بسم الله الرحمن الرحيم
بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً{11}
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقاتها ( بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ ) , اقتصرت انظارهم وافكارهم على الدنيا وزخرفها , فذهبت بهم المذاهب الى ان الكرامة والعزة في المال والانساب ... الخ , فكذبوا بيوم القيامة , ( وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً ) , واغفلوا ان الله تعالى اعد نارا شديدة الاسعار لمن كذب بيوم القيامة .
إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً{12}
تنقل الآية الكريمة صورة عن القيامة ( إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ ) , قبل ان يدخلوها او انهم شارفوا على دخولها , فلا زالت بعيدة عنهم , مع ذلك البعد ( سَمِعُوا لَهَا ) , بالرغم من بعد المسافة سيسمعون لها :
1- ( تَغَيُّظاً ) : كالصوت الذي يصدر من الغاضب , او كالأصوات الصادرة من البراكين .
2- ( وَزَفِيراً ) : صوت اشد من التغيظ .
وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً{13}
تنتقل الآية الكريمة لتنقل صورة اخرى ليوم القيامة , وهذه المرة ( وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا ) , دخول النار , ( مَكَاناً ضَيِّقاً ) , لها عده محاور منها :
1- اما ان تكون ضيقة لمزيد من العذاب .
2- او تكون ضيقة لكثرة روادها .
( مُقَرَّنِينَ ) , مقيدين كل مع من شاكله بالجرم , الزناة مع بعضهم البعض , وشاربي الخمر مقيدين مع بعضهم البعض وهكذا , ( دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً ) , لا يملكون عندها سوى الدعاء على انفسهم بالهلاك , الموت الحقيقي , فلا يبقى لهم اثر , يدعون ان يكونوا عدما , كل ذلك من شدة ما يرونه من العذاب .
لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً{14}
يأتيهم الرد الحازم في الآية الكريمة على لسان ملائكة العذاب ( لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً ) , لا تدعو بدعاء واحد , ( وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً ) , بل ادعوا بكثير من ادعية الثبور , والسبب ان عذابكم صنوفا واشكالا كثيرة , الآية الكريمة في جملتها تسخر منهم ومن دعواتهم على انفسهم .
قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاء وَمَصِيراً{15}
تنقل الآية الكريمة الصورة الى الطرف المقابل ( قُلْ ) , قل لهم يا محمد , ( أَذَلِكَ خَيْرٌ ) , أذلك المصير خير وافضل , ( أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ) , ام جنة الخلد التي هي مصير المتقين , ( كَانَتْ لَهُمْ جَزَاء ) , جزاءا واجرا لهم , ( وَمَصِيراً ) , مقرا ومرجعا .
لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاؤُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُولاً{16}
تنقل الآية الكريمة شيئا عن حال المتقين في الجنة ( لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاؤُونَ ) , كل طلباتهم مجابة , ( خَالِدِينَ ) , وايضا خالدين فيها لا يخرجون منها ابدا , ( كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُولاً ) , السؤال له منحنيين :
1- من جهة الناس بأن يقولوا { رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ } آل عمران194 .
2- او من جهة الملائكة { رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }غافر8 .
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ{17}
تنتقل الآية الكريمة لتسلط الضوء على جهة كل ما عبد سواه جل وعلا ( وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ) , كل ما عبد من دون الله تعالى , كالملائكة وعيسى "ع" والحجر وغيره , ( فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاء ) , يقال للمعبودين هل انتم اوقعتموهم بالضلال , ( أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ ) , ام هم اضلوا الطريق الصحيح , فعبدوكم .
قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْماً بُوراً{18}
تروي الآية الكريمة جوابهم ( قَالُوا سُبْحَانَكَ ) , استهلوا جوابهم بتنزيهه جل وعلا , تأدبا في حضرة الباري جل وعلا , سواء كانوا ملائكة او انبياء او جمادات , فالجميع مأمور بتسبيحه جل وعلا , ( مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء ) , لا يصح لنا ذلك , ( وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ ) , بطول العمر وسعة الرزق ... الخ , حتى غفلوا عن ذكرك ونسوا المواعظ , ( وَكَانُوا قَوْماً بُوراً ) , هلكا , او عديمي النفع والفائدة , لا خير فيهم ولا يرتجى منهم .
فَقَدْ كَذَّبُوكُم بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلَا نَصْراً وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً{19}
تستمر الآية الكريمة في نفس الموضوع ( فَقَدْ كَذَّبُوكُم ) , كذب المعبودون عبادهم , وهذه اقوى والزم حجة , ( بِمَا تَقُولُونَ ) , بأنهم آلهة مستقلة او شركاء لله تعالى في خلقه وملكه وتدبيره , ( فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلَا نَصْراً ) , بيانا للعجز التام , فلا يمكنكم دفع العذاب عنكم , وليس لكم من مدافعا ناصرا ومعينا , ( وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً ) , العذاب الكبير هو النار .
وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً{20}
توضح الآية الكريمة مذكرة وهي ايضا جوابا لقولهم المتقدم ( وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً{7} ) ( وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ ) , وانت يا محمد "ص واله" مثلهم في ذلك , ( وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً ) , ابتلاء , كابتلاء الاغنياء بالفقراء , والشريف بالوضيع , والسليم بالمريض ... الخ , ( أَتَصْبِرُونَ ) , لها موردين يرويهما الفيض الكاشاني في تفسيره الصافي ج4 :
1- علة للجعل اي لنعلم ايكم يصبر .
2- وحث على الصبر على ما افتتنوا به .
( وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً ) , بمن يصبر وبمن لا يصبر .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat