قال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}(1). إن في تلك الآية الكريمة ما يدل على أن أهل الكتاب من اليهود والمسيحين في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) كانوا يعرفون صفاته لدرجة أن تلك الصفات واضحة لديهم كوضوح ارتباط أبناءهم لهم. وقد يعتقد البعض بأن في هذه الكلمات بعض المبالغة ـ والعياذ بالله ـ لأنها تحكي عن معرفة أهل الكتاب للنبي محمد (صلى الله عليه وآله) كمعرفتهم للأبناء والأولاد. لكن في هذه الكلمات نكتة وحكمة إن دلت فإنما تدل على الإعجاز القرآني، إذ لا يمكن لأحد كائناً من كان أن لا يتعرف على فلذة كبده، وارتباط هذا الأبن بأهله وعشيرته.
وقد يتبادر إلى ذهن البعض الآخر أن ذكر الله عز وجل للرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) شيء لا بد منه وهو بديهي، لأن القرآن الكريم هو الكتاب الخاتم للرسالات السماوية الذي أنزل على خاتم الرسل (عليهم وعليه وآله الصلاة والسلام). ولا محيص أن يكون تذكير أهل الرسالات السابقة وإنذرهم باتباع هذا الرسول الخاتم (صلى الله عليه وآله) شيء بديهي أيضاً. ونقول، نعم إن ذلك من البديهيات أن يذكر الرسول الخاتم (صلى الله عليه وآله) وأن يذكر الله سبحانه وتعالى أهل الكتاب وينذرهم باتباعه، ولكن يجب ملاحظة شيء مهم أن القرآن الكريم قد ورد فيه الأنذار باتباع النبي (صلى الله عليه وآله) ولم تكن بشارة إذ أنهم كانوا ينظرون مجيئه، ولذلك عبرت الآية الكريمة عن معرفتهم إياه كمعرفتهم لأبناءهم.
إلا أن هذا الكلام، قد لا يعجب الكثير، الكثير، ويسأل من أين لك هذا الإثبات، فإن كنت تقول من القرآن الكريم فنحن لا نعترف به، وإن كان من كتابنا الأنجيل فأنتم لا تعترفون به، وبهذا لا يمكن لأي مسلم أن يدعي نبوة محمد من الأنجيل الذي لم يأتي على ذكره؟!
وفي معرض الجواب المنصف والمنطقي نقول:
أولاً: إن المسلمون يعترفون بما أنزل على سائر الأنبياء السابقين، وقبل بعثة النبي (صلى الله عليه وآله) حيث قال تعالى: {آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}(2).
وهذه الآية تبين أن إيمان الرسول الخاتم (صلى الله عليه وآله) والمؤمنون به من بعده يقرون بإيمانهم بالله، الملائكة، الكتب السابقة، والرسل المبعوثة من قبله (صلى الله عليه وآله).
وقال عز وجل: {قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}(3).
وهنا يطلب الله عز وجل من أتباع النبي محمد (صلى الله عليه وآله) بأن يقروا بإيمانهم بما أنزل من كتب ووحي آلهي على كل من إبراهيم وإسماعيل وإسحاق، ويعقوب، وموسى وعيسى ، وسائر الأنبياء من الذين نعرفهم والذين لم نعرفهم.
ونتيجة الأمر، أن المسلمون يؤمنون بالأنجيل المقدس الذي أنزل حقيقة على نبي الله عيسى بن مريم (عليه السلام)، لا الأنجيل الذي قد طاله التحريف.
ثانياً: إن الحجة تكون أبلغ وأقوى حين تأتي من الكتاب الذي نؤمن به ونعتقد بأنه مقدس، ومن القول المشهور: "ألزموهم بما ألزموا أنفسهم".
ثالثاً: إن التلميح أبلغ من التصريح في بعض الاحيان، وإجمال أُحياناً أوضح من الإفصاح، وكما يقال: "اللبيب من الإشارة يفهم" فلذلك فإن بعض الكتب أو من الذين نقلوا الأناجيل قد غيروا في صيغته الحقيقة التي نزلت على روح الله المسيح (عليه السلام) ولم يفصّلوا صفات الرسول الخاتم (صلى الله عليه وآله)، فقد حاولوا جعلها في عداد المتشابه؛ ولكن من حيث لا يعلمون أن ذلك وقع المصلحة العامة وأفدونا من حيث أرادوا أن يخفوا الحقائق. فمن خلال إشارات وتلميحات عديدة في الأناجيل يمكن للعارف المدقق أنها تعني صفات الرسول الخاتم (صلى الله عليه وآله).
وبعد هذه المقدمة، وتثبيت الثوابت، ومع أن توضيح الواضحات لهو من أشكل المشكلات. لا بد لنا أن نبحث بالأدلة والبراهين عن تلك الدلالات الملحمة والمصرحة من تلك الكتب عن الصفات النبي الله محمد (صلى الله عليه وآله)، وأني استمهل القارئ الكريم إلى المقالة التالية لنكمل معأ رحلة البحث عن: "المعزي المختار".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): الآية 146 من سورة البقرة المباركة.
(2): الآية 285 من سورة البقرة المباركة.
