صفحة الكاتب : السيد يوسف البيومي

أيام الأسبوع بين الحاضر والماضي
السيد يوسف البيومي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

هناك مفهوم خاطئ عند بعض الباحثيين في موضوع تسمية أيام أسبوع، إذ تبادر إلى أذهانهم أن أسماء الأيام مأخوذة عن اللغة اللاتنية أو لربما الفارسية، وقد ذهب البعض منهم إلى مكروهية هذه الأسماء، وعدم محبوبية الفرح أو الحزن فيها لأنها قد لا تنتمي إلى أي مفهوم إسلامي. ولكن حقيقة الأمر أن تسمية الأيام لها أساس عند العرب وفي المفهوم الديني الإسلامي. بل هناك روايات واردة عن أهل بيت النبوة (عليهم السلام) بتخصيص أسماء الأيام لأنها لها ارتباط وثيق بهم عليهم أفضل الصلاة والسلام، وقد جاءت أسماء الأيام بنفس التسمية المستعملة في حاضرنا هذا.

فقد جاء رجل إلى الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) يسأله: " يا سيّدي حديث يروى عَنِ النبيّ (صلى الله عليه وآله) لا أعرف مَعناه.

 قال (عليه السلام): وَما هُو.

 قُال الرجل: قوله (صلى الله عليه وآله): «لا تُعادُوا الايّام فتُعاديكم» ما مَعناه؟

 فقال (عليه السلام): نَعم الأيام نَحن ـ أي أهل البيت (عليهم السلام) ـ ما قامَتِ السماوات والأرض، فَالسَّبت باسم رسول اللهِ (صلى الله عليه وآله)، وَالأحد أمير المؤمنين (عليه السلام)، وَالأثْنين الحَسَن وَالحُسين (عليهما السلام)، والثّلاثاء عليّ بن الحسين وَمحمّد بن عليّ وجَعفر بن محمّد (عليهم السلام)، والأربعاء مُوسى بن جعفر وعليّ بن مُوسى ومحمّد بن عليّ وَأنا والخميس ابني الحَسَن (عليه السلام)، والجمعة ابن ابني وإليه تجتمع عصابة الحق، فهذا مَعنى الأيام فَلا تُعادوهم في الدّنيا فيعادوكم في الآخرة"(1).

وهناك زيارات مخصوصة بأسمائهم (عليهم السلام)، وإضافة إلى ذلك ما ورد من أدعية بأسماء أيام الأسبوع في الصحيفة السجادية لإمام زين العابدين (عليه السلام) وهي موجودة لمن يريد العودة إليها.

أما من الناحية التاريخة فإن العرب قد مرت تسمية الأيام عندهم في ثلاث مراحل إلى أن استقرت على هذه التسمية النهائية.

المرحلة الأولى:

   يقول البيروني(2): (لم تكن العرب تسمي أيامهم بأسماء مفردة غير أنهم أفردوا لكل ثلاث ليال من كل شهر من شهورهم اسما على حدة مستخرجاً من حال القمر وأطواره فيها، فإذ ابتدءوا من أول الشهر، كانت أول ثلاث ليال عندهم تسمى (غرر) جمع غرة، وغرة كل شيء أوله ثم ثلاث ليال نفل من قولهم تنفل إذا ابتدأ بالعطية من غير وجوب.

ثم ثلاث تُسَع: لأن آخر ليلة منها هي التاسعة.

ثم ثلاث عُشر: لأن أولها العاشرة.

ثم ثلاث بيض: لأنها تَبْيَضُّ بطلوع القمر من أولها إلى آخرها.

ثم ثلاث درع: لإسوداد أوائلها تشبيها بالشاة الدرعاء.

ثم ثلاث حنادس: وقيل لها (دهم) لسوادها.

ثم ثلاث دآدئ : لأنها بقايا.

ثم ثلاث محاق: لانحماق القمر والشهر.

وهذه كلها مأخوذة من وجوه القمر وأطواره.

المرحلة الثانية::

وفي هذا الطور من الزمن كانت الأسماء على الشكل التالي:

الأول، أهون، جبار، دبار، مؤنس، عروبة، السبت.

وقد جاء في ذلك شعراً:

 

أؤمل أن أعـيـش وأن يـومـي***بأوَّل أو بـأهـون أو جـبـارِ

أو التـالي دبـار فـإن أفُـتْـه***فـمـؤنـس أو عروبة أو شيار

وقيل أن أول من جمع يوم العروبة كان كعب بن لؤي الجد الثامن للنبي (صلى الله عليه وآله)(3).

المرحلة الثالثة:

ﻳﻮﻡ ﺍﻷﺣﺪ: ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ، ﻭﺃﻭﻝ ﺍﻟﻌﺪﺩ، ﻭهو ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻷﻭﻝ ﻣﻦ ﺍﻷﺳﺒﻮﻉ. وهو يوم لذكر الواحد الأحد، لذلك جاء في دعاء الإمام علي بن الحسين (عليه السلام):" اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ فِي يَوْمِي هَذَا وَ مَا بَعْدَهُ مِنَ الْآحَادِ، مِنَ الشِّرْكِ وَ الْإِلْحَادِ"(4).

ﻳﻮﻡ ﺍﻻﺛﻨﻴﻦ: ﻳﻌﻨﻲ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺍﻷﺳﺒﻮﻉ.

ﻳﻮﻡ ﺍﻟﺜﻼﺛﺎﺀ: ﻳﻌﻨﻲ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻣﻦ ﺍﻷﺳﺒﻮﻉ. 

ﻳﻮﻡ ﺍﻷﺭﺑﻌﺎﺀ: ﻳﻌﻨﻲ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ ﻣﻦ ﺍﻷﺳﺒﻮﻉ.

ﻳﻮﻡ ﺍﻟﺨﻤﻴﺲ: ﻳﻌﻨﻲ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ ﻣﻦ ﺍﻷﺳﺒﻮﻉ.

ﻳﻮﻡ ﺍﻟﺠﻤﻌﺔ: ﺍﻟﺠﻤﻌﺔ ﻣﻦ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ. والأصل في هذه التسمية يعود الى (الجمع) و(الاجتماع) بقصد الصلاة أو غيرها. وتجمع (الجمعة) على (جَمُعات) و(جُمَعات) و(جمْعات) و(جُمع). وهو عيد المسلمين، وحج الفقراء. وقد جاءت العديد من الروايات في مدح هذا يوم، وهو يو ظهور الإمام الحجة المنتظر المهدي (عجل الله تعالى فرجه).

ﻳﻮﻡ ﺍﻟﺴﺒﺖ: ﺍﻟﺴﺒﺖ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﺒﺮﻫﺔ ﻣﻦﺍﻟﺪﻫﺮ، ﻭﺍﻟﺴﺒﺖ ﻫﻮ ﺍﻟﺮﺍﺣﺔ، ﻭﻳﻘﺎﻝ ﺳﺒﺖ ﻳﺴﺒﺖ ﺳﺒﺘﺎً ﺃﻱ ﺍﺳﺘﺮﺍﺡ ﻭﺳﻜن. ويعتقد اليهود أن السبت من الأيام المقدسة عندهم فقد جاء في التوارة:" قدّسه الخالق تعالى فالرب أمر بني إسرائيل في الوصايا العشرة حفظ يوم السبت والتوقف عن القيام بأي عمل"(5).

وجاء أيضاً:" ذْكُرْ يَوْمَ السَّبْتِ وَقَدِّسْهُ لِتُقَدِّسَهُ، سِتَّةَ أَيَّامٍ تَعْمَلُ وَتَصْنَعُ جَمِيعَ صَنَائِعَكَ، وَالْيَوْمُ السَّابِعُ سَبْتٌ ِللهِ رَّبِّكَ، لاَ تَصْنَعْ شَيْئاً مِنْ الصَّنَائِعِ [الصَّنَاعَاتِ]، أَنْتَ وَابْنُكَ وَابْنَتُكَ، عَبْدُكَ وَأَمَتُكَ وَبَهَائِمُكَ وَضَيْفُكَ اَلًّذِي فِي مُحَلِّكَ، لأنَّ اللهَ خَلَقَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَالْبِحَارَ وَجَمِيعَ مَا فِيهَا وأُرَاحَهَا فِي الْيَوْمِ الْسَّابِعِ. لِذٰلِكَ بَارَكَ اللهُ فِي يَوْمِ السَّبْتِ وَقَدَّسَهُ"(6).

وقد سمي اليهود بأصحاب السبت، و يروي القرآن الكريم كيف أنّهم تجاوزوا في يوم السبت والذي كان قانون آلهي بالنسبة لهم ﴿إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ﴾(7) لأن يوم السبت كان يوم عطلتهم ، وكان عليهم أن يكفوا فيه عن الكسب ،وعن صيد السمك ويشتغلون بالعبادة ولكنهم تجاهلوا الأمر..

وقد قال البعض أن الأسبوع يبدأ في يوم الأحد وينتهي في يوم السبت(8). إلا أن المرجح عند أتباع أهل البيت (عليهم السلام) أنه يبدأ من يوم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو السبت وينتهي يوم الجمعة المباركة. وهذا ظاهر من خلال الترتيب الذي رتبه بها أمير المؤمنين (عليه السلام) في الراوية الواردة أعلاه. 

والنتيجة التي نصل إليها، أن أسماء الأيام ليست مأخوذة من أي لغة أخرى لاتنية أو فارسية. ولها أصل في اللغة العربية وكذلك في التراث الإسلامي.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1): كتاب الخصال ج2 ص394-396، ح 102: حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل (رضي الله عنه) قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم قال: حدثنا عبد الله بن أحمد الموصلي.

(2): ولد (أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني) في شهر ذي الحجة سنة 362هـ/ 3 من سبتمبر 973م، في إحدى ضواحي خوارزم، وهي مدينة (كاث) التي توجد مكانها حاليا بلدة صغيرة تابعة لجمهورية أوزبكستان، وكانت مدينة (خوارزم) مركزًا عظيمًا من مراكز الثقافة الإسلامية، ازدادت شهرتها بعد انهيار الخلافة الإسلامية في بغداد. ونشأ (البيروني ) في هذا الجو الذي يحث على طلب العلم ويدفع إلى التعلم، فحفظ القرآن الكريم ودرس الفقه والحديث النبوي الشريف، وفي (بيرون) خالط أبو الريحان التجار الهنود واليونانيين وغيرهم، فتعرف على طباعهم، وتعلم لغتهم، فاتسع إدراكه وازدادت خبرته وتعمقت تجارته، التقى أبو الريحان بمعلم أعشاب استطاع أن يتعلم منه شيئًا عن تحضير النباتات الطبية، وأن يعرف أسماء النباتات، الأمر الذي دفعه إلى الاهتمام بالعلوم الطبيعية. وتمكن (أبو الريحان) من أن يتصل بأبي نصر منصور بن علي، ذلك العالم الذي يمت بصلة قرابة إلى العائلة المالكة بخوارزم، وكان عالمًا كبيرًا في الرياضيات والفلك، فأطلعه على هندسة إقليدس، وفلك بطليموس، فأصبح العالم الشاب أبو الريحان مؤهلاً لدراسة الفلك، كما اكتسب دراية كبيرة بالعلوم الهندسية والفلك والمثلثات من أبي الوفاء العالم الفلكي الشهير وصاحب مرصد بغداد.اشتهر (البيروني) وذاع صيته حتى وصلت أخباره إلى أمير (خوارزم) فأعجب به، وضمه إلى علماء قصره، وضمن له ما يكفيه للعيش عيشة كريمة ليتفرغ للعلم والاستنباط والاستكشاف، وفكر (أبو الريحان) في بناء مرصد فلكي، فعرض الأمر على الأمير، فرصد له ما يشاء من مال، وأحضر له جميع المستلزمات التي طلبها، ثم شرع (البيروني) مع أساتذته في بناء المرصد.

(3): كتاب لسان العرب، حرف الشين، ج8.

(4): بحار الأنوار  "الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار (عليهم السلام)": ج87 ص164، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي، المولود بإصفهان سنة: 1037، و المتوفى بها سنة: 1110 هجرية، طبعة مؤسسة الوفاء، بيروت / لبنان، سنة: 1414 هـ.

(5): سفر الخروج ج٢٠:  الآية ٨-١١، "ترجمة التاج".

(6): الوصايا العشر في التوراة، أحدهما في سفر الخروج (ج٢٠: الآية١ - ١٧)، والثاني في سفر التثنية (ج٥: الآية٤ - ٢١). وهذه ترجمة الحاخام سعيد الفيومي (ترجمة كتاب التاج) للوصايا العشر في سفر الخروج.

(7): الآية 163 من سورة الأعراف المباركة.

(8): كتاب لسان العرب، حرف السين، ج8


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد يوسف البيومي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/02/07



كتابة تعليق لموضوع : أيام الأسبوع بين الحاضر والماضي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net