس في التشكيلة الحكومية التي حظيت بالقبول الوطني والدولي , وإنما في تغيير السياسات والآليات التي كانت متبعة , نتيجة القرارات الارتجالية كعقد الاتفاقيات الغامضة , والصفقات المشبوه , على حساب المصلحة العليا للبلد والثوابت التي تأسس عليها (عراق ما بعد صدام) , حيث اختفت تلك التراجيديات , ألا أن ماكينات الإعلام لم تتوقف , باعتباره منهج قديم مستمر بأساليب جديدة , وان الفتوى وضع العربة على السكة , وما على الساسة ألا المضي بالطريق الصحيح.
 أما على الصعيد الشيعي , فقد أثبتت الفتوى أن المرجعية الدينية , هي الجهة القادرة والمتمكنة فعلاً من الدفاع عن المذهب والوطن , والمطالبة بحقوق أبناءه على حد سواء , ولا يمكن لأحد المزايدة على مواقفها وجهودها المباركة , من خلال الشعارات وتظليل الحقائق , وان دخول داعش للموصل , كشف من هم المدافعين عن الوطن ؟ والمضحين من اجله بأغلى ما يملكون , وبين من يتسترون بالوطنية , وهم لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم وأعراضهم وحقوقهم , فكانت سرايا الحشد الشعبي القوة الوطنية المدافعة بجدارة عن الوطن والمقدسات , بعد انهيار المنظومة العسكرية والأمنية , والتي لم تستطيع الوقوف بوجه الإرهاب بسبب تفشي الفساد , ووصول الضباط البعثيين لمواقع القيادة , ولكن بعد الانتصارات المتلاحقة لمجاهدي الحشد الشعبي , بات من الضروري تقنيين تلك القوة الوطنية الدفاعية , تحت عنوان موحد وهو (الحرس الوطني) , وتقييدها بعدد من التوصيات التي أصدرتها المرجعية العليا , وتعتبر لائحة (المقاتل المثالي) لذا أصبح أي تحرك أو خلق لفوضى خارج الإطار القانوني , يعني خروج عن طاعة المرجعية العليا , ليس سياسياً كما حصل سابقاً , وإنما يعتبر تمرد وانحراف عن المسارات المرسومة , وتجاوز على هيبة القرار المرجعي , وسفك للدم العراقي , والعودة لتغليب المصالح الفئوية والحزبية على مصلحة المذهب والوطن.
 ويظهر مما سبق , أن حكمة السيد السيستاني وحلمه , واطلاعه التفصيلي على الإحداث السياسية , والتحرك الدولي والوطني , جعلته يتخذ القرار المناسب بالوقت المناسب , فربما كانت فتواه عام 2005 بما يخص الانتخابات (صوتك من ذهب) , قد أعطت دافع كبير للمشاركة العامة بالانتخابات , ولم تأتي بعدها قضية أهم من انهار وشيك للعراق على يد الإرهاب , فكان صوت المرجعية الدينية يعلو على جميع الأصوات , التي أسست للخروج على طاعتها , وساهمت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة لما وصل إليه الحال بالعراق , ولم تضع العلاجات اللازمة والضرورية لتفادي ما حصل , بسبب عدم التزام أصحاب القرار فيها لتوجيهات المرجعية العليا , فكانت فتوى الجهاد تمثل النتيجة العملية التي أثبتت قوة المرجعية الدينية , وجعلتها محل اهتمام جميع الدوائر السياسية العالمية.

 
 باحث بالفكر السياسي الإسلامي المعاصر


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عمار العامري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/02/23



كتابة تعليق لموضوع : الأبـعاد السياسية لفتوى الجهاد الكفائي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net