(3): الآية 136 من سورة البقرة المباركة
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
قال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}(1). إن في تلك الآية الكريمة ما يدل على أن أهل الكتاب من اليهود والمسيحين في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) كانوا يعرفون صفاته لدرجة أن تلك الصفات واضحة لديهم كوضوح ارتباط أبناءهم لهم. وقد يعتقد البعض بأن في هذه الكلمات بعض المبالغة ـ والعياذ بالله ـ لأنها تحكي عن معرفة أهل الكتاب للنبي محمد (صلى الله عليه وآله) كمعرفتهم للأبناء والأولاد. لكن في هذه الكلمات نكتة وحكمة إن دلت فإنما تدل على الإعجاز القرآني، إذ لا يمكن لأحد كائناً من كان أن لا يتعرف على فلذة كبده، وارتباط هذا الأبن بأهله وعشيرته.
وقد يتبادر إلى ذهن البعض الآخر أن ذكر الله عز وجل للرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) شيء لا بد منه وهو بديهي، لأن القرآن الكريم هو الكتاب الخاتم للرسالات السماوية الذي أنزل على خاتم الرسل (عليهم وعليه وآله الصلاة والسلام). ولا محيص أن يكون تذكير أهل الرسالات السابقة وإنذرهم باتباع هذا الرسول الخاتم (صلى الله عليه وآله) شيء بديهي أيضاً. ونقول، نعم إن ذلك من البديهيات أن يذكر الرسول الخاتم (صلى الله عليه وآله) وأن يذكر الله سبحانه وتعالى أهل الكتاب وينذرهم باتباعه، ولكن يجب ملاحظة شيء مهم أن القرآن الكريم قد ورد فيه الأنذار باتباع النبي (صلى الله عليه وآله) ولم تكن بشارة إذ أنهم كانوا ينظرون مجيئه، ولذلك عبرت الآية الكريمة عن معرفتهم إياه كمعرفتهم لأبناءهم.
إلا أن هذا الكلام، قد لا يعجب الكثير، الكثير، ويسأل من أين لك هذا الإثبات، فإن كنت تقول من القرآن الكريم فنحن لا نعترف به، وإن كان من كتابنا الأنجيل فأنتم لا تعترفون به، وبهذا لا يمكن لأي مسلم أن يدعي نبوة محمد من الأنجيل الذي لم يأتي على ذكره؟!
وفي معرض الجواب المنصف والمنطقي نقول:
أولاً: إن المسلمون يعترفون بما أنزل على سائر الأنبياء السابقين، وقبل بعثة النبي (صلى الله عليه وآله) حيث قال تعالى: {آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}(2).
وهذه الآية تبين أن إيمان الرسول الخاتم (صلى الله عليه وآله) والمؤمنون به من بعده يقرون بإيمانهم بالله، الملائكة، الكتب السابقة، والرسل المبعوثة من قبله (صلى الله عليه وآله).
وقال عز وجل: {قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}(3).
وهنا يطلب الله عز وجل من أتباع النبي محمد (صلى الله عليه وآله) بأن يقروا بإيمانهم بما أنزل من كتب ووحي آلهي على كل من إبراهيم وإسماعيل وإسحاق، ويعقوب، وموسى وعيسى ، وسائر الأنبياء من الذين نعرفهم والذين لم نعرفهم.
ونتيجة الأمر، أن المسلمون يؤمنون بالأنجيل المقدس الذي أنزل حقيقة على نبي الله عيسى بن مريم (عليه السلام)، لا الأنجيل الذي قد طاله التحريف.
ثانياً: إن الحجة تكون أبلغ وأقوى حين تأتي من الكتاب الذي نؤمن به ونعتقد بأنه مقدس، ومن القول المشهور: "ألزموهم بما ألزموا أنفسهم".
ثالثاً: إن التلميح أبلغ من التصريح في بعض الاحيان، وإجمال أُحياناً أوضح من الإفصاح، وكما يقال: "اللبيب من الإشارة يفهم" فلذلك فإن بعض الكتب أو من الذين نقلوا الأناجيل قد غيروا في صيغته الحقيقة التي نزلت على روح الله المسيح (عليه السلام) ولم يفصّلوا صفات الرسول الخاتم (صلى الله عليه وآله)، فقد حاولوا جعلها في عداد المتشابه؛ ولكن من حيث لا يعلمون أن ذلك وقع المصلحة العامة وأفدونا من حيث أرادوا أن يخفوا الحقائق. فمن خلال إشارات وتلميحات عديدة في الأناجيل يمكن للعارف المدقق أنها تعني صفات الرسول الخاتم (صلى الله عليه وآله).
وبعد هذه المقدمة، وتثبيت الثوابت، ومع أن توضيح الواضحات لهو من أشكل المشكلات. لا بد لنا أن نبحث بالأدلة والبراهين عن تلك الدلالات الملحمة والمصرحة من تلك الكتب عن الصفات النبي الله محمد (صلى الله عليه وآله)، وأني استمهل القارئ الكريم إلى المقالة التالية لنكمل معأ رحلة البحث عن: "المعزي المختار".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): الآية 146 من سورة البقرة المباركة.
(2): الآية 285 من سورة البقرة المباركة.
(3): الآية 136 من سورة البقرة المباركة
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat